تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: الوليد بن عبد الملك… زحرف المساجد وهدم كنيسة (الجزء 11) - Marayana
×
×

تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: الوليد بن عبد الملك… زحرف المساجد وهدم كنيسة (الجزء 11)

وسط الكثير من الصمت الذي مارسه الرواة على سيرة الوليد بن عبد الملك، انفلتت من بين الصفحات، سيرة خليفة “قليل علم”، فيه “عسف، وجبروت”.
خليفة، قال عنه الذهبي: “كان جباراً ظالماً، لكنه أقام الجهاد في أيامه”. علما بأن الجهاد لم ينقطع منذ البعثة النبوية، وقال عنه المسعودي: “كان جبارا عنيدا، ظلوما غشوما”. وهذه بعض الحكاية المسكوت عنها.

محمد امحاسني
محمد امحاسني

هو “أبو العباس، الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي، الدمشقي”. أكبر أولاد عبد الملك.

يقول عنه الذهبي: “كان مترفا، دميما، سائل الأنف، طويلا، أسمر، بوجهه أثر جدري، (..) يتبختر في مشيه”. وكان “قليل العلم”. لكن حرصه على تولي الخلافة، دفعه إلى السعي إلى التعلم، فجمع ثلة من المعلمين، عكفوا على تعليمه النحو “أشهرا، فما نفع”. وقد كان فيه، “عسف، وجبروت”.

وفي محاولة من الذهبي لإقامة توازن مفقود يقول: “كان جباراً ظالماً، لكنه أقام الجهاد في أيامه”. علما بأن الجهاد لم ينقطع منذ البعثة النبوية.

ويقول المسعودي: “كان الوليد جبارا عنيدا، ظلوما غشوما” لمن تحديدا؟ لا تفاصيل.

وأخيرا، يقول ابن عساكر: “كان أبوه وأمه يترفانه، فشب بلا أدب”.

وعلى سبيل الهزل، فقد خطب قبل توليه فقال: “يا ليتُها كانت القاضية، وضمَّ التاء. فقال عمر بن عبد العزيز: يا ليتها كانت عليك وأراحتنا”.

كيف ولي

كما صار الآن مألوفا، منذ عهد معاوية، فقد “بويع” الوليد “بعهد من أبيه” عبد الملك. وكانت أول خطبة له، أن قال: “إنا لله وإنا إليه راجعون. يا لها مصيبة ما أعظمها وأفظعها وأخصها وأعمها وأوجعها: موت أمير المؤمنين. ويا لها نعمة ما أعظمها وأجسمها وأوجب الشكر لله عليّ فيها: خلافته التي سربلنيها. فكان أول من عزى نفسه وهنأها بالخلافة. ثم قال: انفصلوا، فبايِعوا على بركة الله”.

من الأصوات التي جهرت برفض توليته:

* خبيب بن عبد الله بن الزبير، حفيد الزبير بن العوام، وابن عبد الله بن الزبير، الذي كان حارب أباه عبد الملك. فكتب الوليد إلى عامله على المدينة وقتها، عمر بن عبد العزيز، “يأمره بضرب خبيب بن عبد الله بن الزبير ويصب على رأسه ماء باردا، فضربه خمسين سوطا، وصب عليه ماء باردا في يوم شات، ووقفه على باب المسجد، فمات من يومه”.

* “علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب”، الذي قُبض عليه سنة خمس وتسعين وقُتل، ثم دُفن بالمدينة.

إنجازاته

خارجيا:

“أنشأ جامع بني أمية” (بدمشق).

“أنشأ أيضا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزخرفه”.

“فتح بوابة الأندلس، وبلاد الترك”.

“افتتح الهند” و “امتدت في زمنه حدود الدولة العربية إلى بلاد الهند، فتركستان، فأطراف الصين”.

يقول الناصري في “الاستقصا”: “لما فتح (موسى بن نصير) سقوما كتب إلى الوليد بن عبد الملك أنه صار لك من سبي سقوما مائة ألف رأس (من الجواري والصبية). فكتب إليه الوليد: ويحك! إني أظنها من بعض كذباتك. فإن كنت صادقا فهذا محشر الأمة”.

“قيل: كان يختن الأيتام ويرتب لهم المؤدبين ويرتب للزمنى من يخدمهم وللأضراء من يقودهم من رقيق المسلمين (..) ورزق الفقهاء والفقراء والضعفاء، وحرم عليهم سؤال الناس”.

داخليا

كان الوليد “أول من أحدث المستشفيات في الإسلام”.

“فرض للفقهاء، والأيتام، والزمنى، والضعفاء، وضبط الأمور” ويعلق الذهبي… “فالله يسامحه”.  وقد كان المفروض أن يثني عليه، لا أن يلتمس له المغفرة. ومم تحديدا؟ هذا ما لم يسمح لنا بمعرفته في ظل التكتم الشديد من قبل الفقهاء والرواة.

عزم على هدم كنيسة دمشق، لكنه كان يحتاج إلى فتوى لتبرير هذا الاعتداء، فارتأى له أحدهم (كعب) أن تأويل الآية 105 من سورة المائدة لا يقع إلا “إذا هدمت كنيسة دمشق”، ففعل، وشرع في بناء مسجد دمشق مكانها!

وخلال الهدم، صعد الوليد إلى منارة كان فيها راهب، فأمره بالنزول، “فأكثر الراهب كلامه، فلم تزل يد الوليد في قفاه حتى أحدره من المنارة”. نِعم التسامح.

وقد قيل إن السبب في الهدم هو “أن بعض المسلمين كان يتأذى بسماع قراءة النصارى للإنجيل، ورفع أصواتهم في صلواتهم، فأحب أن يبعدهم عن المسلمين، وأن يضيف ذلك المكان إلى هذا، فيصير كله معبدا للمسلمين”.

يقول الزركلي، عن كلفة المشروع: “كانت نفقات هذا الجامع (000، 200، 11) دينار، أي نحو ستة ملايين دينار ذهبي من نقود زماننا”.

كان “أول من زخرف المساجد. ويعلق الزرقاني بأن العلماء سكتوا “عن إنكار ذلك، خوف الفتنة. ورخص فيه بعضهم”، فقهاء البلاط طبعا.

غير هذا، فمن أخباره المتفرقة أنه:

“تزوج في خلافته ثلاثا وستين امرأة، فكان يطلق الثلاث والاثنتين والواحدة”.

كان يحب الرهان على الخيل. ومرة سبق حصان أحدهم، فما كان منه إلا أن عقر خيله كلها.

وكان يحب النبيذ أيضا.

وبأمر منه “كانوا يؤخرون الصلاة (..) ويستحلفون الناس أنهم ما صلوا” وقد أنكر أحدهم مرة، علانية، “تأخير الجمعة، فأخذوه وقتلوه”.

لما استقر له الأمر، حاول الوليد “خلع سليمان من ولاية العهد لولده عبد العزيز، فامتنع عليه عمر بن عبد العزيز، وقال: لسليمان بيعة في أعناقنا. فأخذه الوليد، وطين عليه (بنى حوله حجرة ضيقة من الطين)، ثم فتح عليه بعد ثلاث وقد مالت عنقه”.

وفاته

– “مات (..) سنة ست وتسعين، وهو ابن ست وأربعين سنة فكانت ولايته تسع سنين وثمانية أشهر”.

للتندر فقط

أحب الوليد “أن يتعبد ليلة في المسجد (على غير عادته، فيما يبدو) فأمر القومة أن يخلوه له ففعلوا. فلما كان من الليل، جاء من باب الساعات فدخل الجامع، فإذا رجل قائم يصلي فيما بينه وبين باب الخضراء، فقال للقومة: ألم آمركم أن تخلوه؟ فقالوا يا أمير المؤمنين هذا الخضر يجيء كل ليلة يصلي هاهنا”.

الخَضِر أو آصف بن برخيا حسب ابن عباس، أحد علماء بني إسرائيل، الذي علم موسى مما عَلِم رشدا! (الكهف – 65)

المراجع

الاستذكار لابن عبد البر – الاستقصا للناصري – الأعلام للزركلي – البداية والنهاية لابن كثير – الكامل في التاريخ لابن الأثير

أنساب الأشراف للبلاذري – تاريخ الإسلام للذهبي – تاريخ دمشق لابن عساكر – سير أعلام النبلاء للذهبي – مروج الذهب للمسعودي

 

لقراءة الجزء الأول: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. مقدمة لابد منها

لقراءة الجزء الثاني: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. ولاية أبي بكر الصديق

لقراءة الجزء الثالث: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. ولاية عمر بن الخطاب

لقراءة الجزء الرابع: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. عمر بن الخطاب، من توسع الخلافة إلى الاغتيال

لقراءة الجزء الخامس: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. عثمان بن عفان: الولاية والنهاية

لقراءة الجزء السادس: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: علي بن أبي طالب… الإمامة وبداية الفتنة 

لقراءة الجزء السابع:تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: الحسن بن علي… صفقة الحكم 

لقراءة الجزء الثامن: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: معاوية بن أبي سفيان… الملك العاض

لقراءة الجزء التاسع: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة… معاوية بن يزيد: خليفة ضد الخلافة

لقراءة الجزء العاشر: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: يزيد بن معاوية… الخليفة الذي أحرق الكعبة

لقراءة الجزء 11: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. مروان بن الحكم: الطريد وابن طريد المدينة

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *