النباتيون المغاربة: تمرد على نظام غذائي ونضال من أجل مجتمع دون لحوم - Marayana
×
×

النباتيون المغاربة: تمرد على نظام غذائي ونضال من أجل مجتمع دون لحوم

ما الذي يعنيه أن تكون نباتيا؟ أن تأكل الخضروات دون لحم. أن تقطع مع عادات استهلاكية؟ أو أن تناضل من أجل مُجتمع نباتي؟
مرايانا تقترب من تجارب مغاربة قرروا العيش دون لحوم. كانت رحلة شاقة، تكللت بنضال نباتي من أجل بيئة سليمة.

اتباع نظام غذائي يقوم على النباتات فقط، خيار صعب، غير أنه وجد صداه عند شباب وشابات المغرب.

هو تمرُّد على المعتقد التقليدي السائد في الأكل، فاختيار العيش دون لحوم قد يبدو للكثير منا أمراً صعبا. غير أنه، عند فئة كبيرة، يعتبر نضالاً من نوع آخر. نضال من أجل البيئة، من أجل صحة سليمة ومن أجل مجتمع قادر على العيش بنظام غذائي متوازن وصحي دون قتل واستغلال الحيوانات.

كيف يعيش النباتيون المغاربة؟

هل هو نضال أم أسلوب عيش فردي؟

حياة دون لحوم

محمد البوحقاوي، ناشط نباتي، ورئيس “الجمعية الوطنية لنباتيي المغرب“، يقول في حديث لمرايانا إنه كان، قبل سنة 2012، يأكل اللحوم، يُشارك في أجواء العيد وطقوسه، يُساعد الأسرة في الذبيحة وغيرها. غير أنه بدأ، تدريجياً، في محاولة تأطير سلوكه تجاه أكل اللحوم، لتبدأ رحلته نحو التغيير، وليصير نباتياً.

يقول البوحقاوي: “قضيت كثيرا من الوقت أبحث وأتابع الموضوع، إلى أن تعرفت على التأثيرات السلبية لاستهلاك اللحوم، ومساهمتها في تهديد الحيوانات. كنت قد شاهدت شريط فيديو يشرح الطريقة التي تصلنا بها اللحوم وكيف تتم تربية الحيوانات في ظروف غير لائقة”.

يضيف المتحدث: “فكَّرت في الأمر بداية بطريقة عاطفية، وهذا ما دفعني للتفكير في الالتحاق بركب النباتيين. بدأت تدريجيا، وما ساهم أكثر في سرعة اتخاذ القرار والاستغناء عن اللحوم، هو أنني لم أشعر بأي ضرر أو تغير سيء. فبدأت الرحلة إلى الآن”.

حسب رئيس “الجمعية الوطنية لنباتيي المغرب”، فقد بدأت التجربة مع اللحوم الحمراء، واستمرت إلى حدود سنة 2015، حيث قرَّرَ القطع مع اللحوم البيضاء والبيض أيضا، وكل ما يدخل في صناعة اللحوم، ويؤثر سلباً على الحيوانات، كالحليب أو غيره.

الحياة بدون لحوم ليست صعبة، وليست مستحيلة. هذا ما خلص إليه البوحقاوي، الذي يشدد على أن تجربة النباتية هي محاولة لإنقاذ الحيوانات من الهلاك والبطش الذي قد يهدد وجودها.

يقول البوحقاوي: “استندتُ في تجربتي على دراسات عديدة، من بينها دراسات للمنظمة العالمية للصحة تفيد بأن اللحوم الحمراء يُمكن أن تكون سبباً مباشراً في الإصابة بالسرطان، فضلاً عن أمراض أخرى، كأمراض القلب والشرايين. بالتالي، كانت تلك هي الفرصة المناسبة لتفادي كل هذه الأمراض”.

يورد المتحدث أنَّه، كي يعيش حياة خالية من المشاكل الصحية، كان لزاما عليه أن ينخرط في هاته الخطوة. غير أنه كان من الصعب إخبار العائلة بهذا القرار، لأنها من وجهة نظرهم، ثقافة دخيلة على المجتمع.

حسب البوحقاوي، فإن هناك من ذهب بعيداً في مناقشة الموضوع، واستحضر المسألة الدينية. في هذا الصدد، كان هناك من يقول: كيف لك أن تحرم نفسكَ من اللحم الذي حلله الله؟

بسبب هاته التمثلات، دخلنا في نقاشات صعبة. غير أنه، مع مرور الوقت، بدأت الأسرة تتقبل الفكرة.

نضال وتأطير جمعوي

تجربة محمد البوحقاوي تجاوزت محيطه الصغير ليشتغل في التوعية، ويقرر نشر فكرة النباتية في المغرب. يقول: “بدأتُ أقوم بتبسيط الفكرة وطرح المعلومة للآخرين. شاركت فيديوهات بمنصات التواصل الاجتماعي بالدارجة. وقد أعطى هذا صدى جيداً”.

يقول البوحقاوي: “قررت الموافقة على أي لقاء صحفي مع القنوات المغربية والدولية والصحف الالكترونية، باعتباره جزءا من النضال من أجل النباتية، بالرغم من كون بعض المؤسسات الإعلامية كانت تحاول التقليل من قيمة الفكرة، بمحاولة الخلط بينها وبين الأحكام الجاهزة والمثلية الجنسية والإلحاد”.

بعد ذلك، بدأ البوحقاوي، يعقد لقاءات مع نباتيين ونباتيات مغاربة في جُل المدن المغربية، وأطلق مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك لجمع النباتيين في المغرب، من أجل تقاسم الأفكار والوصفات النباتية.

أطلق البوحقاوي مهرجاناً في نسخته الأولى بدون جمعية أو دعم، فقط من ماله الخاص. بعد ذلك، أسَّس جمعية تحت اسم الجمعية الوطنية للنباتيين بالمغرب. ورغم صعوبات البداية، أطلق المتحدثُ نسخا أخرى للمهرجان.

خلفت نسخ المهرجان صدى كبيرا، وحازت جمعية البوحقاوي على جائزة دولية، وقام بعقد شراكة مع منظمة دولية في زمن كورونا، وعمل مع العديد من المنظمات الدولية كمرشد نباتي، وحاليا يعمل مسؤولا عن شمال إفريقيا في منظمة دولية.

يقول البوحقاوي: “النباتيون في المغرب في تطور كبير. صارت لنا قاعدة كبيرة، نعرف بعضنا البعض بالرغم من تباعدنا الجغرافي. اشتغلنا على بدائل نباتية موجودة بكثرة، عرَّفنا بنضال النباتية. وهذا هدفنا، أن تصل الفكرة للمجتمع”.

نحن كمناضلين نؤمن بأن المستقبل سيجعل النباتية خيارا مطروحا بقوة، لأن التغيرات المناخية ستفرض الأمر، وربما تصبح اللحوم كالسجائر، وتصبح النباتية جزءا من الحل لمجتمع يخضع لتطورات متسارعة.

بدايات صعبة واستمرار سهل

يسرى، طالبة بشعبة البيولوجيا بكلية العلوم ببني ملال، في حديث لمرايانا تقول إن اتباع نظام غذائي نباتي كان قرارا صعبا، خصوصا أنها تنحدر من منطقة فلاحية ضواحي بني ملال، ووالدها فلاح، وأسرتها تعيش على الزراعة وتربية الماشية.

تقول يسرى إنَّ الفكرة بدأت سنة 2017، وقد دعمتها في ذلك صديقة لها تقتسم معها حجرات الدراسة في الجامعة. كانت بدايتها الأولى صعبة، خصوصاً أنها اعتادت أكل اللحوم بمناسبة أو بدونها.

قضت يسرى أسابيع من المحاولة، تقول مازحة: “كنت أشبه بمن يحاول قطع السجائر بعد سنوات من التدخين”. حاولت يسرى التأقلم مع الوضع الجديد، وبعد أشهر من الصراع، تأتى لها ذلك.

في المقابل، كان للأسرة رأي آخر، فهي لم تتقبل الوضع، لتنهال عليها بالأسئلة حول صحة قرارها، وماذا ستفعل في العيد؟ وكيف ستتعامل في بيت زوجها؟

أسئلة كثيرة تلاحق يسرى، غير أنَّها تقول: “إن هذا المسار هو محاولة بسيطة لإنقاذ البيئة من دمار قد يلاحقها. كما أنها محاولة لإنقاذ الحيوانات التي تذبح يوميا بطرق أحيانا تكون غير صحية”.

خلل وخطر مُقبل

حسب يسرى، فمئات الأغنام والأبقار تُذبح يوميا في المجازر، وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول قضية الإخلال بالتوازن البيئي.

كانَ هذا دافعاً ساهم في تعزيز موقف يسرى من أكل اللحوم. إلى جانب الأضرار الصحية التي يسببها تناول اللحوم والإفراط فيها.

تقول يسرى: “حصلَ ذات يوم أن كنا في حصة دراسية وفتحنا النقاش مع أستاذ لمادة البيولوجيا. كان النقاش حول تلقيح الأبقار والرفع من إنتاجيتها عن طريق بعض المغذيات والمواد المسرطنة التي تُقدم لها”.

مئات الأشرطة والصور المعروضة على النت، تُظهر بشاعة العالم وبشاعة أصحاب الضيعات الكُبرى والشركات الموزعة للحوم. همها الوحيد هو الانتاج للحصول على الأموال، دون النظر إلى صحة المُستهلك أو مسار وتوازن الطبيعة.

تشدد المتحدثة على أن الطبيعة تعيش خللاً في التوازن، وهو ما يفرض دق ناقوس الخطر في هذا الجانب، والتأكيد على أنَّ النباتية ليست ترفا، كما يعتقد البعض، بل هي سلوك فردي للحفاظ على الصحة، ثم جماعي للحفاظ على البيئة والمجتمع.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *