مصطفى مفتاح: غزة… الإفلات من العقاب والغطرسة: الطريق الأسرع نحو النهاية
المستفيد من الإفلات من العقاب، يحسب أن الزمن توقف، حتى ينسى الناس الإبادة، كما نسي الناس الشعوب الأصلية في القارة التي اكتشفت الدمار والجذري مع كريستوف كولومبوس وفرق الخيالة، وكما نسوا قنبلتين ذريتين تنزلان بعد صلاة قصيرة من الطيار على المدنيين في اليابان، والنابالم على المزارعين في الفيتنام.
المتغطرس ينسى أن الجريمة ضد الإنسانية، توثق الأحداث وتتابع المجرمين… وغزة هي الدليل والحجة، بشارة الإنسان وأرض الإنسان.

في حضرة الموت، حيث لا صبرٌ ولا أدبُ
في حضرة الموتِ حين يستفتينا عن صَحبنا هذا الذي مضى كي لا يعود، لا صبرٌ ولا أدبُ
في حضرة الموتِ بلا جنازةٍ ولا معزين ولا مأتم يجمعنا ولا صور
أيها الطفلُ المقدَّسْ، هذا النحيب الفض أدبُ
أيها الجوع المُقَدَّسْ، هذا الشهيق أسمعه، نبرهُ كذِبُ
أيتها العظامُ النّاتئةُ المُقَدَّسَةُ، والموتُ يزحفُ، والمآقي غائرةٌ في الحُفَرْ
والمحاجرُ والعَيْنُ تَذْبُلُ كالضبابْ
كالصدأْ، كالمعلقات والكلام عن عمرو بن كلثوم وصلاح الدين
أولادنا في غرفة الألعابِ المستوردة
أولادكم ليسوا لكم
أولادكم للأواني
أطفالكم الجائعون للزحام والأواني
للمسيرة الطويلة الانتظار والأواني
للقنص والأواني
لقمح الدقيق تقصفه رشاشتان ودبابتان خائفتان والأواني
للموت المقدس والأواني
وقوافل الغداء الأمريكي للصوص وأشلاء الأطفال والمسعفين والمصورين والأواني
أولى المواعيد الغرامية في طوابير الأواني
وآخر المواعيد، الموت المقدس وبعض الماء الملوث ولا حطب
قصفتْ المسيرات البارجات الطائرات المدججة بالذكاء المحتال المختال كل النسيم على شواطئ غزة
ولم يبق مُهِمّاً غير الغاز المعلب في الخيانة
وأشلاء ذكرى والموت المقدس للطفل المقدس
أولادنا في أرصفةِ المَهاجِر والسرابِ، أولادُكم ليسوا لكم
أولادكم وقود الحضارة المدججة
سرق التتار التوراة واستأجروا كل الكتب المقدسة من القانون الدولي حتى أسفار العهد القديم
واقتسم اللصوص القيامة
وخصصوا للحراسة كل حاملات الطائرات الذرية والأخرى ورسوم الجمارك
لم يبق في البورصات سهمٌ
لم يبق في الأرض نورٌ وملحُ
ملح الجوعِ والعطشِ المقدس
لم تبق قيامة في الديانات
ولا في الأرض المقدسة
وحده الطوفان آت ساطعُ
وحده الطوفان المقدس
وسوأة التطبيع
وفي القناة حلقة أخرى من تلفزيون الواقع المقوى.
وفي قناة منسيةٍ أخرى، نفس الصور الفظيعة، نفس الصور الإنسانية، صورُ بشرٍ مقدس، أطفالٌ، بالغون، شيوخ، مرضى وأصحاء، نساء ورجال. صورٌ بالأبيض والأسود، بالرمادي القاتم كالوقت أو بألوان الفزع والغطرسة. بشرٌ تغور عظام وجوههم في المحاجر، تحدق فينا من هناك بين الحياة، تمضي شيئا فشيئا، والموت جوعاً، والموت خنقا بالغاز أو رميا بالرصاص، يتقدم رويدا رويدا، يحصد طفولتهم وشبابهم وشيبهم. يعدم، بكل برودة مجرمة، والقيامة.
يحشرهم ويحشرهن في الدرك الأسفل من الجحيم، والذي يليه، والذي يليه، جحافل مسلحة مدججة من أحفاد غوته Goethe و واغنر Wagner وهيغلHegel الألمان الآريين، لا قانون إنساني يحمي الضحايا، شرطة النظام العميل في فرنسا بلاد فولتير Voltaireورامبو Rimbaudتجمعهم وترميهم في قطارات جهنم، ولا دولة في الجوار تهب لنجدتهم ولا نخبة في بلاد الجوار الشاهدة، تعرب عن أدنى تضامن معهم إلا قلة من الضمائر الحية، كان الضحايا مدنيين، أطفالا، نساءً وشيوخاً ومن كل صوب في أوربا الظلام والأنوار، يهودا وغجرا وسلافيين من كل الأعراق الدنيا الخطيرة على الحضارة السامية، جمعهم الغزاة والشركاء من كل أصقاع ألمانيا والنمسا وفرنسا وبلاد البلقان حتى تخوم روسيا. أشعلوا فيهم ساديتهم، كما فعلوا في غزة ويفعلون، ويقتلون، يحاصرون، يُجَوِّعون، ويقنصون ويقنصون ليولموا للقيامةِ القيامة.
والغرب يفكر في الاعتراف بشيء ما، في المستقبل المنظور، ويبكي على الرهائن.
لكن المستفيد من الإفلات من العقاب، يحسب أن الزمن توقف، حتى ينسى الناس الإبادة، كما نسي الناس الشعوب الأصلية في القارة التي اكتشفت الدمار والجذري مع كريستوف كولومبوس وفرق الخيالة، وكما نسوا قنبلتين ذريتين تنزلان بعد صلاة قصيرة من الطيار على المدنيين في اليابان، والنابالم على المزارعين في الفيتنام.
والمتغطرس ينسى أن الجريمة ضد الإنسانية، توثق الأحداث وتتابع المجرمين: في مختبرات التكنولوجيا الرقمية والبيولوجيا والتجسس والتعرف الوجهي، تجمع الوثائق والحجج حول الذي يبحث عن المعادلة الملائمة لكي تكون المجاعة أكثر إذاية، والذي يطور الكاميرات والمسيرات، والذي ينظم التسويق والتزويد والذي يقوم بالتخويف وردع المعارضين، كل هؤلاء مجرمو الحرب بالبذلة البيضاء أو ربطة العنق أو الزي العسكري أو المستثمرين، ستلحقهم خطاياهم وإجرامهم.
والذي يصمت أو يشيح بنظره.
لأن التاريخ لا يهمل الفاعلين الأصليين والمشاركين، كلهم!
وغزة هي الدليل والحجة، بشارة الإنسان وأرض الإنسان.
طوبى لكل طفل جائع يحتضر
طوبى لكل مقاومٍ، مسعفٍ، صحفييٍّ، يقاوم، ينتشلُ ويشهد
طوبى للشهيد المقدس، جنينا، طفلا، شيخاً بالغا وبليغاً
طوبى لسيدة الأرض.