حكم قضائي يقر مسؤولية الدولة عن قتل الحيوانات الضالة
في سابقة قضائية، أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط حكما في مواجهة الدولة، ممثلة في وزارة الداخلية، يقر بمسؤوليتها عن قتل الحيوانات الضالة.
المحكمة استندت في حكمها على مجموعة من العلل، أبرزها حق الحيوانات في الحياة، واعتبار الجماعات مسؤولة قانونيا وأخلاقيا على حماية البيئة والحيوان.
الحكم أبرز، من جانب آخر، أهمية ودور المنظمات وجمعيات المجتمع المدني في التقاضي، معتبرا أن هذه الأخيرة تعتبر ذات صفة ومصلحة في إقامة الدعوى، وقد لحق بها ضرر معنوي، وهو ما يمنحها حق التقاضي والمرافعة.
أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط، يوم 04 يونيو 2025، حكما يقضي بإدانة عمليات إعدام الكلاب الضالة بالرصاص التي تقوم بها بعض البلديات، إذ اعتبرتها إخلالا بالقوانين والاتفاقيات المتعلقة بحماية الحيوانات.
تفاصيل القضية تعود إلى تاريخ 24 أبريل 2025، حيث تقدمت جمعية “متحدون من أجل هذه المخلوقات”، في شخص ممثلها القانوني، بدعوى أمام المحكمة الإدارية بفاس، تعرض فيها أن عددا من الكلاب الضالة في مختلف المدن المغربية تتعرض للإبادة والتقتيل، وأن هذه العمليات الوحشية، حسب الجمعية، نتجت عنها مشاهد صادمة ومؤلمة، ومناظر لجثث كلاب مقتولة وبعضها مجروح، وبقايا دماء على أرصفة الطرقات، وأن هذه الأفعال تمت دون احترام للضوابط القانونية وبروتوكولات التعاون بين السلطات ووزارة الصحة والهيئة الوطنية للأطباء البياطرة.
الجمعية أضافت في عريضة الدعوى أن المادة 100 من القانون 13.114 المتعلق بالجماعات، تخول لرئيس البلدية اتخاذ التدابير اللازمة لمراقبة الحيوانات الأليفة وجمع الكلاب الضالة، وأن المشرع استعمل عبارة “جمع الكلاب الضالة” وليس “قتلها أو القضاء عليها”؛ كما أن قاعدة التناسب تفرض أن يكون تدخل الإدارة مشروعا وقانونيا ومتناسبا، استنادا إلى القاعدة المعروفة: “لا تطلق النار على العصافير باستعمال المدافع”، مما يجعل مسؤولية وزارة الداخلية قائمة، باعتبارها السلطة الوصية على أعمال الجماعات الترابية في مجموع التراب الوطني.
وعليه، التمست الجمعية الحكم بالإيقاف الفوري لجميع عمليات القتل والإبادة للحيوانات الضالة وأداء المدعى عليهم، تضامنا، درهما رمزيا مع النفاذ المعجل وتحمليها الصائر.
الدولة تعترض وتحمل الجمعيات المسؤولية
بتاريخ 13 يونيو 2025، أدلى الوكيل القضائي للدولة باعتباره نائبا عن كل من رئيس الحكومة ووزيري الداخلية والصحة بمذكرة جوابية.
المذكرة أكدت أن محاربة ظاهرة انتشار الكلاب الضالة من مهام البلديات، وأن الجمعيات المدعية، إن كانت لها صفة المطالبة بوقف عمليات قتل الكلاب الضالة، فإن من بين مهامها، كجمعيات، محاربة هذه الظاهرة، الأمر الذي لم تقم به، كما أنها لم تثبت صفتها، كما لم تثبت أن وزارة الداخلية أمرت بقتل الكلاب، ولم تثبت واقعة قتل هذه الحيوانات مما يجعل الدعوى غير مقبولة.
الوكيل القضائي للدولة أضاف في المذكرة: “الطلب ينطوي على توجيه أمر للإدارة، والحال أن مجال المحافظة على الصحة والأمن والسلامة هو من اختصاص البلديات، مما يجعل الدعوى موجهة ضد جهة غير معنية، خاصة أن المادة 83 من القانون 13.114 المتعلق بالجماعات تنص على أن الجماعة تتولى مهام الصحة والوقاية والنظافة العامة، ويدخل في ذلك عملية محاربة الحيوانات الضالة، مما تكون معه وزارة الداخلية غير معنية بموضوع النزاع، ويتعين لكل ذلك عدم قبول الطلب.
المحكمة تقر بمسؤولية الدولة
فيما يخص طلب الوقف الفوري لعمليات قتل وإبادة الحيوانات الضالة، أكدت المحكمة أن الصيغة التي قدم بها هذا الشق من الطلب تنطوي على منازعة في قرار إداري، والحال أن طلبات إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية، وفقا للمادة 24 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، تقدم أمام قضاء الإلغاء، وليس أمام القضاء الشامل، الذي يختص بالبث في طلبات التعويض عن الأضرار التي تسببها الإدارة وفي بعض المنازعات التعاقدية، مما يجعله غير مقبول شكلا.
أمام بخصوص باقي الطلبات، فقد استجابت المحكمة لها، حيث أكدت أن الوثائق المدلى بها في الملف كافية لإثبات صفة ومصلحة الجمعيات المدعية في الدعوى، كما أن الواقعة المؤسس عليها الطلب ثابتة كذلك، وإن توجيه الدعوى في مواجهة وزارة الداخلية بدل الجماعات الترابية المعنية، يبقى مستندا إلى أساس سليم من القانون، باعتبار المهام الرقابية والتوجيهية التي تمارسها الوزارة المعنية على هذه الجماعات.
المحكمة أضافت أن القانون التنظيمي رقم 14.113، وخصوصا المادة 100 منه، تنص على أن معالجة وضعية الحيوانات الضالة تدخل في صميم الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية، مما يجعلها مسؤولة عن كيفية تدبيرها لهذه الظاهرة. وزارة الداخلية، في إطار مهامها الرقابية، ملزمة قانونا بالسهر على احترام الجماعات للقوانين الجاري بها العمل.
فضلا عن أن عمليات إعدام الكلاب الضالة بالرصاص أو بالسم، دون سند علمي أو بيطري، تعد إخلالا بالقوانين والاتفاقيات المتعلقة بحماية الحيوانات، وتظهر تقاعسا من السلطة المركزية في فرض احترام القانون.
المحكمة أضافت في تعليل حكمها، أن الإدارة لا تعفى من المسؤولية بمجرد سكوتها عن خرق يقع داخل نطاق نفوذها الرقابي، بل تلتزم بالتدخل الوقائي والزجري، وهو ما لم يحصل في هذه النازلة. علاوة على أن عدم إثبات الجهة المدعى عليها اتخاذها إجراءات علمية، في إطار مراقبة علمية وحقوقية، وعدم تدخلها لوقف عمليات القتل بالرصاص، يشكل مسؤولية تقصيرية تتمثل في الامتناع السلبي، وهو أحد أوجه انعدام المشروعية في العمل الإداري، مما يجعل مسؤوليتها قائمة.
وأكدت المحكمة أن الجمعيات المدعية، بصفتها جمعيات ذات نفع عام، تعمل على الدفاع عن القيم الكونية للرفق بالحيوان، لها صفة ومصلحة في إقامة الدعوى، وقد لحق بها ضرر معنوي متمثل في عجزها عن حماية هذه الكائنات محل رسالتها، مما يبرر الحكم لها بتعويض عبارة عن درهم رمزي.
وعليه، قضت المحكمة الإدارية بالرباط بالاستجابة للطلب في شقه المتعلق بتحميل الدولة مسؤولية قتل الحيوانات الضارة والحكم عليها في شخص وزارة الداخلية بأدائها للجهة المدعية تعويضا عن الضرر عبارة عن درهم رمزي مع تحميلها المصاريف .