حميد الزاهر: أش داك تمشي للزين؟
من ساحة جامع الفنا…بدأ حميد الزاهر منفردا.
لم يكن يُدرك، ربما، خلالها أنه سيكون سيد القصر، ومحبوب الحسن الثاني، ومرافقا له في سفرياته.
شكل فرقته من النساء والرجال، وحافظ على الأصالة المراكشية في اللباس والغناء. حميد الزاهر… مات الجسد وبقي الأثر.
“للا فاطمة”، “أش داك تمشي للزين”، “عندي ميعاد” وغيرها كثير… أغان ظلت إلى اليوم مرادفا للفرح عند المغاربة، وعند كثير من شعوب شمال إفريقيا.
أغان، تميز صاحبُها بالجمع بين الغناء والتلحين والعزف على آلة العود، بل كان في البداية “ضابط إيقاع”، شاقا مسيرته من ساحة “جامع الفنا” إلى أيقونة الأغنية الشعبية المغربية.
هذه بعض من خيوط حكاية… حميد الزاهير.
البدايات… ساحة جامع الفنا
صرخ حميد الزاهر أولى صرخاته سنة 1938 بمدينة مراكش.
أصول ممزوجة من أم سورية وأب يرجع أصله إلى دوار أولاد زراد بإقليم قلعة السراغنة.
روايات تحكي أن والدته كانت تمارس الغناء ضمن مجموعة فنية باسم “الشاميات”، قبل أن يقع والده، الذي كان يعمل جزارا، في حب السيدة الشامية.
ارتباط حميد بالغناء بدأ مبكرا. كان، بعد الانتهاء من مساعدة والده في الجزارة، يسرع نحو آلة العود، يحاول أن يفك أسرارها.
لم يَلج حميد الزاهر معهدا موسيقيا، لكن ولعه بالأغاني الكلاسيكية السائدة آنذاك، علاوة على موهبته، جعله يكتسب أساسيات الفن الكلاسيكي.
أولى خطوات حميد الزاهر، كانت بساحة جامع الفنا. هناك، كان يقيم حفلات فنية منذ 1947، بجوار أساطير في الأغنية أمثال العمري والكواكبي.
بدأ حميد الاشتغال بداية بمفرده، قبل أن يؤسس أول فرقة له من مجموعة من الفنانين الشعبيين، كانوا معروفين باسم (الرشايشية)، سرعان ما بدأت تشتغل في أعراس مراكش، إضافة إلى أن فرقته كانت أغلبها من النساء، ما منحه خصوصية وانفتاحا على مجموعة من القضايا، بل وبُصمت أغانيه ببصمة نسائية “ألالة زهيرو”، “لالة خديجة”…
حاول حميد الزاهر أن يؤسس نمطه الغنائي الخاص، مستمدا إياه مما تزخر به مدينته (مراكش)، من أنماط غنائية شعرية.
الستينيات… المنعطف
سنة 1960، بدأت انعطافة حميد الزاهر… انعطافة من جامع الفنا إلى آذان كل المغاربة.
سافر رفقة مجموعته إلى مدينة الدار البيضاء من أجل تسجيل أول ألبوم غنائي مستمد من الأهازيج الشعبية والمراكشية خصوصا، والتي أخضعها لإيقاعه الجديد، وأعاد توزيعها، مقدما إياها بصيغة أكثر جمالية.
في ذلك الألبوم، ظهرت أغنية “الليل الليل أسيدي عمارة”، “دقة الرامي”، “أروح اللي بغى يزور”، “عايشك أزويزو بشويا”…
شكلت سنة 1962 منعطفا هاما في مسار حميد الزاهر.
خلال هذه السنة، أطلق أغنية “مراكش يا سيدي كولو فارح ليك”، والتي وثقت للزيارة الملكية التي قام بها الراحل الحسن الثاني لمدينة مراكش في تلك الفترة
مقطوعة أدخلته عالم الشهرة، ليتم استدعاؤه بداية السبعينيات لحضور حفل فني على شرف الرئيس الجزائري الهواري بومدين. بل كان الزاهر ضيفا على إذاعة الجزائر بعد هذه الزيارة.
فتحت هذه المقطوعة لحيمد دربا آخر، حيث حضر أغلب الحفلات في عهد الملك الراحل الحسن الثاني وزفاف الملك محمد السادس، علاوة على أنه كان يرافق الملك الحسن الثاني مرات عديدة في رحلاته إلى الدول المغاربية.
زيارات نال خلالها، في حفل رسمي بتونس، وسام الجمهورية من يد رئيس تونس حينذاك، الحبيب بورقيبة.
رائعته “لالا فاطمة”
لالا فاطمة عار ربي غير كليمة
قلت ليك صباح الخير مارديتيش عليا
يمكن مشغولة بالغير مارديتيش عليا
أنا مزاوك فيك قولي غير كليمة
تبرد ناري اللي شاعلة ديما
اللي شاعلة ديما يا فاطمة…
تعود كلمات أغنية “لالة فاطمة” إلى المطرب أحمد جبران…
في مقال له، يقول الصحفي حليم السريدي: “بمحطة التلفزيون بعين الشق بمدينة الدار البيضاء، وفي أواخر الستينات من القرن الماضي، وبمكتب السيد جسوس، الذي كان مسؤولا آنذاك عن هذه المحطة، التقى الفنان حميد الزهير لأول مرة بالمطرب والملحن المغربي أحمد جبران، وكان هذا الأخير قد أعد أغنية مغربية شعبية تحمل عنوان (للا فاطمة).
يضيف حليم السريدي: ” ولأنه كان من أوائل المعجبين بالتجربة الغنائية للفنان حميد الزهير، فقد اقترح أن تكون أغنيته تلك هدية منه للفنان حميد الزهير ليغنيها بطريقته الخاصة، وقبل حميد الزهير الهدية؛ إلا انه قد تصرف في أغنية احمد جبران، بحيث أسقط منها المقدمة الموسيقية ، وأخضع ألحانها للونه الشعبي المراكشي”.
ثم ترجل عن الحياة…
يوم الاثنين 10 دجنبر 2018، توفي حميد الزاهر عن عمر ناهز الـ 81 سنة.
توفي حميد الزاهر بعد صراع طويل مع المرض، ودفن في مقبرة باب دكالة بمراكش.
توفي حميد الزاهر… لكن الأثر باق ويتمدد.