على عتبة الوهم
لا تجعل من الشعب فريسة لوعود تتلاشى كحبّات البخور، سرعان ما تختفي في الهواء دون أن تترك أثرا..
غيرتك على هذا الوطن لا تكمن في تصريحاتك الرنّانة، بل في شجاعتك، وقدرتك على تغيير ما يبدو مستحيلا إلى ممكن.
انتهت فترة الدعاية الانتخابية، بعد سباق محموم بين القوى السياسية.
من ظفر بمقعد رئاسي، ترك وعوده على عتبة الحملات، وانكمش على كرسيّه ذاك، أما البدوي المسكين والمقهور، فعاد إلى بيته، يقلب تراب أرضه، لعلّ الله ييسّر أمره ويرزقه نعمتها التي ينتظرها بعد كل فصل شتاء.
غدت الوعود الحكومية معلّقة لأسباب مجهولة، رهينة الغموض، سرعان ما تتلاشى عند أول احتكاك أو اختبار للواقع.
عاد الحديث عن “فك العزلة” كما في كلّ مرّة، إلى الواجهة، ومعه تساؤلات كثيرة عن مصير بعض البرامج التنموية، والمخططات الكفيلة بتوفير الضروريات الحياتية، والهادفة إلى توفير فرص عيش كريم، وبث الحياة في أوصال القرى النائية.
وعود تراكمت كالجليد فوق صدور القرى المنسية. في انتظار أمل زائف، حياة تفتقر إلى أبسط مقوماتها.
يظل البدوي المسكين أسير أمل معلّق على خيط من دخان، تُغذيه الخطب الموسمية، أمل مؤجّل، كمطر خان موعده، وقد أنهكه وجع التكرار ومرارة الانتظار. بعض القرى يقطنها أهلها أعالي الجبال، شامخة بعلوّها وضخامتها، وقد تجاوزت التلال ارتفاعا، مناطق منسية تعيش على أمل الالتفاتة..
ثلوج تتحوّل إلى لعنة بيضاء..
مناطق مهملة، تشتد برودتها من كثرة الثلوج التي تغطيها، يعيش سكانها في فصل الشتاء بردا قارسا، إثر أمطار كثيفة، باردة كبرودة أمطار موسكو حين تنزل من السحاب. باتت الأراضي قاحلة جرداء، لا تنبت غير الشّوك، كأن على ترابهم ما عاد يوجد ما يستحق أن يُزهر.
شباب القرى يرزحون تحت وطأة البطالة. أحلامهم، وجذوة آمالهم، انطفأ بريقها، خمدت تحت رماد الإهمال، وحين ضاقت بهم الأرض بما رحبت، لم يبق لهم سوى الحلم بالهجرة.
سوء التدبير والتسيير عجّل من تلاشي الأمل في كل قرار أو وعد حكومي، باتت أزمة الثقة تُشكل هاجسا مزمنا، وظل المواطن في حيرة، أسير شكوك وهواجس، أرهقته أسئلة لم يجد لها جوابا.
يا صاحب القرار، إن كانت لك ذرة غيرة على هذا الوطن الذي يتأوّه من جراحه، فلا تتنكّر في ثياب الوعود الجوفاء. لا تجعل من الشعب فريسة لوعود تتلاشى كحبّات البخور، سرعان ما تختفي في الهواء دون أن تترك أثرا.. غيرتك على هذا الوطن لا تكمن في تصريحاتك الرنّانة، بل في شجاعتك، وقدرتك على تغيير ما يبدو مستحيلا إلى ممكن.