روبيرتا جيب: مناضلة من أجل تمكين النساء من الرياضة. قصة عداءة نحتت اسمها في تاريخ المارثون النسائي
كلما ذكر الماراثون النسائي، إلا وتذكر الجميع زمناً كان فيه الماراثون محرماً على المرأة “لعدم قدرتهن على التحمل”. غير أن النساء سيثبتن العكس، ويؤكدن القدرة على النجاح والتحمل.
روبيرتا جيب نموذج ملهم لسيدة كسَّرت حاجز الصمت ووصم المنع والعقلية الذكورية، فكانت سيدة المارثون النسائي التي نقش اسمها في نصب تذكاري.
في زمن مضى، لم يكن للنساء نصيب من المشاركة في الماراثون. إلا أن هذا الحال لن يدومَ طويلاً، فقد صار بإمكانهن المشاركة والفوز أيضا… وإبطال كل الأحكام المسبقة التي كانت تقول “إن النساء ليست لديهن القدرة الفيزيولوجية على الجري لكل مسافة الماراثون.”
لم يكن هذا رأياً عادياً، بل كان رداً على طلب العداءة الأمريكية “روبرتا بوبي جيب”، حين طالبت بالمشاركة في ماراثون بوسطن، فقوبل طلبها بالرفض القاطع وبسخرية واستهتار غير مقبولين.
جيب: تدريب في الخلاء وتحديات منذ الصغر
الماراثون حكر على الرجل. كانت هذه السمة الأبرز خلال ستينيات القرن الماضي. غير أن العداءة روبرتا بوبي جيب كان لها رأي آخر، حين قررت كسر هاته الأحكام، والمشاركة في المارثون رغم أنف المنظمين.
انطلقت مسيرة جيب في بوسطن، بدأت الرَّكض في سن مبكرة. بدأت بإجراء تدريبات في غابة قريبة من بيت أسرتها التي لم تكن راضية جدا عن مسار جيب. دائما ما كانت والدتها تخبرها أنها لن تجد زوجاً وهي تركض في الغابة.
غير أن جيب كانت تعي تماما أنها ستكون صوت كل النساء الراغبات في خوض غمار الماراثون. استمرت في التدريب والبحث عن موطئ قدم في عالم كان مليئاً بالأحكام الجاهزة الموجهة ضد النساء.
كانت جيب تعلم أنها تريد شيئًا مختلفًا، غير أن الحلم اصطدم بالواقع، ككل النساء اللواتي حلمن بالتغيير في مجالات مختلفة، من ضمنها الرياضة. لقد كان الطريق إلى النجاح صعبا ومحفوفا بالصعاب.
عاشت جيب قرب مسار مارثون بوسطن، وهو ما كان يحفزها. كان حلمها، أن تكون بطلة هذا المسار يوماً ما. كان أول سباق تحضُره سنة 1964، وهو ما أعطاها جرعات من الأمل لمواصلة التدريب.
خلال هاته الفترة، كان جري مسافات طويلة بالنسبة للنساء لا يزال يعتبر جرأة، بل إن الاعتقاد السائد، حينها، أن النساء غير قادرات على الركض مسافات طويلة. في الوقت ذاته كانت العداءات قد صرن يقطعن مسافة 26.2 ميلا.
عائق واحد كان أمام جيب وغيرها، هو القوانين السائدة والأفكار المحيطة بها، وصعوبة تغييرها، لأنَّ مسؤولي ومسيري الماراثونات، يؤمنون أشد الإيمان، بأن جسم المرأة ليس مبنيًا لمثل هذا الإجهاد الشديد.
النساء: تجارب حرمان ونجاح
سِجل نضال النساء في حلبة السباق حافل بالإنجازات قبل جيب. فإذا عدنا إلى سنة 1896، خلال أولمبياد أثينا، دخلت ستاماتا ريفيثي سباقاً، وإن كانت غير رسمية، إلاَّ أنها قضت حوالي 5 ساعات في المضمار.
سنة 1926، عرف ماراثون لندن مشاركة فيوليت بيرسي، وهي سيدة إنجليزية، أثبتت أن النساء بإمكانهن الجري طويلاً دون توقُّف. فيوليت شاركت فيما بعد في سباقين رسميين في 1933 و1936، وكلها كانت محاولات لإثبات قدرة النساء على الجري مسافات طولية.
أما سنة 1928، فقد كانت بدورها محطة مهمة لمشاركة النساء، حيث شاركت 9 رياضيات في ألعاب القوى، 3 منهن شاركن في نهائي لسباق 800 متر، وحصلت واحدة منهن على الميدالية الذهبية.
رغم كل الانجازات، لم يشفع ذلك لمشاركة النساء بشكل فعال في المحافل الرياضية، ليكشفن عن قدراتهن ومواهبهن. خلال هاته الفترة، طفت على السطح مخاوف “من أن النساء سيصبحن أكثر رجولة إذا شاركن في الرياضة”، غير أن الدافع الأساسي ربما، كان هو الخوف من إحراز النساء على نتائج تتجاوز الذكور.
عنقاء الماراثون النسائي
كانَ هذا السرد الذي قدمنا كافيا لتحفيز جيب، وربما إلى جانبه، قصص عديدة لم نسردها. حافظت جيب على حلمها، بدأت التدريب بهدوء على ماراثون بوسطن سنة 1964، وكانت تجري تدريبات باستمرار بعيداً عن أسرتها ومحيطها خوفاً من الوشاية.
لم يكن لجيب مدرب أو مؤطر. كانت تجري التدريبات وحيدة في الغابة، معتمدة على نفسها في كل خطوة تخطوها. قضت جيب أياماً من التمرين والركض، وفي كل خطوة تجد نفسها في تقدم وتحسن مستمر، وفي استعداد تام لخوض تجربة الماراثون.
تقدَّمت جيب بطلب المشاركة في الماراثون والحصول على رقم ترتيبي ضمن المشاركين، غير أن المفاجأة هيَّ رفض طلبها لنفس الدواعي والأسباب السابقة. أرادت جيب إثبات فقر هاته الادعاءات… فقررت خوضَ غمار المنافسة بطريقتها.
استطاعت العداءة الحصول على رقم مزور وبطريقة “غير شرعية”، عن طريق إخفاء جنسها في الطلب والمشاركة باسم رجل. وكانت المفاجأة، أن حققت جيب مشاركة جيدة، لتدحض في النهاية فكرة “عدم قدرة النساء على الركض طويلاً”.
بعد ذلك، صار للنساء الحق في المشاركة، وذلك سنة 1972، بفضل جيب وغيرها ممن أكدن أن للنساء القدرة على المنافسة. بعد سنة، أُقيم أول ماراثون نسائي كلي في ألمانيا. وبعد اجتماع اللجنة الأولمبية الدولية سنة 1984، تم تضمين فعالية ماراثون نسائية منذ ذلك الحين.
حققت جيب حلم عداءات كُنَّ يحلمن بحقوقهن في المشاركة في الماراثون، إسوة بباقي الرجال. اعتبرها الكثيرون، بفضل نضالها في هذا الجانب، رمزاً للماراثون النسوي. مغامراتها في الركض لا تزال تُلهم المهتمين والمهتمات بمسارها.
خلال سنة 1996، نُقش اسم جيب على النصب التذكاري لماراثون بوسطن في كوبلي سكوير، عرفانا بمجهودها ومسارها الحافل بالنضال لاسترجاع حقوق النساء.
مسار جيب لم يكن ناجحا في الرياضة وحدها، بل درست، بالموازاة مع ذلك، علم الأعصاب، وأسَّست معهد دراسة الأنظمة الطبيعية، وهي منظمة تعليمية وبحثية غير ربحية، ونجحت في اجتياز الشهادة القانونية بعد عامين، لتمارس المحاماة لمدة طويلة، فكانت وفية لفكرة الدفاع عن حقوق النساء.
هكذا كانت جيب، عداءة ومتخصصة في علم الأعصاب ومحامية وكاتبة، مسار منفرد لشخصية متعددة. أرادت القول إن النساء قادرات على التحدي، قادرات على إثبات قدراتهن في أي موقع اخترنه عن طواعية… فترجمت القول إلى فعل.