التقويم الهجري: عن النسيء “المحرم” وإشكالية التوفيق بين التقويم الديني والتقويم اليومي - Marayana - مرايانا
×
×

التقويم الهجري: عن النسيء “المحرم” وإشكالية التوفيق بين التقويم الديني والتقويم اليومي

كثيرا ما يطرح التقويم الهجري عند المسلمين اختلافاً في ترتيب الحياة بالنظر إلى التقويم المُعتمد وهو التقويم الميلادي.
هذا الإشكال يظهر من خلال اعتماد المسلمين التقويم الهجري في المناسبات الدينية فقط، بينما حياتهم اليومية، تجري وفق التقويم العالمي.

الحديث عن التقويم الهجري، يعتبر مقدساً عند بعض المسلمين. النقاش حوله ظل مُحتشما ويفتقر للنقد والتحليل.

يطرح التقويم الهجري عيوبا عديدة، تبرز أكثر مع قدوم شهر رمضان، حيث تختلف مدة الصيام من مناطقَ لأخرى، وهو ما يدفع للتساؤل: هل يصلح التقويم الهجري لجميع دول العالم؟

التقويم الهجري هو تقويم قمري استخدمه العرب قبل الإسلام بقرون. لكن أسماء أشهره وترتيبها تعددت حسب ما رأته كل قبيلة. والتقويم هو نظام عدٍّ زمني يُوزع السنة إلى أشهر، وغالبا ما كان الغرضُ لأسباب دينية واجتماعية.

التقدم التكنولوجي والتَّطور وغيره، جعل من التقويم الهجري اليوم، تقويما دينيا ينحصر على مناسبات دينية معدودة لا غير، لأنَّه غير قابل للتطبيق في التقويم الإداري واليومي للمسلمين والمواطنين عموماً.

كيف تم اعتماد التقويم الهجري؟

سؤال يعيدنا إلى ما قبل الإسلام، حيث كان العرب قديما يحاولون تنظيم حياتهم اليومية وفق التوقيت القمري. غير أنَّ الأشهر حينها، كانت مختلفة إلى حدود السنة 412 للميلاد، حين تم توحيد الأشهر العربية.

اعتمد التقويم العربي على حركة القمر. لذلك، يُصنف على أنه تقويم قمري. حينها، لم يكن التقويم دينياً، ولم يتحول لـ “تقويم الهجرة” إلاَّ خلال فترة خلافة عمر بن الخطاب، وفق ما أوردته مصادر تاريخية عديدة.

اعتمد المسلمون التقويم الهجري الإسلامي في ربيع الأول من عام 16 للهجرة، وكان يوم فاتح محرم من عام 17 للهجرة، بداية أول سنة هجرية، بعد اعتماد التقويم الهجري. اعتمد المسلمون التقويم القمري الذي اعتمد على الهجرة النبوية بداية له.

ونظرا لاعتماد التقويم الهجري على حركة القمر، فإن السنة الهجرية تتقدم كل سنة 11 يوما. لذلك، فإن الأشهر الهجرية لا تبقى قارة مع مرور سنة، وقد تختلف المواسم التي يحل بها كل شهر.

طرح هذا التباين مُشكلة، خصوصاً في ظل اعتماد التقويم الميلادي تقويماً رسمياً. وعلى طول الزمن، عانى المسلمون مع دوران الأشهر الهجرية على فصول السنة، حيث تتحرك بشكل مستمر، متقدمة أحيانا على الأشهر الشمسية كل شهر، بسبب قصرها مقارنة بالشهور الشمسية.

مواعيد غير ثابتة

في كتاب “التقويم الهجري، ونهاية أسطورة”، للكاتب عمرو عبد الرؤوف، نجد أنَّ الشائع لدى المسلمين، منذ زمن بعيد، هو عدم ضبط سنتهم القمرية مع السنة الشمسية ومواسمها، وأن شهور المسلمين ليس لها مواعيد ثابته.

جاء في الكتاب أن المسلمين يصومون تارة في الصيف وتارة في الشتاء. تارة يحجون في الصيف وتارة في الشتاء، على عكس كل حضارات وثقافات العالم منذ بدء الخليقة! فلا يوجد أي أصحاب حضارة أو ديانة في العالم تفعل ذلك، ولا تضبط سنتها القمرية مع السنة الشمسية ومواسمها سوى المسلمين.

يصل ذلك، حسب الكاتب، إلى حد أن ذكرى مولد النبي محمد، الذي ولد بالربيع مع تفتح الزهور، ومع دوران السنين وتأخر السنة القمرية، قد يحتفل بها المسلمون في الخريف مع الجفاف وتساقط الأوراق.

الكاتب يورد أن المسلمين يعترفون بأن التقويم الهجري هو تقويم غير حقيقي، حيث لا يعبر عن الزمن الحقيقي للحدث. ولكن الله أراد له أن يكون كذلك، حسب المسلمين، الذين أراحوا عقولهم كالعادة، معتبرين أن لله في ذلك التقويم غير الحقيقي، حكمة لا يعلمها إلا هو، يقول الكاتب.

تقويم غير صالح!

هل يُمكن أن نعتمد على التقويم الهجري؟

يجيبنا عمرو عبد الرؤوف بالقول: “هو تقويم لا يُمكن الاعتماد عليه لنهضة أي دولة ولا لقيام أي حضارة. لذلك، يلجأ المسلمون اليوم إلى التقاويم الأخرى، لتكون هي التقاويم الرسمية للناس، ويتركون الهجري للمناسبات الدينية فقط، وذلك لأن الهجري وحده لا يُعتمد عليه”.

يعطي الكاتب مثالاً هنا حيث يقول: “إذا ما تم تحديد جلسة قضائية للحكم يوم 2 محرَّم، فقد يحضر شخص ولا يحضر الشخص الآخر، لأن هذا ظهر له الهلال قبل هذا”.

تتعدد صعوبات معرفة حلول الشهر بشكل دوري، حيث يصعب تحديد بداية الشهر القمري. مردُّ ذلك أن القمر في المحاق يكون غير مرئي. لعل القارئ يتساءل ما المحاق؟ المحاق هو بداية ونهاية أطوار القمر. لصعوبات تحديد تواريخ الأيام وضبطها في التقويم الهجري، فقد وجب انتظار ظهور القمر، لمعرفة برنامج شهر واحد وتحديد التاريخ، وتكرار الأمر نفسه كلَّ شهر. لذلكو يحدث الارتباك في الشهر الهجري أو “الإسلامي”.

النسيء وأزمة التحريم

إلى جانب حالات الارتباك والتقويم، يبدو أننا أمام مشكل أكثر عمقا وهو النسيء.

حسب ما وردَ في كتاب التقويم الهجري ونهاية أسطورة، هو تأخير تحريم شهر إلى شهر آخر، وذلك أن العرب كانت تعتقد تعظيم الأشهر الحرم، وكان ذلك مما تمسكت به من ملة إبراهيم، وكانت عامة معايشهم من الصيد والغارة، فكان يشق عليهم الكف عن ذلك ثلاثة أشهر على التوالي، وربما وقعت لهم حرب في بعض الأشهر الحرم، فيكرهون تأخير حربهم، فنسئوا أي: أخروا تحريم ذلك الشهر إلى شهر آخر.

الكاتب أفاد أن العرب كانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر، فيحرمون صفر ويستحلون المحرم، فإذا احتاجوا إلى تأخير تحريم صفر أخَّروه إلى ربيع، هكذا شهرا بعد شهر، حتى استدار التحريم على السنة كلها. فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه.

في سياق متصل، كان النسيء يُستخدم فيما قبل الإسلام لضبط مواقیت دخول وخروج مواسم الفصول الأربعة، لكي يكون هناك توازن بين فصول الزراعة، وذلك لسد الفارق بين التقويمين الذي يبلغ حوالي 11 يوما من كل سنة.

كان النسيء يُستعمل من أجل أن تتوافق الفصول مع بعضها فيكون الربيع ربيعا، ويأتي الجماد باردا، ويحل رمضان في وقت الرمضة الحارة، ويأتي الحج وسط الشتاء. لذلك، كانت تتم إضافة شهر من عشرة أيام في نهاية كل السنة سُميَّ بالنسيء؛ أو كانوا يضيفون شهرا كاملا بعد كل ثلاث سنوات، لتظل المواسم الزراعية والدينية والتجارية ثابتة في مواعيدها.

غير أن الإسلام حرَّم النسيء في سورة التوبة: “إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ”. مرَّد تحريم النسيء حسب السرديات التاريخية أن في أواخر عهد غزوات الرسول، أصبحت بعض قبائل الجزيرة العربية تتلاعب بأوان ومعاني ذلك الشهر، حتى يتمكنوا من تأجيل أو منع حلول بعض الحروب، باعتبار أنها تقع في الأشهر الحرم (ذي القعدة ورجب)، فنزلت الآية.

غير أن للبعض رأيا آخر لا يتوافق مع النص الذي يحرم النسيء، معتبرين أنَّ هذا الأخير، برأي المتقدمين والمتأخرين من العلماء تعني: “التأخير”. والنادر هو من قال بأن “النسيء” تعني “الزيادة”.

تتجه سرديات مضادة إلى أن إلغاء النسيء ليس هو القصد المفهوم ظاهرياً، مبرزين أن القصد هو ممارسات ما قبل الجاهلية، وبالتالي يُمكن مراعاة بعض الاختلافات في التوقيت وبعض المناسبات الدينية.

ربما القصد في التحريم هنا، ليس تحريم النسيء. بل تحريم استغلاله وما يتوافق مع الأهواء، ولعل هذا ما استندت له فتوى حول ما إن كان تحريم النسيء ينطبق على التوقيت الصيفي، والتي تجيب بأن هذا التوقيت يُراعى به اختلاف وقت طلوع الشمس في الصيف والشتاء، من أجل أن يذهب الناس إلى أعمالهم في أوّل النهار دائمًا، ويفرغوا منها قبل آخره.

التقويمان وأفق التوافق

كثيرة هي المشاكل التي يقع فيها المسلم خلال محاولته التوفيق بين الشهر العربي أو الهجري والميلادي، ولعل شهر رمضان أبرز مثال على ذلك. يضطر ليعده وفق الشهر الهجري، في المقابل يعد الشهر ذاته وفقَ التقويم الميلادي في حياته اليومية.

في الحقيقة، يصعبُ اليوم الاعتماد على التقويم الهجري القمري في مناسبات واعتماد الميلادي في أخرى. فالتقويم الهجري يتجاوز الحسابات الفلكية الدقيقة والحديثة، معتمداً على العين المجردة لرؤية بدايات ظهور القمر.

غير أن تفاخر عدد كبير من المسلمين بالشهر الهجري، جعله محطَّ قداسة، خاصة أنه مرتبط بحدث الهجرة. فهؤلاء هم أنفسهم من يُعِدون رواتبهم، ويقضون حاجاتهم في إداراتهم وغيرها وفق التقويم الميلادي. لذلك، فإن تشبتهم سرعانَ ما يختفي حينما تظهر مصالحهم.

يتجه بعض الفلكيين إلى ضرورة توافق التقويمين الهجري والميلادي. ولتحقيق ذلك، ربما يجب إضافة الشهر 13 إلى الأشهر العربية أو الهجرية، حتى تكفَّ عن الدوران وتتطابق مع فصول السنة ككل التقاويم القمرية.

رأي سرعانَ ما يجد له رفضاً عند بعض المسلمين، الذين اعتبروا أن دوران الشهور الهجرية مع الفصول ابتلاء من الله، وأن أجر الصوم والحج على قدر المشقّة. وهو رأي يبعد عن التحليل المنطقي ويجعل من الشهر الهجري مقدساً منزهاً عن أي محاولة توافق بينه وبين الشهر الميلادي.

لنعد لكتاب التقويم الهجري، ونهاية أسطورة، لنبحث عن إشكال التوافق مع الأشهر الميلادية. حيث يقول الكاتب: “إن من النتائج المترتبة على عدم ضبط الشهور القمرية مع الشهور الشمسية، هي تأخر ميعاد أي مناسبة عن موعدها في الشهور القمرية بقدر 11 يوم نتيجة تأخر السنة القمرية عن السنة الشمسية 11 يوم”.

هكذا، وخلال مطلع كل شهر هجري، قد يحدث الارتباك لدى المسلم خلال تتبعه وانتظاره حلول الشهر الهجري، فيما الفئة الأكبر جعلت من الأشهر الهجرية مقتصرة على الأعياد والمناسبات الدينية، بينما يبقى عيشها معتمداٌ على التقويم الميلادي.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *