“الملكة لا تهب نفسها للسوقة”… طليقات النبي محمد - Marayana - مرايانا
×
×

“الملكة لا تهب نفسها للسوقة”… طليقات النبي محمد

يظهر البحث في طليقات النبي محمد جانبا آخر من شخصية النبي المخفية.
جانب آخر يظهره بصورته البشرية العادية، بعيدا عن المثالية. يتجلى ذلك في معايير اختياره لزوجاته، وإصراره على عدم إرجاع من طلق منهن.
جوانب تبين أيضا أن اختيارات الرسول لزوجاته ودواعي الطلاق منهن كانت دواع، أغلبها، دنيوية…

مجرد أن تذكر سيرة طلاق النبي لبعض زوجاته، تطالعنا الرواية الأشهر لتطليقه حفصة بنت عمر، حين أسر لها بخلافة أبي بكر وعمر للمؤمنين من بعده، لكنها أفشت السر لعائشة، فطلقها ثم أرجعها بأمر إلهي.

على أن هناك أكثر من امرأة عقد عليها النبي ثم طلقها. لكن الحديث عنهن نادر، بالرغم من قصصهن المثيرة للجدل.

تختلف الروايات حول عدد مطلقات النبي، بين من يرفع عددهن إلى ثلاثين امرأة كالحافظ الدمياطي، وبين من يقلص العدد إلى أربع أو خمس سيدات، وهو ما يقول به الصالحي الشامي في كتابه “سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد”.

لم يكن الاختلاف فقط في العدد، بل شمل الأسماء أيضا، إذ إن كثيرات منهن تجمعهن قصة واحدة في الغالب.

أعوذ بالله منك

يروي البخاري في صحيحه: “عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَدَنَا مِنْهَا، قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، قَالَ: لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ”.

تختلف الروايات حول أسباب تعوذها من النبي.

يدرج البخاري نصا آخر، عن مالك بن ربيعة أبو أسيد الساعدي، أن النبي لما دخل على أسماء بنت النعمان الجونية، وقال لها: هبي نفسك لي، قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟  (والسوقة من ليس ملكا)، فأهوى عليها لتسكن، فقالت: أعوذ بالله منك. فقال: قد عذت بمعاذ…

في حين ذهب بعضهم إلى أن بعض زوجاته علّمنها ذلك، حين أوهمنها أن النبي يحب هذه الكلمة.

تفاصيل أكثر يوردها ابن سعد في كتابه “الطبقات الكبرى”، حين يصفها بأنها من أجمل أهل زمانها، وحين تزوجها النبي، قالت عائشة: “إنه وضع يده في الغرائب ويوشكن أن يصرفن وجهه عنا”. فلما رأتها نساء النبي حسدنها، وقلن لها: “إن أردت أن تحظي عنده فتعوذي بالله منه إذا دخل عليك…”

مليكة الكنانية… ضحية المكيدة

ذكر العسقلاني في كتابه “الإصابة في تمييز الصحابة”، أن النبي تزوج بها وكانت تذكر بجمال بارع.

دخلت عليها عائشة فقالت لها: أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك، وكان أبوها قتل يوم فتح مكة على يد خالد بن الوليد. فاستعاذت من النبي فطلقها، فجاء قومها يسألونه أن يراجعها، واعتذروا عنها بالصغر وضعف الرأي، وأنها خدعت، فأبى.

المرأة البرصاء

يروي أبو جعفر الطحاوي في كتابه “شرح مشكل الآثار”، أن النبي تزوج امرأة من غفار فرأى في كشحها بياضا فخلى سبيلها.

في رواية أخرى، يذكر أبو نعيم الأصبهاني في كتابه “معرفة الصحابة”، عن قتادة أنه قال: “بعث رسول الله أبا أسيد الأنصاري إلى امرأة من بني عامر بن صعصة يخطبها، ولم يكن النبي رآها، فأنكحها إياه أبو أسيد قبل أن يراها، ثم جهزها فقدم عليها، فلما أهداها رأى بها بياضا، فطلقها”.

والبياض المذكور في الروايتين هو البرص أو البهق. وكلاهما داءان جلديان، لكن البرص أشد بياضا من البهق.

بين الدين والدنيا؟

يروي المفسرون أن النبي هجر زوجاته شهرا كاملا، لأنهن طلبن منه أمورا دنيوية، وفقا لما وراه السمعاني في تفسيره.

قال السمعاني: “وحكى النقاش عن تفسيره عن الضحاك: أن زينب بنت جحش سألته ثوبا ممصرا، وهو البُرد المخطط، وميمونة سألته حلَّة يمانية، وأم حبيبة سألته ثوبا من ثياب خضر، وجويرية سألته معجر، وعن بعضهن، أنها سألته قطيفة”.

يضيف السمعاني: “ولم يكن عنده شيء من ذلك. وحكى أنهن قلن: لو كنا عند غيره كان لنا حلي وثياب، فأنزل الله تعالى آية التخيير“. وهي الآية التي نزلت في سورة “الأحزاب”: “يا أيّها النبيّ قُلْ لأزواجكَ إنْ كنتنّ تُردنَ الحياةَ الدنيا وزينتَها فتعالينَ أمتّعْكنّ وأسرّحْكنّ سراحاً جميلاً. وإنْ كنتنّ تُردْنَ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرةَ فإنّ اللهَ أعدّ للمُحسناتِ منكنّ أجراً عظيماً”.

خير النبي زوجاته بين إطلاق سراحهن (الدنيا)، وبين الله ورسوله والدار الآخرة (بقائهن معه)؛ وجميعهن اخترن البقاء معه، إلا واحدة، وهي فاطمة بنت الضحاك، التي اختارت الدنيا، ففارقها النبي.

تعدد الأسباب

لم تكن النساء اللواتي ذكرن سابقا، إلا جزءا يسيرا من نساء أخريات فارقهن الرسول أو فارقنه، باعتبار أن بعض النسوة هن من طلبن الفراق من النبي.

أجملت عفاف بن الغالي في مقالها “النساء اللائي فارقن الرسول”، أسباب طلاق النبي لبعض زوجاته إلى ثلاث أسباب: خلقية، معنوية، ثم الزوجات القرشيات.

تنص السنة على أن المرأة تنكح لأربع: لمالها وجمالها ونسبها ودينها. وما تأخير الدين إلا لمكانته في مقابل الاعتبارات الأخرى الدنيوية.

على أن الدواعي إلى الزواج والطلاق في تجربة النبي، كانت تجربة الجمال حاضرة فيها.

تورد عفاف بن الغالي نصا في غاية الأهمية حول هذه النقطة، تقول: “فارق الرسول زوجاته فراقا سريعا لسببين خلقيين: البرص وتقدم السن، وهما أمران كانا خافيين عليه، ثم علم بهما قبل البناء أو وقف عليهما بنفسه لحظة البناء. وبناء على ذلك، أدرج الفقهاء البرص ضمن الأسباب المبطلة للنكاح إذا كان في المرأة”.

يؤكد النص على أن فراق الرسول لبعض زوجاته لأسباب خلقية، يؤكد بشريته وحبه للجمال في المرأة، على أن نظرة المتأخرين حاولت إخفاء هذا الجانب من شخصية الرسول، لأنها تعتبره عيبا يتناقض والنبوة.

شكلت المكيدة والخديعة جانبا آخر من جوانب طلاق النبي من زوجاته.

كانت نساء الرسول لا يتركن وسيلة لتطليقه من زوجاته الجديدات أو إفساد خطبته لهن إلا توسلن بها، كما حدث مع أسماء بنت النعمان الجونية.

يعزز هذا ما أورده ابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى، أن الرسول بعث بعائشة لتنظر إلى امرأة خطبها، هي شراف الكلبيّة، فلما عادت سألها: “ما رأيت؟”، قالت: “ما رأيت طائلا”، فرد عليها الرسول كاشفا عن مكرها وخوفها من امرأة جديدة تنافسها: “لقد رأيت طائلا، لقد رأيت خالا بخدها اقشعرت كل شعرة منك”، فلم يكن منها إلا أن اعترفت بصحة ما قال الرسول.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *