أسماء بن العربي: في سوريا، بدنا أصابع نصر… نرفعها فوق القصر
الحرب في سوريا لم تكن مجرد صراع على السلطة، بل كانت صراعا على القيم، على الحياة نفسها، وعلى هوية شعب بأسره.
منذ أن بدأت الأحداث في سوريا تتسارع في الأسبوع الماضي، وحتى يوم سقوط بشار ونظامه، ومشاهدة احتفالات السوريين في سوريا وفي العالم بأسره، وخصوصا السوريين المقيمين في المغرب الذين رأيتهم يجوبون شوارع الرباط العاصمة بموكب سيارات تحمل الأعلام المغربية والسورية، كانت تتردد في مسامعي أغنية الشهيد عبد الباسط الساروت، الملقب ببلبل الثورة السورية:
“طيب إذا منرجع… بتوعدنا تسمعنا؟
ماشي يلا اسمع… هادي مطالبنا
بدنا أصابع نصر… نرفعها فوق القصر
بدنا دم الشهدا… ويرجع نهر بردى
والقصة مع سردا… ليش كنت تدبحنا
ورجعلنا حمزة… وهاجر وإخوتنا”
نعم، سقط بشار، ورفعت أصابع النصر فوق قصره وداخل أروقته، كما كان يتمنى كل سوري خرج في 2011 إلى الشارع هاتفا ومطالبا بالحرية والكرامة وهُجِّر أو قتل أو اعتقل أو فرّ من الحرب. نعم، فتحت السجون وخرج المعتقلون، وكل ما دمر سيبنى يوما…
لكن، لن يعود الشهداء، لن تعود السنين التي قضاها المعتقلون في السجون، ولن تنمحي من ذاكرتهم كل لحظات العذاب التي عاشوها، خصوصا فيما يخص معتقلي المسلخ البشري صيدنايا، (هذا للذين كانوا أكثر حظا وخرجوا بذاكرة سليمة).
لن يعود حمزة الخطيب، الطفل الذي عذب حتى الموت بسبب جملة كتبها على حائط، وكان شرارة للثورة السورية. لن يعود أولئك الآلاف الذين سقطوا في سبيل حلم سوريا الحرة، ولن تنتهي معاناتهم بالاحتفال بسقوط النظام، ولا يمكن لأي فوز سياسي أن يعوض الشعب السوري عما فقده في هذا الصراع الطويل.
الحرب في سوريا لم تكن مجرد صراع على السلطة، بل كانت صراعا على القيم، على الحياة نفسها، وعلى هوية شعب بأسره. فكيف يعاد بناء ما تم تدميره؟ كيف تطوى صفحات الخوف والدمار، وتفتح صفحات جديدة؟
سوريا اليوم هي أكثر من مجرد بلاد، إنها قضية قلبية لكل من آمن بالعدالة وانتصار الحق ولو بعد حين.
اليوم، لا نعلم ماذا يخبئه المستقبل لسوريا والشعب السوري، ولا نعلم من سيحكم ولا مسببات ولا دوافع هذا النصر المفاجئ. هل هو تخلي إيران وروسيا عن الأسد ونظامه؟ أم هو دعم أمريكا للثوار؟ أم خطة إسرائيلية توسعية جديدة؟ أم هي ثورة سورية خالصة حان وقت انتصارها بعد أكثر من 13 عام ؟
ما يهم اليوم هو ما نراه من تحرير للأسرى نساء ورجال وأطفالا، هو فرحة اعتلت وجوه السوريين بدل الدموع والقهر الذي سكن وجوهم لأكثر من عقد من الزمن… وما يهم أكثر هو محاسبة كل من تسبب في كل هذا وكل الأمل في وطن سوري يتسع لجميع السوريين مهما اختلفت دياناتهم ومذاهبهم.