وضع قرآنه الأمازيغي، وأسقط فريضة الحج: حاميم الغماري “النبي” المغربي - Marayana - مرايانا
×
×

وضع قرآنه الأمازيغي، وأسقط فريضة الحج: حاميم الغماري “النبي” المغربي

لم تحفَظ لنا كُتب التاريخ الكثير عن خصوصيات حركة حاميم الغماري، إلا الشيء القليل، وإن بكثير من التحامل والطعن.
على أن تلك الشذرات التي وصلتنا تؤكد حجم الخطر الذي كان يداهم الإسلام، خاصة أن حاميم بدهائه، عَمل على دعوة اعتمدت اللغة الأمازيغية بدرجة مهمة، لتكون للناس أقربُ وأيسر.
حركة رآها نقاد مُعاصرون تجديدا للدين، ينطلق من الخصوصيات الاقتصادية والثقافية والمحلية لمنطقة غمارة.

لم تنْفصل الحركات الاجتماعية التي ظهرت في مغرب العصر الوسيط، عن تيارين اثنين: حركات تأخذ من النبوة الجديدة مشْروعا لها، حركات تعتنق المرجعية المهدوية.

في كلتا الحالتين، شكلت الحالة السياسية أرضية خصبة لظهور هاته الحركات، مستغلة حالة الشتات التي تعرفُها المنطفة، آخذة بالمرجعية الدينية منطلقا لها كآلية للاحتجاج وحشد الهمم.

خاصة أنه، في تلك الفترة (خلال القرن الرابع للهجرة)، عاش المغرب الأقصى فوضى سياسية غابت معها أي سلطة مركزية موحدة للبلاد.

بين الصراع السياسي بين الإمارات التابعة للفاطميين والأمويين، والظروف الاجتماعية القاهرة، أعلن حاميم الغماري عن نبوَّته.

فوضى عارمة

لم يَكُنْ ظهور المتنبئين في قبائل غمارة – على غرار حاميم – بريئا، إنما جاء وليد مشروع يروم إقامة كيان مستقل، لهُ خصوصيته الدينية والمذهبية واللغوية.

هذه الخصوصية ومُحاولة الاستقلال، زكَّتها مجموعة من الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية.

مرْجِعُنا في كشف هذه الأسباب، كتاب “الإسلام السري في المغرب العربي” لإبراهيم القادري.

لم تكُن الخلافة الإسلامية في أحسن حالها، في كُل الجبهات. شَرقا كانت خاضعة للبويهيين الذين هيمنوا على الخلافة العباسية؛ ما جعل الفاطميين، غربا، يؤسسون خلافة مستقلة سنة 297. لم تكن الأندلس أفضل حالا، حيث كرس عبد الرحمن الناصر السنوات الأولى من القرن الرابع للهجرة لمحاربة الخارجين عليه، مما كسر هيبة الخلافة الموحدة.

ظروف سيكون لها تأثيرها على دولة المغرب. وضعية سياسية مأساوية، تجلت في غياب تام للسلطة المركزية، وُلدت خلالها كيانات سياسية مهترئة ومتناحرة، عمقت الهوة بين السلطة والمجتمع.

اقتصاديا، أثرت مجريات الحروب على مصير اقتصاد المغرب، حيث تدهورت طرق التجارة، كما أصيبت الأراضي بالبوار، مع ضعف المبادلات بين المدن والبوادي.

على المُستوى الثقافي والديني، كانت بقايا الوثنية لا زالت تؤثر في المجتمع المغربي خلال القرون الأولى من دخول الإسلام، وخاصة منطقة غمارة، التي مُزج فيها بين تعاليم الدين الإسلامي والمعتقدات الشعبية الموروثة.

علاوة على أن غمارة، منطلق نبوة حاميم، عرفت عُزلة سياسية، مع وجود عادات ومُعتقدات خاصة بها، مع ما عُرف عن المنطقة تاريخيا من تمرد على الولاة.

قرآن أمازيغي، وصلاتان في اليوم…

تذكُر بعض المصادر أن لقب حاميم مأخوذ من القرآن الكريم، الذي توجد به عدد من السور تبدأ بـ”حم”، ما يعني أن حاميم حاول أن يستمد شرعية النبوة من النص القرآني، والتأثر كذلك بالإسلام.

بمنطقة مجسكة، القريبة من مدينة تطوان (شمال المغرب)، أعلن حاميم الغماري عن نبوّته سنة 313هـ، قرب جبل بقي يحملُ اسم حاميم إلى وقت قريب.

لم تنقُل المصادر التاريخية كثيرا من عبادات حاميم، لكنها أجمعت على أنه وضع قرآنا بالأمازيغية، لا يُعرف أكان مكتوبا أم شفهيا. لكن، ما وصل يُمكن أن يسمح بالوقوف على الخطوط العامة لهذه الديانة.

في مقاله: “الأنبباء في مغرب العصر الوسيط، غمارة نموذجا”، يرى حميد هيمة أن “قرآن حاميم يحوي سورا متفاعلة مع إمكانات وإكراهات الوسط البيئي والاكراهات الاقتصادية.

رفع التحريم عن أكل أنثى الخنزيز لحل مشكلة التغذية، وأسقط الحج بعد ثقل المغارم على الحجاج بالمهدية (إفريقية). كما أقرت شريعة حاميم نظاما ضريبيا موحدا يُقر فقط الأعشار والزكاة، مما يعني رفع باقي الضرائب الثقيلة والمرهقة لكاهل المؤمنين بدعوته”.

فيما يخص أركان الإسلام، فقد احتفظ بها مع إدخال تعديلات عليها، وإسقاط رُكن الحج.

تتجلى التعديلات في تقليص الصلوات الخمس التي سنها الإسلام إلى اثنتين فقط: صلاة  الصبح وصلاة المغرب، وفي كل منها ثلاث ركعات، وأمر معتنقي ديانته أن يسجدوا وبطون أيديهم تحت وجوههم. كما أسقط الطُّهر والوضوء قبل الصلاة.

نقلت المصادر (العبر لابن خلدون والاستقصا للناصري)، بعض شذرات من صلاة حميم.

ورد فيه: “خلّني من الذنوب يا من خلى النظر، ينظر في الدنيا، أخرجني من الذنوب، يا من أخرج يونس من بطن الحوت، وموسى من البحر، آمنت بحاميم وبأبيه أبي يخلف من الله وآمن رأسي وعقلي وما يكنّه صدري وما أحاط به دمي ولحمي، وآمنت بتالية (تانفيت أو تبعانت) عمة ‌حاميم أخت أبي يخلف من الله”.

يؤكد هذا النص على أن عقيدة حاميم ركزت أساسا على الإيمان بالأنبياء السابقين. على أن عقيدته أيضا، حثت على الإيمان بحاميم وعائلته، فضلا عن الإيمان بالله.

فَرض كذلك على أتباعه الصوم، لكن المصادر تختلف في بعض التفاصيل فيما يخص صوم رمضان، إذ تذكر بعضها أنه فرض صيام ثلاثة أيام، وأسقط سبعة وعشرين يوما، وصيام يوم عيد الفطر، وجعله الثاني من شوال. بينما تذكر مصادر أخرى أنه فرض صوم عشرة أيام من رمضان ويومين من شوال.

مُقابل تقليص أيام الصوم من رمضان، شرع لهم صوم يوم الخميس والأربعاء إلى غاية الظهر، وكان جزاء من أفطر فيهما غرامة خمسة ثيران. على أن صاحب الاستقصا، ذكر أن حاميم فرض يومي الاثنين والخميس، ومن أفطر يوم الخميس كفارته ثلاث ثيران؛ ومن أفطر يوم الاثنين فكفارته ثوران.

جانبٌ آخر اهتمت به شريعة حاميم، يتعلق ببعض الأطعمة، من ذلك أن الحوت لا يؤكل إلا بذبيحة شرعية . كما حرم عليهم أكل البيض، وأكل الرأس من كل حيوان.

لم يتسع الزمن لحاميم لإنهاء مشروعه، إذ توفي بعد سنتين من بدايته.

تتفق الروايات على أن حاميم قُتل، وبقي الاختلاف حَول القاتل. يذهبُ الناصري إلى أنه توفي على يَد الخليفة الأندلسي عبد الرحمن الناصر، بينما يذكر ابن خلدون أنه قتل في إحدى الحروب مع قبائل مصمودة التي كانت موالية لأمويي الأندلس.

عَرفت دعوةُ حاميم الغماري انتشارا واسعا في غمارة، وعلى أثره ذهب العديدُ ممن ادعوا النبوة في المنطقة، على غرار عاصم بن جميل اليزدجومي؛ ما يدل على بقاء الأثر وتغلغل فكرة حاميم في المنطقة.

ثورة إصلاحية؟

تعاملت أغلب المصادر التاريخية مع حركة حاميم بنوع من الحذر، مع ما لازم ذلك من تشنيع وحط من هذه الحركة.

كانت الحركة من أكثر الحركات تعرضا لتحامل المؤرخين – حسب إبراهيم القادري -. كالوا لها أصناف الشتائم والنعوت، فلقبوا صاحبها بالمفتري، وأتباعهُ بالجهالة والبداوة، وأحجموا عن التأريخ لها انتقاصا من شأنها.

على أن الدراسات المُعاصرة حاولت النظر إليها من زوايا مختلفة، باعتبارها جزءا من التاريخ الديني والفكري للمجتمع المغربي في هذه الفترة.

حركة حاميم الغماري لم تكن، بتعبير حميد هيمة، سوى تفوقا في بلوة مشروع يُعبر عن تطلعات غمارة في التخفيف من العبء الضريبي، وصياغة عقيدة منسجمة مع المحيط البيئي، ومستوعبة للثقافة والرموز والمعالم المحلية.

أما المستشرق الفرنسي ألفرد بل، فقد اعتبر دعوة حاميم العماري تعبيرا عن حركة إصلاح ديني تستهدف تطويع الإسلام للملاءمة مع طبيعة الأمازيغ.

نفسُ الرؤية تُشاركُها سلمى محمود إسماعيل، إذ اعتبرت نبوة حاميم نوعا من التجديد الديني، والعمل بقاعدة المصالح المرسلة، من أجل مواجهة ظرفية صعبة حكمت المنطقة آنذاك.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *