بين التجديد، الإصلاح وحالة الجمود: موقع الإصلاح الديني في المغرب اليوم 2/1
كيف بدأ نقاش تحديث الخطاب الديني في المغرب وكيف اتجهنا نحو مسار الإصلاح الديني، وهل فعلاً ما وصلنا إليه الآن، يُمكن أن يعتبر إصلاحا وتحديثا للشأن الديني؟
الإصلاح الديني في المغرب سؤال طرح في محطات كثيرة من تاريخ المغرب، وارتبط في الغالب، بمسار وسؤال الإصلاح التحديث في الدولة.
الأحداث الإرهابية التي هزت المغرب في 16 ماي 2003، وما تلاها من عمليات، وما سبقها من “توطين” لإيديولوجيات دينية متطرفة مستوردة ودخيلة على التدين المغربي… كل ذلك، جعل من سؤال الإصلاح الديني في المغرب أولوية، بل عنوانا لمرحلة لم تنته بعد.
كانَ لزاما على المغرب النظر في السياسة الدينية، خصوصا في ظل التهديدات المتوالية، التي لم تستهدف شكل وطبيعة النظام السياسي بالمغرب فقط، بل أكثر من ذلك، بنية وشكل المجتمع المغربي نفسه.
فكيفَ يُنظر لتحديث الخطاب الديني اليومَ بعد أزيد من 20 سنة على انطلاق هذا الورش؟ وهل لا زلنا بحاجة لتحديث للنص الديني الآن أم أننا أمام تحديث جامد؟
التحديث بين الدينامية والتاريخ
إدريس الصنهاجي، أستاذ السوسيولوجيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز، يقول لمرايانا إن تحديث الخطاب في المجتمع المغربي مرتبط بالدينامية العامة التي يشهدها المغرب على المستوى الثقافي والأكاديمي والسياسي، وهو مرتبط بالمناخ العام.
يرتبط التحديث، حسب الصنهاجي، بتاريخ المغرب ومحاولات الإصلاح التي عرفها الحقل الديني. في كل مرة كانت تقع أزمة بالمغرب، يبدأ الحديث عن إصلاح الشأن الديني وترتفع أصوات للمطالبة بذلك.
ارتبط تحديث الشأن الديني بطبيعة النظام المغربي عبر التاريخ، حيث كان ينظر إليه بعض المستشرقين والاستعماريين بأنه مجتمع منغلق، ليس له استعداد للانفتاح على الإصلاحات الجديدة المرتبطة بالحداثة. غير أن ذلك ليسَ صحيحا، يقول الصنهاجي، فهناك تقاليد وموروث، ولكن تحديث الخطاب الديني ارتبط بمسلسل الإصلاح ولا علاقة له بانغلاق المجتمع المغربي أو جموده.
رشيد العلوي، كاتب وأستاذ باحث في الفلسفة، يقاربُ مع مرايانا إشكالية تحديث الخطاب الديني مُعتبراً أنه لا يمكن بناء مجتمع بمُقوماته دونَ تحديث للخطاب الديني. هذا التجديد ضرورة مُجتمعية ملحة، فالخطاب الديني، خطاب غير ثابت إذا ما ابتعدنا عن التوصيفات الجاهزة من قبيل التفسيرات المتعددة لهذا الخطاب، صوفية كانت أو شيعية أو وهابية.
حسبَ العلوي، فمسار الحداثة يبدأ أولاً بالتحديث، وهو ما حصل إلى حد ما في المجتمع المغربي منذ سنة 2004، بعد الانفجارات التي عرفها المغرب، حيث قامت الدولة بمحاولة إصلاح الشأن الديني بغرض تجديد هذا الخطاب لكيلا يكون نمطيا يعيق مسارَ الحداثة.
بالعودة للخطاب الملكي لسنة 2004، فقد وجه خلاله الملك توصيات لإصلاح الشأن الديني، وقبله كان هناك إصلاح قام به الحسن الثاني سنة 1979 مع الثورة الخمينية، وذلك من أجل تحصين المجتمع المغربي من التأثير الشيعي.
الهدف الأساسي من هذا التجديد الذي قامت به الدولة المغربية، وِفقَ ما صرَّح به العلوي، هو إصلاح مؤسسة العلماء بالمغرب، وإدماج فئات جديدة وإصلاح وضعية فئات أخرى، من قبيل الأئمة، للوقوف ضد المد السلفي الوهابي الذي يتزعم بعض الخلايا المتطرفة والتي تبنت العمليات الإرهابية التي استهدفت المغرب.
يتفقُ الصنهاجي مع العلوي في القول بأن الإصلاح الديني بعدَ 2004، عرفَ دينامية جديدة وتحديثا للشأن الديني والقائمين عليه. في هذا الصدد، يقول الصنهاجي إن الدولة أعادت هيكلة القطاع الديني، وأحدثت مؤسسات موازية، وسعت إلى تكوين الأئمة.
محاولات يائسة
محمد سعيد، باحث مغربي مُقيم بأمريكا، يقول لمرايانا إن المغربَ حاولَ تجديد الخطاب الديني، وأصبحنا نسمع عن الوسطية والاعتدال في الإسلام، وأن المغرب يؤمن بالإسلام السني المعتدل. لكن، أين هو هذا الاعتدال في قضايا حرية المعتقد والتأسيس لأرضية الاختلاف؟
حسبَ سعيد، تبقى مسألة تنقيح الخطاب الديني مسألة ملحة، وهي ضرورة حتمية، خاصة بعد أن تسببت بعض المفاهيم، والتي هي ليست طارئة على القرآن والسنة، في كوارث عدة، من إرهاب وإهدار حقوق النساء واستخدام الدين في السياسة لفرض أفكار معينة.
يعتبر سعيد أن أفق الخطاب الديني في الزمن الراهن أفق مظلم، وذلك لما يعيشه المجتمع المغربي من إكراهات بنيوية في كل المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إذ أصبح الخطاب الديني محدود التأثير اليوم، بسبب الانفتاح على سوق فكرية ودينية وثقافية متعددة عبر الوسائط الاجتماعية.
حسب المتحدث، في الوقت الذي يلاحظ فيه مؤشرات تدين المغاربة، خصوصا خلال شهر رمضان، واستثمار هذا الحضور سياسيا، سنلاحظ تقلص مساحة بروز التدين في المعيش اليومي، وتراجع حضور الخطاب الديني بصمت. كما يواجه الخطاب الديني اليوم أزمة من أجل بناء مصداقيته عند عموم المغربيات والمغاربة، لأنه غير متساو مع الواقع الاجتماعي والثقافي والديني المنهك.
يشير المتحدث إلى أن المسلمين، عموما، يجب أن ينظروا لتراثهم بعين النقد والتمحيص، ليقرروا ما يمكن تجديده وما يمكن تجاوزه، فمسألة الحداثة تحيل على تجاوز. فإذا سلمنا بأن الحداثة لا مفر منها، فيجب علينا الاعتراف بأن هناك أنماط تدين لم تعد مقبولة اليوم لأنها تؤدي إلى التصادم، فالحداثة مبنية على العقلانية والعلمانية.
يقول سعيد: “من هذا المُنطلق، يحاول الساسة وصناع القيم إيجاد حل. لكن محاولاتهم تبوء بالفشل لأنها لم تحسم مع “القدامة” الدينية والسياسية كذلك، فالإسلام التقليدي أو الأصولية الإسلامية تعتبر أنه من الضروري أن تتماشى الأنظمة السياسية مع الإسلام، وهذا ما هو موجود كذلك بالمغرب، فالحداثة السياسية هي المدخل للتأسيس للحداثة، كي لا يكون هناك صراع وتضارب”.
في الجزء الثاني من الملف، سنحاول تفكيك آليات الخطاب، وكذا دور النخبة الدينية في تجديد الدين، والسير نحو أفق أرحب للتحديث في المجتمع.