مشروع قانون المسطرة المدنية… إشكاليات تمس حق المغاربة في التقاضي (مع فيديو)
بعد 10 أيام من التوقف عن العمل، قررت هيئة المحامين بالمغرب تعليق التوقف بعد حوارها مع وزارة العدل.
قرار التوقف المفتوح عن العمل، جاء، حسب المحامين، احتجاجا على أوضاعهم المهنية وأوضاع العدالة في المغرب عموما أو ما وصفوه “بالردة التشريعية”.
مشروع قانون المسطرة المدنية كان من بين النقاط التي أججت احتجاج المحامين، باعتباره شمل قوانين تستهدف حقوق الدفاع وتقلص من مساحتها.
شهدت المحاكم المغربية منذ الأول من نونبر، حالة شلل عام إثر إعلان جمعية هيئات المحامين التوقف المفتوح عن مهام الدفاع.
المحاكم بدت، على غير عادتها، فارغة من أصحاب البدلات السوداء؛ حيث تم البث في قضايا دون حضور هيئة الدفاع، فيما عرفت قضايا أخرى التأجيل.
هيئة المحاماة، اتخذت هذا المنحى، بسبب رفضهم لمقتضيات جاءت في مشروع قانون “المسطرة المدنية” الذي صوت عليه مجلس النواب وتمت إحالته على مجلس المستشارين.
مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب أكد، في بيان له، أن “قرار التوقف الكامل عن ممارسة مهام الدفاع جاء بعد محاولات حوارية عدة تمسك فيها المحامون بمصلحة المتقاضين ومهنيي العدالة، إلا أن الحكومة تجاهلت كافة الإشارات التي أرسلت من خلال حملتهم الترافعية، مما دفعهم إلى اتخاذ هذه الخطوة التصعيدية“.
جمعية هيئة المحامين بالمغرب قررت، يوم 11 نونبر 2024، تعليق التوقف المفتوح عن العمل، بعد حوار مع وزارة العدل.
بيان جمعية هيئة المحامين بالمغرب أشار إلى أن قرار تعليق التوقف، جاء بناء على التفاعل الإيجابي مع مبادرة الحوار.
قانون المسطرة المدنية… نقط الخلاف
-
استهداف المساواة
من النقاط الخلافية التي أثارت جدلا واسعا بين هيئة المحامين ووزارة العدل، هناك “مشروع قانون المسطرة المدنية”.
يعنى مشروع القانون هذا بـمجموعة القواعد القانونية التي تحدد الاختصاصات والإجراءات وشكليات التقاضي أمام المحاكم بمختلف درجاتها وأنواعها:
يتفق المحامون مع وزارة العدل في الحاجة إلى تعديل القانون، بما يتلاءم وتطور العدالة في المغرب، إلى جانب المستجدات الدستورية والقانونية. لكن هيئة المحاماة ثارت على هذا المشروع، الذي اعتبرته غير دستوري ويهدد مهنة المحاماة، ومن ثم فإنه يضرب الدور الرئيسي والاعتباري لمهنة المحاماة واستقلالها، ولحق المواطنين في التقاضي.
الحسين الزياني، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، اعتبر في تصريحات له، أن مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 02.23، فيه تراجعات كبيرة على مستوى حق التقاضي والمساواة على جميع الأصعدة، وأنه يضر بالعدالة وحقوق المواطن“.
عن أبرز النقط الخلافية، يذكر الزياني مسألة الوكيل، إذ لا يمكن جعل القضاء في خدمة المواطن بوكيل يمكن أن ينوب على المواطن في المحكمة.
في هذا السياق، يتساءل رئيس الجمعية عن الضمانات المتوفرة لدى الوكيل الذي سينوب على المواطن في مساطر قضائية تتطلب دراية ومعرفة.
الحسين الزياني، أكد على أن المحامين مستعدون للنيابة عن المواطن الذي لا يملك أي إمكانات مادية، وهذه خدمة للعدالة يقدمها المحامون منذ سنوات.
رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب أضاف في هذا الصدد: “بالنسبة للوكيل، فهو غير منظم ولا ضمانات له وتضيع أموال على الخزينة، لأن المحامي خاضع للضريبة بينما الوكيل سينوب بأجرة أو بدونها، لكنه لا يتحمل أي عبء تجاه الدولة ولا يتحمل بأي التزامات تجاه المستخدمين”.
نقطة أخرى محل خلاف، أشار إليها الحسين الزياني، تتعلق بقيمة النزاع.
مشروع القانون أشار إلى أنه، إذا كانت قيمة النزاع أقل من 30 ألف درهم، فليس للمواطن حق الاستئناف، وإذا كان النزاع أقل من 80 ألف درهم، يحرم المواطن من النقض.
الحسين الزياني شدد على أن هذا خرق لمبدأ المساواة في الدستور، مؤكدا على أنه يجب إخضاع جميع الأحكام للرقابة القانونية بصرف النظر عن القيمة المالية، معتبرا أن اللجوء إلى القضاء، بكل مراحل التقاضي، حق دستوري.
-
سوء النية
المادة 10 من مشروع قانون المسطرة المدنية نصت على أنه “يجب على كل متقاض أن يمارس حقه في التقاضي طبقا لقواعد حسن النية وبما لا يعرقل حسن سير العدالة. وللمحكمة أن تحكم إما تلقائيا أو بناء على طلب من النيابة العامة أو من أحد الأطراف إذا ثبت لها أنه يتقاضى بسوء نية، بغرامة لفائدة الخزينة العامة تترواح ما بين 10 آلاف درهم و20 ألف درهم وذلك بصرف النظر عن التعويض الذي يمكن أن يطالب به المتضرر”.
الحسين الزياني، تساءل عن معيار التقاضي بسوء النية، مستدركا أن أحد المتقاضين يمكنه طلب التعويض، إذا ثبت للمحكمة أن خصمه يتقاضي بسوء نية.
من جانبها، اعتبرت النائبة البرلمانية مليكة الزخنيني، أن المشروع أسس لمفهوم جديد هو مفهوم قرينة سوء النية، فالمتقاضي سيء النية حتى يثبت العكس، بما يمثل نسفا لروح قرينة البراءة، التي كرسها الدستور المغربي لصالح المتهم، فبالأحرى المتقاضي.
النائبة شددت على أن المساواة أمام القانون هي أهم دعائم الاطمئنان إلى العدالة، فلا يستقيم التمييز بين المتقاضين والقول بالإصلاح؛ وما تضمنه هذا المشروع من تمييز صريح وضمني بين المتقاضين، يسائل البعد الحقوقي فيه.
عبد الرحيم الجامعي، النقيب والفاعل الحقوقي، أكد خلال مروره في بودكاست “حديث ومغزى” على منصة مرايانا، على أن نسبة سوء النية في التقاضي موجودة، لكنها ضعيفة، لأن المتقاضي يلجأ إلى القضاء مع تأدية مصاريف من أجل حق معين.
عبد الرحيم الجامعي، اعتبر أن القاضي يمكن أن يحكم بالغرامة، من خلال تقدير تلقائي حول سوء النية، مستدركا أن القاضي لا يجب أن يكون طرفا في النزاع، وأن سوء النية يثار من طرف أحد المتقاضين وليس من طرف القاضي.
-
التأثير على الأمن القضائي
تمنح المادة 17 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، الحق للنيابة العامة في الطعن في الأحكام القضائية النهائية.
المادة 17 تنص على أنه “يمكن للنيابة العامة المختصة، وإن لم تكن طرفا في الدعوى، ودون التقيد بأجل الطعن المنصوص عليها في المادة السابقة، أن تطلب التصريح ببطلان كل مقرر قضائي يكون من شأنه مخالفة النظام العام”.
تابعت المادة نفسها، أنه “يتم الطعن أمام المحكمة المصدرة للقرار، بناء على أمر كتابي يصدره الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تلقائيا أو بناء على إحالة من الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في حالة ثبوت خطأ قضائي أضر بحقوق أحد الأطراف فادحا”.
المحامون اعتبروا أن اعتماد هذه المادة من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة الثقة في الأحكام القضائية، إذ يمكن لأي حكم أن يتعرض للطعن من قبل النيابة العامة حتى بعد فترة من صدوره، كما يمكن أن يؤدي إلى تزايد النزاعات وعدم الرغبة في اللجوء إلى القضاء لحل النزاعات.
المادة يمكن أن تؤدي، من جانب آخر، إلى حالة من عدم اليقين القانوني، ما يؤثر على ثقة الأفراد والشركات في النظام القضائي، خصوصا في الأحكام التي كان يعتقد أنها مستقرة وغير قابلة للطعن. علاوة على تعطيل العدالة، من خلال إمكانية الطعن المستمر التي قد تؤدي إلى تعطيل تنفيذ الاحكام وتأخير العدالة، الشيء الذي من شأنه أن يؤدي إلى زيادة العبء على المحاكم وزيادة تكاليف الإجراءات القانونية.
عرقلة الحق في التقاضي؟
الحق في التقاضي، وفق الدستور المغربي، مبدأ دستوري، لا يمكن تقييده أو مصادرته بأي شكل من الأشكال.
الهيئات الحقوقية، اعتبرت أن مشروع قانون المسطرة المدنية مس هذا الحق، واعتبره عرقلة صريحة لحق اللجوء إلى القضاء، بمختلف الطرق والوسائل المتاحة.
عبد الرحيم الجامعي، النقيب والفاعل الحقوقي، اعتبر أن هذه التعديلات خلقت صعوبات تقف أمام استعمال القانون من أجل الدفاع عن النفس.
المتحدث أضاف، خلال مروره في بودكاست “حديث ومغزى” على منصة مرايانا: “إذا لم يستعمل القانون للدفاع عن الحق أو الحرية أو المال، سيتم اللجوء إلى وسائل أخرى، أحيانا قد تكون الجريمة أو الاعتداء أو رد الفعل“.
من جانبه، اعتبر عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، في تصريح لمرايانا أن “هذه التعديلات تمس عمل المحامين وصلاحياتهم، لا سيما تلك التي تتعلق بحماية حقوق المتقاضين وتحصين مكتسباتهم، ومنظومة العدالة بصفة عامة”.