مغرب القرن 21.. ذكريات آسرة وسخيفة وخالدة 2/1 - Marayana - مرايانا
×
×

مغرب القرن 21.. ذكريات آسرة وسخيفة وخالدة 2/1

ذكريات مغرب القرن 21…
أتذكر الضحكة المجلجلة والآسرة للمنشط الإذاعي شادو. عمق برنامج “تحقيق”، وإثارة “دكار فاس-إكسبريس”، والنقلة النوعية الذي أحدثها “أخطر المجرمين”. أُفضّل أن أكون ماضويا، وأقول إن تلك السنوات كانت العصر الذهبي للإعلام السمعي البصري المغربي في هذا القرن.

”الذكريات بحلوها ومرها تجلب الحزن للإنسان”

فيودور دوستويفسكي

 

ملحوظة: تعليقات وتعقيبات كاتب المقال على ذكرياته (وذاكرة المغاربة الجماعية) تعكس رأيه، وليس بالضرورة رأي الموقع.

 

ماذا تساوي الذكريات إن لم نغطْها بالكلمات؟ سيتربص بها النسيان، وستضيع ذاكرة الإنسان. هذه الفكرة آمن بها الكاتب الفرنسي جورج بيريك، عندما ألّف كتابه “أتذكر”، ليستحضر فيها ذكرياته الأثيرة والتافهة، ويؤلف عملا أدبيا متنينا.

المغاربة، وعلى اختلاف تعليمهم وثقافتهم ومكانتهم الاجتماعية، توحدهم ذكريات مشتركة، فاض خلالها، أحيانا، وجدانهم بنفس المشاعر الجياشة، وفي أحيان أخرى كانوا شاهدين على أحداث فرقتهم إلى تيارات وأحزاب.

على خطى جورج بيريك، وليس تقليدا له، نستحضر في هذه المقال بعض ذكريات قرابة ربع قرن من تاريخ المغرب.

…أتذكر الزمن الذي كان ينتظر فيه بعض المغاربة عمود رشيد نيني “شوف تشوف” مثل عودة حبيبة أو جندي عائد من الحرب، ويشعر فيه البعض الآخر بالنصر لأنه احتفظ بعدد مُصادر لـ”نيشان“. كان حلما صحافيا. لكن بفعلة فاعل… “سالات الحفلة”.

أتذكر ابتداع الممثل زكرياء عاطفي مصطلح “السطاشيات”[1] بدل القاصرات. كانت عيونه تثير رعب المشاهدين. بدا كأنه مشروع ظاهرة سينمائية مغربية شبيهة بشر المشخّص المصري فريد شوقي.

أتذكر بروز ظاهرة “التشرميل بالكاراميل”. شباب نثروا الرعب والإجرام. بدا وكأن المغرب في طريقه ليصبح مثل الهوندوراس وكولومبيا.

أتذكر عندما قتل شخص تافه عبد الله العروي في الفاسيبوك، قبل أن تقتله الصحافة مرة ثانية بنشر الخبر دون التأكد منه. لقد شعر المغرب بالملل، وأراد أن يختم يومه بمشهد سوريالي وشنيع.

أتذكر بروز “بؤرة شبه عائلية” في جائحة كورونا. هي عبارة عبقرية، تختزل شبكة متشعبة متشكلة من عاملة الجنس، وزبونها، وعائلتيهما، ومخالطيهم.

أتذكر عندما برز أمينوكس في الساحة الفنية مع الأغنية الجميلة ”أنا وياك” والكلمة الشهيرة “هضاضايضاي“[2]. أسلوب غنائي فريد. بدا وسيما ونضرا، وستعشقه الفتيات إلى درجة العذاب… كأي روك ستار عالمي.

أتذكر تلبد المراهقين في مقهى الأنترنيت (Cyber) أمام الشاشة للدردشة في MSN. تضغط على القبلة الحمراء فتملأ الشفاه الشاشة. أليست هذه القبلة هي الرمز الأبرز للحب الزائف في المغرب المعاصر؟

أتذكر انهيار قوس شاطئ الكزيرة.

أتذكر اللحظة التي ركض فيها هشام الكروج بأقدامه في أثينا، وركض المغاربة بقلوبهم. كان أبرز التحام لتفوق رياضي مع المشاعر الوطنية في هذا القرن قبل ملحمة مونديال قطر، وإنجاز سفيان البقالي في ألعاب طوكيو وباريس.

أتذكر احتفاء المغاربة بـ”المغاربةلعبد الكريم الجويطي. شعرت وكأن المغرب يحتفي (وبإجماع) لأول مرة بكتاب\كاتب منذ حصوله على الاستقلال.

أتذكر ريتشارد عزوز، مغربي ثائر في أمريكا، تحلى بالوقاحة، والجرأة، والنزعة الانفصالية اللازمة للحديث عن شلال من الطابوهات لا تقدر عليه صناعة صحافية بأكملها.

أتذكر اليوم الذي كان فيه بن كيران على بعد أجزاء من الثانية وثلاثة حروف ليدخل هذه الجملة العجيبة لتاريخ التواصل السياسي: “إذا حصلتم على أصوات من النساء أكثر مني، لن أضع مؤخرتي مجددا في البرلمان”.

أتذكر قبلة الممثلين سناء عكرود ومحمود حميدة. عُري سعيد باي في السينما. ضجة فيلم “حجاب الحب”. المطاردة الجماعية لمثلي في فاس. لقد أطلقت هذه “الأحداث” العنان لحرب باردة بين المحافظين والتقدميين. بدا وكأن المغاربة، “مالقاو ما يدار”، وأرادوا تحديد التوجهات الإيديولوجية لبلدهم في القرن الجديد.

أتذكر “وردة على وردة”، و”القسم رقم 8″، و”هاز صاكي في كتافي”، و “يوم ورا يوم”، و “علي زاوا” وبهجة برنامج “فاصلة”. التقارب الزمني لهذه الروائع يوحي وكأن المغاربة “فجروا” كل إبداعهم، وقرروا  بعد ذلك أخد راحة بيولوجية.

أتذكر النقاشات الغريبة حول مشروعية ”الجلابة إيفازي”، ومصير فتاة “اقرأ من الأعلى وروتانا من الأسفل” مع الله.

أتذكر النقاشات حول “أدلجة المجتمع” و”أسلمة المجتمع”، ومواضيع مهيبة من هذا القبيل. كانت نقاشات مفيدة… خصوصا عندما نقارنها مع نقاشات اليوم: هل تؤثر ساري كول وصوفيا طالوني على السلم المجتمعي في المغرب؟

أتذكر الزمن الذي كان فيه تحضير “التيفو” يستغرق شهرا كاملا. تكثر التكهنات والتوقعات حول مضمونه. كان الأمر شبيها بانتظار ألبوم جديد لفنان بوب شهير.

أتذكر تحول الحديث عن وفاة الحاجة الحمداوية من عدمه لشبه نقاش عمومي، وكأن المغاربة استعجلوا موت واحدة من أعظم فناناتهم على الإطلاق.

أتذكر قضية أراضي خدام الدولة. ساد الاعتقاد أن التحقيق انتصار شعبي رمزي على النخبة.

أتذكر الضحكة المجلجلة والآسرة للمنشط الإذاعي شادو. عمق برنامج “تحقيق“، وإثارة “دكار فاس-إكسبريس“، والنقلة النوعية الذي أحدثها “أخطر المجرمين“. أُفضّل أن أكون ماضويا، وأقول إن تلك السنوات كانت العصر الذهبي للإعلام السمعي البصري المغربي في هذا القرن.

أتذكر النقاشات المستفيضة حول العهد الجديد، والملفات الخمسة الكبرى، والعدالة الانتقالية، والخروج عن المنهجية الديمقراطية، والمغرب الأزرق، والمغرب الأخضر، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وحركة 20 فبراير، والدستور الجديد.

أتذكر أزمة مشروع مقترح توسيع صلاحيات بعثة المينورسو في الصحراء المغربية، لتشمل مراقبة حقوق الإنسان.

أتذكر ملحمة الرجاويين في مونديال الأندية وكأس العرب، وتحفة أغنية ”الخضرا الوطنية“. أتذكر مجد الوداديين في أفريقيا مرتين ولافتتهم: “غزاة أفريقيا.. قولا وفعلا“. أتذكر ثلاثية المغرب الفاسي وهدف الشطيبي القاتل في شباك أنتر كلوب. أتذكر رشاقة لعب المغرب التطواني، ونجاح النموذج التسييري للفتح الرباطي، وعودة الجيش للألقاب.

[1] -البالغات من العمر ستة عشر عاما
[2] – كلمة لا معنى لها باعتراف صاحب الأغنية نفسه

 

لقراءة الجزء الثاني: ذكريات مغرب القرن 21… أحلام، ومآسي، وانتصارات، وانكسارات 2/2

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *