لماذا لا يتزاوج الأمازيغ البيض والسود؟ حين يقف التاريخ حاجزا أمام التعايش. - Marayana - مرايانا
×
×

لماذا لا يتزاوج الأمازيغ البيض والسود؟ حين يقف التاريخ حاجزا أمام التعايش.

العبودية، الرق، القبلية، العنصرية… تتداخل الأسباب والرفضُ واحد.
عادات وتقاليد في الجنوب الشرقي للمغرب، تحظر منذ زمن بعيد وإلى اليوم الزواج مختلط اللون.
ربما تطورت العقليات، وأضحى الأمازيغي الأبيض يجاورُ الأمازيغي من البشرة الداكنة، يُصادقه ويُعاشره. لكن، حين يصل الأمر إلى الزواج، يعود التاريخ إلى الواجهة، بحمولات العادات والتقاليد والأعراف.

لا تزال بعض الأعراف المُجتمعية فارضة نفسها في عدد من المناطق المغربية، رغم ما عرفهُ المجتمع الإنساني من مظاهر التعايشُ مع الاختلاف بشتى أشكاله.

من تلك الأعراف، عدم المُصاهرة بين الأمازيغ ذوي البشرة البيضاء، والأمازيغ داكني البشرة.

في هذه القضية، يقف التاريخ حاجزا تُجاه أي تمرد عن العُرف، وإن حدثت تغييرات على مستوى التعايش والتجاور جنبا إلى جنب، إلا أن هذا ينتفي أمام مُجرد التفكير في المصاهرة، لتطفو القبلية إلى السطح.

عُرف قبلي؟

قضية المُصاهرة هاته، تستمدُ أسبابها من التاريخ، لكن تختلف الرؤى بين من يُرجعها إلى الموروث التاريخي المرتبط بالقبلية والانتماء، وبين من يرى فيها عنْصرية مقيتة أفرزها ماضي الرق والعبودية.

فاطمة بن عبو، أربعينية تنتمي لقبيلة آيت مرغاد، صرحت لمرايانا: “بحكم أنني ترعرت وعشت وسط الأمازيغ داكني السمراء، فإنه لا يوجد أي شكل من أشكال العداوة أو العنصرية، وإنما قديما كان كل شخص يتزوج حسب الانتماء القبلي والعرقي”.

تضيف فاطمة: “لا يرتبط الأمر بالأسود أو الأبيض، بل بعرف وتقاليد القبيلة، حتى أن الأمازيغ ذوي البشرة السمراء، يدركون هذه المسألة ويتعاملون معها، بحجة أنهم لا يطرقون باب أمازيغية بيضاء من أجل التصاهر والزواج”.

هذا العرف مازال ممتدا في قبيلة فاطمة، وتؤكد على أن مجرد التفكير في التمرد، يخلق صراعا داخل العائلة، ويكون الرفض الحل الوحيد، نظرا لسلطة الأب والأم.

نفس الرؤية يؤكدها يوسف مولودة، شاب ثلاثيني من الأمازيغ ذوي البشرة السمراء. قضية المصاهرة بين العرقين، تتعلق أساسا بالعُرف القبلي.

هذا العرف، حسب يوسف مولودة، لا يقتصر فقط على البيض والسُّمر، بل تجدُ الامازيغ البيض أنفسهم لا يتصاهرون إلا من نفس العِرق.

يضيف يوسف في تصريحه لمرايانا: “مثلا، تجدُ أن آيت عطا لا يتصاهرون مع آيت صغورشن، وآيت خباش لا يتصاهرون مع آيت مرغاد، وهكذا… ونفس الأمر ينطبق أيضا على أمازيغ البشرة السمراء، هم أيضا لا يتصاهرون فيما بينهم إذا اختلفت القبيلة. وبذلك فكل شيء مرتبط بالانتماء“.

عقدة اللون؟

في سياق آخر، يرى حسن دادة، شاب في الثلاثينات من عمره، ومن الأمازيغ ذوي البشرة السمراء، أن هذه الزيجات الممنوعة تنهلُ من موروث تاريخي بُني على عُقدة اللون.

ينطلق حسن دادة، من المصطلحات المُتعامل بها تجاههم، قديما وحديثا، ليبين أن عقدة اللون لا تزال مستمرة بالرغم من التحولات المجتمعية.

يقول حسن في تصريحه لمرايانا: “إلى حدود اللحظة، مازال يُطلق علينا “إسمخان”؛ أي العبيد، رغم انتهاء العبودية منذ زمن بعيد.

من المصطلحات التي توظف أيضا؛ “أبخوش”، نسبة إلى حشرة صغيرة سوداء يطلق عليها (البخوشة)، للتعبير عن القبح والبشاعة. هذا يؤثر سلبا على مسألة الزواج من الأمازيغ أو الأمازيغيات ذوات البشرة البيضاء”.

تاريخيا، حسب حسن دادة، كان الأمازيغ ذوي البشرة الداكنة عبيدا لدى الأمازيغ البيض. لذلك، فنظرة العبد ما زالت قائمة. لا يقبل الأمازيغي (الحر) أن يزوج ابنته لـ “عبد”. يتسرب التاريخ لعقول بناتهم وأبنائهم أيضا، مما يجعل أي قناة للتواصل مع الأب أو الأم مغلقة، ما دامت الابنة أو الابن يتبنيان بدورهما هذا الرفض.

يشير حسن إلى نقطة أخرى: “تصور أنه، وإن كانت الزوجة من الرُّحل أو الطبقة الفقيرة، فإنها تفضل الزواج من أمازيغي من نفس وضعيتها على أن ترتمي في أحضان أمازيغي أسود، وإن كان وضعه ميسرا”.

سألنا حسن: هل من الممكن أن تتزوج أمازيغية من البشرة البيضاء رغم هذه الاكراهات؟

يجيب حسن دادة: “لا أرفض ذلك مطلقا، لكن لا يقتصر على موافقتي من عدمها… قد أتزوجها، لكن حاجز اللون سيظل قائما، سأكون بالنسبة لها مجرد اختيار ثان، أو كما يقولون بالعامية: دارت فيك خير منين قبلات عليك”.

هذا الرفض تتعدد أسبابه حسب لحسن تاوشيخت، أستاذ التارخ في جامعة محمد الخامس، إذ يقول في تصريح خص به مرايانا: “المعروف تاريخيا أن الأمازيغ السود كانوا عبيدا للأمازيغ الأحرار (البيض)، والأكثر من ذلك أن العبيد كانوا يلقَّبون بنفس أسماء أسيادهم. بالتالي، عرفيا، وربما حتى شرعيا، لا يسمح للعبد أن يتزوج من بنات سيده. والأبيض لا يتزوج كذلك بنات عبده كما لا يزال السود يعتبرون البيض سيدا وينطقونها فعليا “سيدي” للرجل، و“لالة” بالنسبة للمرأة”.

 

استثناءات… ولكن

من النادر جدا، أن تُشاهد زوجين أمازيغيين من مناطق الجنوب الشرقي، أحدهما أسمر البشرة والثاني أبيض. وإن حدث ذلك، فإن الزواج لن يسلم من المنغصات.

تطفو أحيانا استثناءات، ويتمرد البعض على القبيلة والعادات، لكن على مضض.

وليد يعقوبي، شاب عشريني يقيم في حي مختلط، يصرح لمرايانا: “بحكم أن الحي الذي أقطن به يعرف تعايشا بين الأمازيغ من بشرة مختلفة، فقد ظهرت بعض الاستثناءات فيما يخص الزواج، إلا أنه يُنظر للزوج غالبا باحتقار وازدراء من طرف عائلة الزوجة خصوصا”.

يضيف وليد: “شخصيا، أعرف صديقا متزوجا من أمازيغية بيضاء. لكن، يتدخل عم الزوجة في كل تفاصيل حياتهما، محاولا بكل جهد أن يفكك وينهي هذا الزواج، ولو عن طريق افتعال المشاكل بين الزوجين”.

يسرد حسن دادة رواية أخرى ضمن نفس السياق، تتعلق بصديق له برتبة قائد في الجيش المغربي، وضعُه المادي والاعتباري جيد. لكن الزوجة تعامله بدونية، لا تمنحُه أي قيمة، خصوصا فيما يرتبط بالسلوكات والتعامل.

مثلا، حينما يكونان ضيفان في إحدى المناسبات، تخجل من السير معه، فتتفرق السبل. وصل الأمر حد أنها ترفض مطلقا الذهاب إلى والديه، حتى من أجل الزيارة، فلم يجد حلا سوى الطلاق، مُدركا أن زواجها به كان مبنيا على منفعة مادية فقط.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *