أيقونات الإسلام السياسي: ادريس الكنبوري 4 - Marayana - مرايانا
×
×

أيقونات الإسلام السياسي: ادريس الكنبوري 4\4

سقطات ادريس الكنبوري لا تكاد تحصى… لكن ما يعنينا من هذه السلسلة، ليس أبدا تقصد الأشخاص، بله تسليط الضوء على المنطق المهترئ للإسلاميين، وتبيان عجزهم الفاضح عن مجاراة النقاشات الدائرة اليوم، في الواقع وعلى وسائط التواصل الاجتماعي، بما يستلزمه الحوار الجدي من موضوعية وتجرد، ومن ربإ بالذات، عن وصم المخالفين بكل الأعطال التي تقيدهم هم، وتجعلهم عاجزين دوما عن تلمس اتجاه بوصلة التاريخ.

محمد امحاسني
محمد امحاسني

المثقف البسودو-أكاديمي، الذي لم يترك شاذة ولا فاذة إلا وأفتى فيها، بما ظاهره الدلائل العقلية المعتبرة، وباطنه المغالطات المنطقية من كل نوع، والتبريرات الهزيلة والمضحكة غالبا.

المثقف الذي يستميت في الدفاع عن بني جلدته، ظالمين أو مظلومين، حتى ولو أفضى ذلك إلى استغراب هؤلاء أنفسهم من ضحالة منطقه، وإلى لمز “الحاقدين”، وتساءلاتهم غير البريئة، عن طبيعة الشهادات التي يشهرها بمناسبة أو بدونها، التماسا لسلطة معرفية مفقودة.

ادريس الكنبوري، أو (علال الكنبوري)، واللقب هذا استحقه (والعهدة على الصحفي والحقوقي مصطفى الحسناوي) لسبب وجيه، سنفصل فيه لاخقا.

بخصوص مؤهلاته العلمية والأكاديمية، ووفق ما ذكره محمد التيجيني، الذي استضافه في إحدى حلقات برنامج  “ضيف الأولى”، فهو حاصل على الدكتوراه في علم مقارنة الأديان. وهو محلل سياسي ومفكر وكاتب وباحث في قضايا العنف والتطرف والفكر الإسلامي، وله كتب في نفس المنحى، فضلا عن بعض الروايات.

غير أن تصريف الرجل لقناعاته ومواقفه الفكرية على وسائط التواصل الاجتماعي، يجعل المتتبع في حيرة من أمره، لما في تلك المواقف من سطحية في التحليل ونزوع إلى الشخصنة والتحامل المجاني على مخالفيه، بل والكذب عليهم زورا وبهتانا. علما بأن التكوين الأكاديمي يفرض على المرء أن يتحلى ولو بالنزر اليسير من المصداقية والتجرد المنهجي، المفروضين في التعاطي مع الأشخاص والأحداث.

من بين هذه المواقف، دون حصر:

نظرية المؤامرة

في فيديو بعنوان: “مدونة الأسرة، آخر قلاع العلمانيين”، بتاريخ 16/04/2024، (والعنوان لوحده مثار تساؤلات عمن كانت له أصلا، قلاع، يتربص بها اليوم المتربصون)، أشار الدكتور إلى مشاكل “جوهرية”، تعتري نظرهم السديد في أمر المدونة. أطرفها:

أن أحمد عصيد مسخر لدى التيار العلماني، و”يضع لسانه في خدمتهم، وينطق بما أرادوه”. علاوة على كونه ومتابعيه، ينتظرون “حصتهم من غنيمة المنظمات الدولية”. ودليل ادعاءه… أنه “يعرف ما يقوله بالضبط”!

أن العلمانيين “مجموعة من الماركسيين واليساريين والقاعديين والملاحدة”، كانوا مع الاتحاد السوفييتي. وبعد سقوط الأخير، ذهب بعضهم للعلمانية، وذهب آخرون إلى الإلحاد.. وبعضهم تجرأ على المطالبة بترسيم الأمازيغية! ومنهم من ذهب للحركة النسائية، وأخيرا، من ذهب للسياسة بغرض دخول البرلمان، “باش يدبر على راسو”.

أن “المنظمات الدولية لا تمنح الأموال جزافا، بل لها أجندة وتوجهات، وتحرص على استهداف العالم العربي بها. لهذا، “يطعن العلمانيون في مقدسات الأمة، ويحرصون على علمنة المدونة وتجريدها من كل شرعية دينية… مما سيؤدي إلى نزع الشرعية عن المؤسسات الدينية في المغرب وعلى رأسها إمارة المؤمنين”.

“الرجل منهم ليست له امرأة في البيت، والعكس صحيح. (ويتدارك) ليسوا كلهم، لكن الفئة الأكبر”.

هل ألفى أحدكم شبح نقاش أو اقتراح، سواء تصريحا أو تلميحا؟ سوى سيل من العنف اللفظي، بل النهش في الأعراض والمغالطات الممجوجة، من قبيل التعميم العشوائي والشخصنة والتخوين؟

الترهيب العلماني في مدونة الأسرة

دفاعا عن خطيب مسجد آيت ملول الذي تعرض، حسب الكنبوري، لحملة شرسة، بسبب حديثه عن مدونة الأسرة، يقول:

ليس من حقي الدفاع عن الخطيب، “لأن هناك جهات موكول لها أمر الدفاع عنه” (ومع ذلك يدافع عنه!)

هذه الحملة تعكس نوعا من “التوحش والترهيب ضد من يعبر عن رأيه، صادرا عن شرذمة تريد أن تفرض الصمت على كل من لا يوافقها الرأي”. نسي الدكتور، مرة أخرى أن الأمر يتعلق بإمام وخطيب تابع لوزارة الأوقاف، أي الدولة، وقد عزلته لاحقا.

نحن أمام حالة “حرابة وقطاع للطرق يعترضون المواطنين” (كذا) ويحرضون الدولة عليهم. “هم وقحون، يهاجمون كل المقدسات والثوابت بدون وقار”.

سمعت “هاداك لُكع بن لُكع، البوق، يقول: حنا ناس ديال الحوار. أنا أقول له: أنتم أناس جبناء، عليكم أن تنظموا مناظرات مفتوحة أمام المواطنين، إذا كنتم تثقون فعلا في مشاريعكم وأفكاركم وقناعاتكم”.

للإشارة لُكع بن لُكع تعني اللئيم ابن اللئيم، أو رديء النسب والحسب، وقيل: من لا يعرف له أصل، أي الزنيم، ولا يحمد له خلق. كما تعني اللفظة أيضا: (العبد). والمقصود غالبا بالتسمية هو دائما أحمد عصيد.

أعفي القارئ من بقية المهاترات التي تطابق ما سبق رصده في الفقرة السابقة، وأشير فقط إلى أن الكنبوري، بسبب جبنه، هو وأمثاله، عن مواجهة المعنيين بسبابه (حيث دعاه بعضهم، منذ مدة، إلى مناظرة على الملإ)، يريد من هؤلاء أن يواجهوا العامة، الذين لا يفقهون من دينهم سوى الحقد الذي لقنهم شيوخه، تجاه كل ما هو حداثي.

دلائل النبوة

هنا، نأتي إلى أصل تسميته بعلال الكنبوري. فقد سبق وأشرت، في مقال سابق، إلى تورط الداعية السلفي ياسين العمري، في حوار هاتفي مع شاب، حول دلائل النبوة، أثبت فيه الداعية عجزه المدهش على الإتيان ولو بدليل واحد، يمكن أن يكون موضع اتفاق الجميع.

فكان أن استنفر مثقفنا الجهبذ، أعتى أسلحته السجالية، دفاعا عن صديقه. وكانت أجوبته على الشكل الآتي:

السيد ياسين العمري تحدث مع الشاب وهو يحسبه مسلما. بعد ذلك، فطن إلى أن الشاب ملحد محتال. (بمعنى آخر، إن للسيد العمري وأمثاله طريقتان في الحوار، وربما حقيقتان مختلفتان، باختلاف المحاور. فإن كان تابعا مغيبا، راهن الشيوخ على إيمانه العجائزي، وإن كان ملحدا شكاكا متنطعا، استعملوا معه الأساليب المعروفة، من تخوين وتنقيص وتهديد).

– السيد العمري كان، أثناء الحوار، يسوق سيارته. (عذر أقبح من زلة: فقد كان بإمكان الشيخ أن يعتذر ويؤجل النقاش إلى حين ميسرة).

“علميا، كيف نعرف أن رسول الله (ص) كان يتواصل مع الله؟ ليس هناك دليل”. أي والله! قالها بعظمة لسانه، ثم استدرك: “هناك دليل واحد. ماهو؟ هو الله سبحانه وتعالى، عبر القرآن. فإذن التوحيد هو الأصل. فإذا آمنت بالقرآن وبالوحدانية، فإنك تقول بأن النبي (ص) كان يتواصل مع الله”!

الجواب الأخير هو ما كلف الدكتور لقب “علال الكنبوري”، تشبيها لمنطقه في الكلام، بالطريقة التي كان “علال القادوس” يجيب بها محاوريه. إذ كيف يمكنك أن تقنع ملحدا، بأنه إن آمن بالوحدانية، فذلك بمثابة اعتراف بأن محمدا تواصل مع الله؟ وكيف ستقنع اليهودي أو المسيحي بأن توحيديته دليل على نبوة محمد؟

“السي العمري، حين لم يجد دليلا، فهذا في حد ذاته دليل!؟ دليل على أن الرجل يحترم نفسه. هذا دليل علمي قاطع”.

ألو دكتور.. نحن نبحث عن دليل على صحة النبوة، وليس عن مدى احترام العمري لنفسه.. إلا إذا كان احترام العمري لذاته، دليلا على صحة النبوة.

“الملحدون لم يتبق لهم إلا اللجوء لأسلوب السفهاء والزنادقة. المسلمون صاروا ملمين بالعلوم والفلسفات الحديثة. مثلا، طارق رمضان الذي”حرّك” أوربا كاملة. إلى أن تضايقوا منه وخلقوا له مشاكل، وحين برأه القضاء، سكتت الصحافة”.

الفقرة الأخيرة مجرد محاولة مكشوفة لتهريب موضوع النقاش، من عجز الإسلاميين جميعا على الإتيان بدليل واحد، واضح ومقبول من طرف الجميع، على نبوة محمد، إلى مهاترات لا صلة لها بالنقاش: مغالطة الرنجة الحمراء.

الحكاية لم تنته بعد..

سقوط الملحدين المغاربة.. هكذا وصلوا إلى القاع

بعد الضجة الكبرى التي أعقبت الفيديو، وخاصة من قبل أتباعه، عاد الكنبوري إلى الموضوع، في محاولة لتدارك أثر السقطة المدوية تلك.

كما هو منتظر، فقد اعتبر أن الملحدين حرفوا كلامه للنيل منه، وسجلوا المكالمة دون إذن من الشيخ، قبل أن يدعي بأن تلك الحلقة جاءت أصلا بغرض الترويح وبعث قليل من الفكاهة!

لكن الأطرف، دون شك، هو التأكيد بأن ما قصده من عبارة “عدم الدليل دليل في حد ذاته”، هو “أن السيد العمري حين قال إن ليس له دليل، فهذا دليل على شيء آخر، هو أن السيد العمري يحترم نفسه، لأنه لا يخوض فيما لا يعرف”. علما بأنه داعية.

لا بد أن القارئ تساءل عن سر عدم استخدام مغالطة “وأنت أيضا” المحببة إليهم. مهلا، فقد تساءل الكنبوري بالفعل: “لماذا يستهدف هؤلاء الإسلام فقط؟ أليس في اليهودية مشاكل؟ أليس في المسيحسة مشاكل؟ أليس في البوذية مشاكل”؟ مؤكدا بأنه سيخصص حلقات عن الأديان، باعتباره متخصصا. ويقيم مقارنة بين الإسلام وهذه الأديان.. “لنرى ما الأحسن”.

لنتذكر: فالرجل حاصل على درجة الدكتوراه في علم مقارنة الأديان! لكن، يبدو أن كل ما استوعبه من كلمة “مقارنة” هو أنها تشبه حلبة ملاكمة، لا بد أن يخرج منها أحد الأديان فائزا بالضربة القاضية!

سقطات ادريس الكنبوري لا تكاد تحصى… لكن ما يعنينا من هذه السلسلة، ليس أبدا تقصد الأشخاص، بله تسليط الضوء على المنطق المهترئ للإسلاميين، وتبيان عجزهم الفاضح عن مجاراة النقاشات الدائرة اليوم، في الواقع وعلى وسائط التواصل الاجتماعي، بما يستلزمه الحوار الجدي من موضوعية وتجرد، ومن ربإ بالذات، عن وصم المخالفين بكل الأعطال التي تقيدهم هم، وتجعلهم عاجزين دوما عن تلمس اتجاه بوصلة التاريخ.

 

. لقراءة الجزء الأول: محمد امحاسني: أيقونات الإسلام السياسي: مول الفوقية 1\4

. لقراءة الجزء الثاني: أيقونات الإسلام السياسي: ياسين العمري 2\4

. لقراءة الجزء الثالث: أيقونات الإسلام السياسي: الحسن الكتاني 3\4

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *