اليهود العرب والنكبة النفسية في إسرائيل: الاضطهاد في أرض الميعاد - Marayana - مرايانا
×
×

اليهود العرب والنكبة النفسية في إسرائيل: الاضطهاد في أرض الميعاد

الحلم بوطن قومي، يجمع في كنفه كل يهود العالم، لم تكن لتتأتى في أجواء يسودها التوتر والازدراء الواضح الذي أبداه اليهود الاشكناز (الأوروبيون) تجاه اليهود العرب، حيث انتهجوا سلوكا متعاليا يميل إلى رؤية الثقافة العربية من منظور العنف والدونية، وبالتالي ازدراءهم لكل يهودي عربي واعتباره متخلفا وغير حضاري.
انعكست هذه النظرة الدونية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي عاشها اليهود العرب، الذين انهارت بشكل واضح أعمالهم التجارية، وفقدوا مكانتهم ورفعتهم التي ميزتهم في البلاد العربية، وتعرضوا لنكبة نفسية قوية غدّاها جهلهم باللغة والطبقية والعنصرية وصعوبة الاندماج.

يدهش الأجيال الشابة أن يكون في أحد أحياء مدنها العربية، حي يسمى “بالحي اليهودي” أو “الملاح” بالنسبة للمغاربة… فما كان مصير ساكنة هذا الحي؟

وإذا افترضنا أن اليهودي هو فقط امتداد للصهيوني، فكيف سمحنا أصلا أن يعيش معنا وأن يتربى في كنف أجوائنا وطقوسنا؟

يعود التواجد اليهودي الأول ببلاد المغرب إلى عام 586 قبل الميلاد، أي بعد ما يعرف بتدمير الهيكل الأول… وثم إثبات ذلك عن طريق بعض المصادر الأثرية، التي تؤكد تعايش هؤلاء كأول مجموعة غير أمازيغية تستوطن الأراضي المغربية مع أمازيغ المنطقة. تميزت هذه الطائفة بشبهها الكبير بأمازيغ المغرب في نمط العيش ولغة التواصل والعادات والتقاليد. الاختلاف كان قائما فقط في ممارسة الطقوس والشعائر الدينية.

التأريخ المغربي للتواجد اليهودي بالمغرب وتأثيره في الثقافة والتراث الروحي، يعود إلى نهاية القرن الخامس عشر، جراء حملة التهجير الواسعة من إسبانيا، عبر البحر الأبيض المتوسط، نتيجة بسط السلطة المسيحية هيمنتها على شبه الجزيرة الإيبيرية، وبدأ عملية التنكيل بالمسلمين واليهود، من خلال تشديد الرقابة والتنصير الإجباري ومنع الختان الذي كان طقسا ضمن الطقوس اليهودية، ومنع زواج اليهود من المسيحيين…

رغم إعلان المسيحية دينا من لدن بعض اليهود، إلا أن هذا كان ظاهريا فقط، بينما مارس اليهود والمسلمون شعائرهم سرا، مما دفع السلطة إلى طردهم خارج الحدود.

غادر “السفارديم”[1] الأندلس دون أي ممتلكات مادية، لكنهم حملوا تراثا خصبا في مجالات الشعر والفلسفة والعلوم والغناء، إضافة إلى حركة اقتصادية مزدهرة رافقتها دينامية كبرى على مستوى الإنتاج الغنائي الأندلسي.

طور هؤلاء أيضا ثقافتهم الخاصة ونمط حياتهم ولغتهم اليهودية-الإسبانية، وتقاليد الموسيقى الكلاسيكية الأندلسية، كما حافظوا على القصائد الرومانسية التي تعتبر الشكل الأكثر شعبية بالثقافة  الإسبانية، ولم يبقوا حبيسي أحياء “الملاح” بل تنقلوا خارجها، وتمتعوا بحرية الإقامة أينما شاؤوا، وأقاموا احتفالاتهم الدينية الخاصة في أجواء يسودها التسامح، وتفاعلوا مع تغيرات المجتمع المغربي، وتمتعوا في لحظة فارقة كان العالم كله يعيش فيها تصاعد المد النازي والفاشي، بالحماية الشخصية للملك محمد الخامس ومن بعده الحسن الثاني، واعتبروا دائما مواطنين من الدرجة الأولى، وأقر المجتمع أنهم “مغاربة يهود” وليسوا “يهودا مغاربة”، لأنهم مغاربة أولا ثم معتنقون لليهودية ثانيا، وهو ما يترجمه تشبثهم بهويتهم وأصولهم المغربية حتى بعد هجرتهم إلى إسرائيل.

النزوح العربي اليهودي لإسرائيل وسمات التقهقر

استغلت الحركة الصهيونية تخبط الأنظمة العربية وهزائمها المتتالية، خاصة في سياق ظروف النكبة الفلسطينية عام 1948، التي رافقها حنق كبير على اليهود في سائر المجتمعات العربية.

وقد سبق للروائي اليهودي سامي ميخائيل أن اعتبر أن كل يهودي قدم إلى إسرائيل هو بمثابة لاجئ، وقليلون هم من جاؤوا بدافع المحبة، فيهود البلاد العربية لم يتجاوبوا مع تطلعات الحركة الصهيونية، إلا في ظروف قاسية فرضتها سياقات الحرب وتشتت القرار العربي.

بعد إعلان إنشاء “دولة إسرائيل”، اتخذت السلطات العربية مجموعة من الإجراءات التي سرعت بهجرة اليهود، فـ”الجهل العربي” الذي لم يميز وقتها بين اليهودي والصهيوني، حذا بالسلطات إلى طرد كثيرين من أعمالهم، والحجز على ممتلكاتهم، وإحراق دورهم، وإعدام بعضهم حرقا في منازلهم. عدد الموتى اليهود في العراق، مثلا، جراء أعمال الشغب، قدر بمئة يهودي وألف جريح إضافة إلى 900 بيت مدمر في بغداد. لم تختلف إجراءات التهجير في العراق عن نظيرتها في سوريا، التي فرضت ضغوطا كبيرة على اليهود، وكذا اليمن، التي كانت تضم أكبر وأقدم جالية يهودية في العالم العربي، والجزائر التي عاشوا فيها بسلام لوقت طويل حتى في خضم فترة الاحتلال الفرنسي، والمغرب الذي تمتعوا فيه بالسلم والتسامح والحماية.

لم يكن الفلسطينيون الضحايا الوحيدون للحركة الصهيونية، بل كان اليهود القادمون من الدول العربية من ضحاياها أيضا، فالتطلعات إلى وطن قومي، يجمع في كنفه يهود العالم في أمن ووئام، لم تكن لتتأتى في أجواء يسودها التوتر والازدراء الواضح الذي أبداه اليهود الاشكناز (اليهود القادمون من الدول الأوروبية) تجاه اليهود المزراحيين (يهود الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، حيث انتهجوا سلوكا متعاليا يميل إلى رؤية الثقافة العربية من منظور العنف والدونية، وبالتالي ازدراءهم لكل يهودي عربي واعتباره متخلفا وغير حضاري.

انعكست هذه النظرة الدونية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لليهود العرب، الذين انهارت بشكل واضح أعمالهم التجارية، وفقدوا مكانتهم ورفعتهم التي ميزتهم في البلاد العربية، وتعرضوا لنكبة نفسية قوية غدّاها جهلهم باللغة والطبقية والعنصرية وصعوبة الاندماج.

في المقابل، عمدت إسرائيل إلى طمس هويتهم العربية، بدءا بلغة التواصل، إذ اعتبرت اللغة العربية لغة رجعية وضربا من ضروب الجهل، ومنعت التواصل بها لأنها “لغة العدو”، كما ثم تحقير عادات وتقاليد المجتمع اليهودي العربي، وتصنيفها ضمن الطقوس المتخلفة.

لم يكن اليهود العرب ضمن تطلعات الحركة الصهيونية، غداة تشكلها في الأوساط الأوروبية، إلا بعد اصطدامها بحقيقة أن تفوقها السكاني على “العدو” لن يتأتى فقط من خلال يهود أوروبا؛ فعمدت إلى استدراج اليهود العرب، الذين لم يستجب أغلبهم في البداية، إلا بعد السياقات المضطهدة المذكورة آنفا.

يقول أمين الكوهن، الباحث المغربي المتخصص في تاريخ ونشأة اليهود بالمغرب، في تصريح خاص لـ”مرايانا” إن “الدعاية الصهيونية لتهجير اليهود المغاربة كان لها وقع قوي على هؤلاء، إذ جرى استغلال الوازع الديني، الذي طالما حلم من خلاله اليهود بأرض الميعاد المقدسة، إضافة إلى الإغراءات المادية التي استهدفت بشكل مباشر اليهود الفقراء، كما تم نقل الأسر عبر دفعات، بدءا بالأبناء، والتعهد بتدريسهم وضمان مستقبل آمن لهم، فيما يبقى الآباء في حالة انتظار حتى يحين دور تهجيرهم للحاق بأبنائهم”.

أمين الكوهن شدد التأكيد على أن أغلب اليهود الذين تم تهجيرهم من المغرب، كانوا ينتمون للطبقة الفقيرة، التي تزاول في الغالب المهن الحرفية البسيطة. وأضاف ذات المتحدث أنه، بعد نجاح عمليات تهجير اليهود المغاربة، لم يرق واقع الحال في إسرائيل إلى تطلعاتهم، مفسرا ذلك بالطبقية والعنصرية التي تعرضوا لها من لدن اليهود الأشكناز، الذين تربعوا وحدهم وقتها على عرش السلطة، وأمسكوا بدفة الحكم، وبالتالي التحكم في اليهود المغاربيين والمشارقة، الذين اعتبروا مواطنين من الدرجة الثانية.

أمين الكوهن، في تصريحه لــ “مرايانا”، يعتبر أن “اليهود المغاربة، فور وصولهم إلى إسرائيل، عهد لهم القيام بأعمال الفلاحة، في ظروف لا تتوفر على الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، الشيء الذي صعب عملية اندماجهم في المجتمع، خاصة وأنهم لا يتقنون كذلك اللغة العبرية، بالنظر إلى المستويات التعليمية المتواضعة جدا عند بعضهم، والمنعدمة أساسا عند البعض الآخر… وأضاف أمين الكوهن، أن اليهود المغاربة، كغيرهم من يهود المنطقة العربية، كانت هجرتهم في البداية إلى إسرائيل صعبة و شبه مرفوضة، لكن رغبة إسرائيل اللاحقة في تحقيق عنصر التفوق السكاني، هي التي حذت بها إلى السعي في طلبهم.

أمام الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتردية التي عاشها اليهود العرب، والمغاربة خاصة، قامت -كما أكد أمين الكوهن- مجموعة من الحركات الاحتجاجية عام 1959، رفع فيها المغاربة في قلب إسرائيل صور محمد الخامس، مطالبين السلطات الإسرائيلية بإرجاعهم إلى المغرب.

 

[1] اليهود السفارديم (سفرديم) هم اليهود الذين تعود أصولهم الأولى ليهود أيبيريا (إسبانيا و‌البرتغال)، والذين طردوا منها في القرن الخامس عشر، وتفرقوا في شمال أفريقيا وآسيا الصغرى والشام.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *