قانون العقوبات البديلة: بدائل عن العقوبات السالبة للحرية - Marayana - مرايانا
×
×

قانون العقوبات البديلة: بدائل عن العقوبات السالبة للحرية

يهدف قانون العقوبات البديلة إلى تقديم بدائل للعقوبات السالبة للحرية في بعض الجنح، وذلك من أجل الحد من استخدام السجن كآلية للردع، وتعزيز فرص إعادة إدماج المحكوم عليهم في المجتمع.
قانون يعتبره أغلب المهتمين بالمجال الحقوقي والقانوني خطوة بارزة نحو إصلاح المنظومة الجنائية بالمغرب، مما يعكس تحولا نحو نظام للعدالة أكثر مرونة وإنسانية.

بعدما تمت مناقشته في البرلمان بغرفتيه والمصادقة عليه، دخل القانون رقم 43.22، المتعلق بالعقوبات البديلة، حيز التنفيذ، بعد نشره في الجريدة الرسمية يوم 22 غشت 2024 في عددها الأخير 7328.

العقوبات البديلة التي يشملها هذا القانون، هي العقوبات التي يحكَم بها بديلا للعقوبات السالبة للحرية، في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجلها، خمس سنوات حبسا نافذا.

وفق الفصل 2-35، فإن العقوبات البديلة تم تحديدها في العمل لأجل المنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية، وتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، إلى جانب الغرامة اليومية.

ونص الفصل 3-35 على أنه لا يُحكم بالعقوبات البديلة في الجنح المتعلقة بجرائم أمن الدولة؛ الاختلاس أو الغدر أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو تبديد الأموال العمومية، وكذلك ما يتعلق بغسل الأموال والجرائم العسكرية، إضافة إلى جرائم الاتجار الدولي في المخدرات، الاتجار في المؤثرات العقلية، الاتجار في الأعضاء البشرية؛ الاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة.

قفزة حقوقية نوعية…

في تصريح لــ “مرايانا”، أكد المحامي والحقوقي رشيد بكار، أن قانون العقوبات البديلة يشكل تطورا نوعيا في منطق التشريع المغربي، خاصة الشريع الجنائي، في انتظار الوصول إلى عدالة تفاوضية بدل نظام التقاضي في المغرب، الذي هو نظام اتهامي.

يضيف المتحدث: “في ظل هذا النظام الاتهامي، لأول مرة ينطلق المشرع المغربي من أن الفعل الجُرمي قد يكون خطأ وليس فعلا مقصودا، وأنه لا منفعة في سجن المستفيدين من قانون العقوبات البديلة، وبالتالي يجب تمتيعهم بهذه الضمانة القانونية وفق اختيارات متعددة”.

من جانبه، يرى رشيد لرزق، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أن فلسفة العقاب ينبغي أن تكون الردع وليس الانتقام من الشخص الذي يجرم في حق المجتمع.

وأضاف المتحدث في تصريح خص به مرايانا، أن العقوبات السالبة للحرية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحبس، أظهرت محدوديتها في توفير عامل الإصلاح والإدماج داخل المجتمع، وهو الغاية من فرض العقوبة. بالتالي، فإن العقوبات البديلة، خاصة في حالة الجنح، قد تمنحُ مفعولا قويا، إذا تم النظر إلى الشخص الذي قام بالجريمة وفق منظور اجتماعي ونفسي للوصول إلى إدماج هذا الشخص، وتكون العقوبة وسيلة ردع تمنعه من معاودة ارتكاب الجريمة.

عقوبات من أجل التأهيل

في مقال لها، أكدت تغريد جبر، المديرة الإقليمية للمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن تعزيز اللجوء إلى العقوبات البديلة ليس هدفه تعطيل العقوبات السالبة للحرية، بل هي عقوبات ذات بعد اجتماعي تأهيلي تربوي.

تغريد جبر أضافت أن النهج الجديد في العقوبات البديلة، فتح المجال لإعادة إصلاح وتأهيل الأشخاص الذين يقعون في نزاع مع القانون ويبدون موافقة على التصالح مع المجتمع.

نفس الأمر يؤكده المحامي والحقوقي حاتم بكار، حيث يرى أن فلسفة القانون ينسجم مع منطق التأهيل.

يضيف حاتم بكار: “يمَكن هذا القانون من تجنب العقوبة السالبة للحرية، باعتبار مسألة سلب الحرية ليست هينة، مع الأثر النفسي الذي تخلفه العقوبة، والتأثير على وضعية المُعاقب. فمثلا، يمكن لموظف أن يقع في فعل جرمي خطأ، وبذلك تصبح العقوبة السالبة سببا في فقدانه للشغل.

لذلك، يراعي القانون استقرار الأوضاع الاجتماعية لمرتكبي الأفعال الجُرمية المستفدين من القانون، وتحسيسهم بخطورة الأفعال وخطرها على المجتمع، وبالتالي تمكينهم من التأهيل لتفادي إعادة ارتكاب هذه الأخطاء مستقبلا، مع استحضار المعطى الأساسي، أي التأطير والتأديب وليس العقاب”.

إشارة أخرى يطرحها حاتم بكار فيما يخص التخفيف من الاكتظاظ في السجون، حيث يشير إلى أن أزيد من 100 ألف سجين في المغرب، مما يعني أكثر من 60% من السجناء، متابعون في حالة اعتقال احتياطي، أي أنهم لم يحاكموا بعد. لذلك، يجب النظر في ترشيد الاعتقال الاحتياطي وضبطه، إضافة إلى أن هذه القضايا ستطبق على القضايا المقبلة، ولن تؤثر على الرقم الحالي.

شروط  التفعيل

طبقا للفصل 4-35، فإن الحكم بعقوبة بديلة أو أكثر بعد الحكم بالعقوبة الحبسية، يتم عن طريق استبدالها من طرف المحكمة تلقائيا أو بناء على ملتمس النيابة العامة، أو طلب المحكوم عليه أو دفاعه، أو النائب الشرعي للحدث، أو مدير المؤسسة السجنية أو من يعنيه الأمر.

فيما يخص العمل من أجل المنفعة العامة، يمكن للمحكة، وفق الفصل 5-35، أن تحكم بعقوبة العمل بديلا للعقوبة السالبة للحرية، إذا كان المحكوم عليه بالغا من العمر 15 سنة على الأقل في تاريخ صدور الحكم، وسيكون هذا العمل غير مؤدى عنه، حيث ينجز لمدة تتراوح بين 40 ساعة و3600 ساعة لفائدة مصالح الدولة، أو الجماعات الترابية، أو مؤسسات أو هيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة أو المؤسسات العمومية…

وفيما يتعلق يتقييد بعض الحقوق، أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، فإن هذه العقوبات تروم اختبار مدى استعداد المحكوم عليه لتقويم سلوكه واستجابته لإعادة الإدماج.

من هذه العقوبات، كما جاء في الفصل 12-35، مزاولة المحكم عليه نشاطا مهنيا محددا، أو تتبعه دراسة أو تأهيلا مهنيا محددا، إقامة المحكوم عليه بمكان محدد والتزامه بعدم مغادرته، أو بعدم مغادرته في أوقات معينة، أو منعه من ارتياد أماكن معينة، أو من عدم ارتيادها في أوقات معينة؛ وتشمل، كذلك، فرض رقابة يُلزم المحكوم بموجبها بالتقدم في مواعيد محددة، إما للمؤسسة السجنية أو لمقر الشرطة أو للدرك الملكي، أو أمام مكتب المساعدة الاجتماعية بالمحكمة، أو خضوعه لعلاج نفسي أو علاج ضد الإدمان.

بخصوص عقوبة الغرامة اليومية، فقد حدد القانون، حسب مضامين الفصل 14-35، أنه يمكن للمحكمة أن تحكم بميلغ مالي تحدده عن كل يوم من المدة الحبسية المحكوم بها، كما يمكن الحكم بها على الأحداث في حالة موافقة وليهم أو من يمثلهم.

لا يمكن الحكم بعقوبة الغرامة اليومية إلا بعد الإدلاء بما يفيد وجود صلح أو تنازل صادر عن الضحية أو ذويه، أو قيام المحكوم عليه بتعويض أو إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة.

وحدد الفصل 15-35 مبلغ الغرامة اليومية بين 100 و2000 درهم عن كل يوم من العقوبة الحبسية المحكوم بها.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *