ترشيد الاعتقال الاحتياطي ومنع رقابة الجمعيات على المال العام: هذه أهم مستجدات قانون المسطرة الجنائية الجديد
بعدما تم سحبهُ من المجلس الحكومي خلال ولاية سعد الدين العثماني من طرف محمد أوجار، وزير العدل حينها، تم الإفراج أخيرا عن مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد، الذي يُنتظر عرضه أمام مجلس النواب، والذي مس ما يزيد عن 421 مادة .
مشروع القانون جاء بمجموعة من المستجدات الرئيسية التي تهم تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وتحديث آليات العدالة الجنائية وضمان نجاعتها. لكنه، في المقابل، خلق جدلا واسعا فيما يتعلق ببعض من مواده، نتوقف في هذا المقال مع واحدة منها، والمتعلقة بمنع الجمعيات من مراقبة المال العام.
صادق المجلس الحكومي يوم الخميس 26 غشت 2024 على مشروع قانون 03.23 بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23 الذي أعدته وزارة العدل.
حسب المذكرة التقديمية، فإن المراجعة الشاملة لقانون المسطرة مست معظم مواده، ما يزيد عن 421 مادة، تضمنت مجموعة من المستجدات المهمة.
نحو تحديث المنظومة القانونية
جاء في بلاغ لوزارة العدل أن مشروع القانون الجديد يعتبر أحد أهم المشاريع التشريعية التي أطلقتها وزارة العدل، حيث يمثل المحرك الأساسي لمنظومة العدالة الجنائية.
وأضاف نص البلاغ: “هذا المشروع سيساهم في تحقيق الأمن القانون والقضائي، ويظل شاهدا على الالتزام بتعزيز سيادة القانون وحماية المكتسبات الديمقراطية، والانخراط الإيجابي في العديد من الاتفاقيات الدولية”.
يرى رشيد لبكر، أستاذ القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – جامعة شعيب الدكالي بالجديدة، في تصريحه لمرايانا أنه، من حيث المبدأ، فإن تعديل قانون المسطرة الجنائية من المطالب التي كان يطالب بها الحقوقيون بالمغرب، وكل المشتغلين في مهنة العدالة، وحتى المتقاضين.
يضيف المتحدث: “هذا يتجاوب مع دستور 2011، وخطابات صاحب الجلالة الذي كان يحث دائما على إتمام خطة إصلاح منظومة العدالة برمتها”.
مصادقة مجلس الحكومة على هذا المشروع، حسب رشيد لبكر، خطوة مهمة تبين إرادة حقيقية لإصلاح المنظومة ورفع الفيتو على بعض القوانين التي كانت مُحتجزة، وطرحها للنقاش.
أنسنة ظروف الاعتقال
في إطار أنسنة تدبير الحراسة النظرية بادر المشروعُ إلى العمل على ترشيد وتضييق حالات اللجوء إلى هذا التدبير.
نص المشروع على أن تدبير الحراسة النظرية يظل استثنائيا، ولا يمكن اللجوء إليه إلا إذا تعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس، وتبين أنه ضروري لواحد أو أكثر من الأسباب المنصوص عليها في المشروع؛ كالحفاظ على الأدلة والحيلولة دون تغيير معالم الجريمة.
من جهة أخرى، نص المشروع على مجموعة من الإجراءات؛ أهمها إحداث آلية التسجيل السمعي البصري، والتي سيتم تفعيلها أثناء قراءة تصريحات المشتبه فيه المضمنة في المحضر ولحظة توقيعه أو بصمه عليه أو رفضه، وإعمالها في الجنايات والجنح المعاقب عليها بأكثر من 5 سنوات.
يستهدفُ المشروع وضع ضوابط قانونية للاعتقال الاحتياطي من أجل عقلنة وترشيد اللجوء إليه.
استحدث المشروع تدابير تفيد ضرورة توفر أحد الأسباب المحددة قانونا من أجل اتخاذ النيابة العامة لقرار الاعتقال الاحتياطي: (اعتراف المشتبه فيه بالأفعال المكونة لجريمة يعاقب عليها بالحبس أو ظهور أدلة قوية على ارتكاب الجريمة…)، كما نص على حق الطعن في أوامر الاعتقال الصادرة عن النيابة العامة، وعدم جواز لجوء قاضي التحقيق إلى الاعتقال الاحتياطي كتدبير استثنائي.
تعليقا على هذه الإجراءات، أكد المختار أعمرة السباعي، أستاذ القانون الجنائي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، في تصريحه لمرايانا، على أن ترشيد اللجوء إلى تدبير الحراسة النظرية يتماشى مع البراءة كأصل، ويسمح بإعمال رقابة على استعماله، بدل تركه خاضعا أحيانا لمزاجية مصدره حتى لو كانت حالات منفردة ونادرة.
من جهة أخرى، سجل المتحدث أن هذه الإجراءات قد تكون لها نتائج عكسية سلبية، خاصة على نفسية الضحية المجني عليه، بل قد تكون سببا في تكوين قناعة بعدم فعالية اللجوء للعدالة، خصوصا لدى فئات ذوات الوعي القانون الضعيف أو المنعدم.
في نفس الوقت، يرى المختار أعمرة أن ترشيد الاعتقال الاحتياطي سيساهم في تحديث المنظومة القانونية الوطنية، خصوصا أن اتخاذ مفهوم الزجر والترهيب للمتهمين أفرز أرقاما مهولة في أعداد المعتقلين الاحتياطيين، حيث تشكل أكثر من نصف نزلاء المؤسسات السجينة.
فيما يخص إحداث آلية التسجيل السمعي البصري لتوثيق إجراءات الحراسة النظرية، أكد المختار أعمرة أن هذا الإجراء يعد موفقا وينهي كل محاولة للتلاعب أو التحايل على القانون وثغراته من جهة، أو تقصير من جهة التحقيق أو التعسف من جهة ثانية.
التواصل مع الرأي العام
نص مشروع المسطرة الجنائية الجديدة، على تخويل النيابة العامة صلاحيات تتعلق بالتواصل مع الرأي العام.
أتاح المشروع إمكانية إطلاع الرأي العام على مستجدات القضايا المطروحة من طرف النيابة العامة، دون تقييم الاتهامات الموجهة إلى الأشخاص المشتبه فيهم والمتهمين.
من جانب آخر، يمكن للنيابة العامة أن تأذن للشرطة القضائية بنشر بلاغات حول القضايا المسجلة، دون الكشف عن هويات المشتبه فيهم أو المساس بحياتهم الخاصة.
في هذا الجانب، أكد المختار أعمرة أن المغرب عرف طفرة إعلامية كبيرة، ساهمت إلى حد كبير في الترويج لأكاذيب تمس مؤسسة التحقيق والعدالة.
أعمرة أضاف أن هذا الإجراء الجديد سيُنهي مظاهر انتشار ثقافة الشائعات المُغرضة، التي تهدف إلى تحقيق نسب مشاهدات أو نشر مظاهر التقليد الأعمى للبلطجة والانحلال الأخلاقي.
منحُ ممثل النيابة العامة هذا الحق سيسد، حسب المتحدث، الباب نهائيا على هذه التجارة النشاز.
المادة 3: تقويض للدستور
خلقت المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية جدلا واسعا لدى الجمعيات النشطة في مجال حماية المال العام.
تضمت هذه المادة إجراءات جديدة تمنعُ الجمعيات والأشخاص من وضع شكايات أمام القضاء فيما يتعلق بنهب المال العام.
وزير العدل عبد اللطيف وهبي، عبر في أكثر من مناسبة عن رفضه قيام جمعيات حماية المال العام وضعَ شكايات ضد الشخصيات والمنتخبين أمام النيابة العامة، مبررا ذلك باستغلال هذه الجمعيات التوظيف السيء لهذه الشكايات في تصفية حسابات سياسية.
حددت المادة 3 من مشروع القانون، الجهات المخول لها تحريك الدعاوى المتصلة بالمال العام. ونصت على أنه لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك.
محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، وصف التعديلات هنا، بالاعتداء الخطير على دور جمعيات المجتمع المدني في المراقبة والبناء الديمقراطي.
في تصريح خص به مرايانا، اعتبر محمد الغلوسي هذه المادة تقويضا للدستور ولاتفاقية الأمم المتحدة التي صادق عليها المغرب، مؤكدا على أن هذه المادة تترجم الإرادة الواضحة للتوجه المستفيد من الإثراء غير المشروع وواقع الفساد والريع واستغلال مواقع المسؤولية العمومية.
المتحدث أضاف أن واضعي هذه المادة يستهدفون تجريد المجتمع، أفرادا وجماعات، من كل الأدوات والإمكانيات القانونية والمسطرية والحقوقية للتصدي للفساد ولصوص المال العام والمطالبة بربط المسؤولية بالمحاسبة.