الألعاب الأولمبية… من موعد للسلام إلى حرب من أجل الميداليات
الألعاب الأولمبية، أكبر تظاهرة رياضية دولية، يُشارك خلالها أزيد من 10 آلاف رياضي ورياضية، يمثلون أكثر من 202 بلدا، يتنافسون في أزيد من 30 مسابقة رياضية.
نسخة باريس 2024، هي النسخة 126 للأولمبياد في صيغتها الحديثة، والتي انطلقت سنة 1896 بأثينا. لكن، للأولمبياد تاريخ عميق، وظروف نشأة تداخل فيها العقائدي بالسلمي.
… في مدينة أوليمبيا، أقصى جنوب اليونان، أقيمت أول دورة أولمبية.
بين ميثولوجيا الإغريق، والهُدنة التي بنتْ سلاما بين الدويلات المتصارعة، انبثقت الألعاب الأولمبية.
أسطرة البدايات:
خضعت نشأة الألعاب الأولمبية للأسطرة من قبل اليونايين القدماء، نُسبت عبرها الألعاب إلى الآلهة.
تختلفُ الروايات حول نشأة الألعاب الأولمبية ومُنشئها، بين مَن ينسبُها لهرقل بن زيوس وصِراعه مع ملك اليونان، ومن يرى أنها جاءت احتفاء، نظمه ملك بيزا بيلوبس بعد تربعه على عرش المملكة، وزواجه مِن ابنة الملك السابق أوينوماس.
وفق الموقع الرسمي للألعاب الأولمبية، نظمت أول نسخة منها قديما سنة 776 قبل الميلاد في مدينة أولمبيا على شرف الإله زيوس.
المشاركة في الألعاب آنذاك، كانت تخضع لشروط صارمة، من قبيل الانتساب لأبوين إغريقيين، وعدم قبول مشاركة العبيد…
حَملت الألعاب الأولمبية القديمة قداسة من كل ممالك اليونان ومدنها، ترتفع الأيدي عن السلاح ويعم الأمن والسلام.
كان الرسل والمنادون ينطلقون من القرية الأولمبية إلى جميع أنحاء اليونان، على جباههم أغصان زيتون، ليعلنوا بداية “الأيام الحُرم”، وأن جميع المشاركين في حماية الإله زيوس خلال مشاركتهم وخلال عودتهم إلى ديارهم.
عام 393 ميلادية، أعلن الإمبراطور ثيودوسيوس مرسوما يقضي بإلغاء جميع العبادات والممارسات الوثنية بعد خضوع اليونان لسيطرة الرومان، في هذا التاريخ انتهت الألعاب الأولمبية بصيغتها القديمة.
تحـول وتطـور…
عادت عجلة الألعاب الأولمبية إلى الدوران، سنة 1896، بعد تأسيس اللجنة الأولمبية الدولية، بمبادرة من الفرنسي “بيير دي كوبرتان”، ومُنح شرفُ تنظيم الدورة لليونان (أثينا).
شارك في أول دورة 241 لاعبا من 14 دولة تنافسوا في تسع ألعاب و43 مسابقة، تصدرت حينها الولايات المتحدة الامريكية قائمة الميداليات.
من المبادئ الأساس التي تم الاتفاق عليها، والتي لا يزالُ معمولا بها، أن شرف تنظيم الألعاب يُمنح للمدينة وليس الدولة، ويتم تقديم طلب إقامة الألعاب من قبل السلطة الرئيسية للمدينة، بدعم من الحكومة الوطنية.
توقفت الألعاب الأولمبية في فترتي الحرب العالمية الأولى والثانية، لتشهد بعد ذلك تطورا من خلال إنشاء الألعاب الأولمبية الشتوية اعتبارا من العام 1992، والألعاب الأولمبية لذوي الاحتياجات الخاصة أو ما يسمى بالألعاب البارالمبية.
أبرز الأحداث…
أول مُشاركة نسائية:
دورة باريس 1900، كانت أول نُسخة تمتاز بمشاركة رياضيات، واقتصرت مشاركتهن على رياضتي التنس والغولف، وشاركت 22 امرأة من أصل 997 رياضيا بما يعادل 2.2% من جميع المتنافسين.
أولمبياد لندن 2012 كانت علامة فارقة في تاريخ الدورات، وذلك بمشاركة لاعبات من كل البلدان المشاركة، مع إحداث مسابقات رياضة الملاكمة للسيدات لأول مرة.
ولأول مرة في تاريخ الألعاب الأولمبية، كان نسبج 50% من الرياضيين المتنافسين من النساء.
نسخة أمستردام 1928: أول ميدالية للعرب
نسخة أمستردام، لحظة فارقة في تاريخ الدول العربية عامة، ومصر خاصة.
كانت مصر أول دولة عربية تُشارك في الأولمبياد في دورة ستوكهولم 1912، وحتى دورة هلنسكي 1952، التي شهدت مُشاركة لبنان أيضا.
نسخة 1928 كانت مختلفة، حيثُ حصل العرب على أول ميدالية ذهبية في مسابقة رفع الأثقال للوزن خفيف الثقيل بواسطة المصري سيد نصير، ومواطنه فريد سمكة الذي نال فضية الغطس من المنصة الثابتة، وبرونزية الغطس من المنصة المتحركة. والمصري الآخر إبراهيم مصطفى الذي فاز بذهبية المصارعة الرومانية لوزن خفيف الثقيل.
مكسيكو 1968: احتجاج على الحقوق المدنية
على منصة التتويج في مكسيكو سيتي، وأثناء عزف النشيد الوطني الأمريكي، نكس العداءان الأمريكيان تومي سميت وجون كارلوس رأسيهما، ورفعا قبضة يديهما عاليا وهما يرتديان قفازات سوداء.
بعدها قال سميت أن السبب وراء هذه التحية: “إذا فزت، فإنني أمريكي، ولكن إذا ارتكبت خطأ، يقولون إنني زنجي”.
دورة 1984: أول ميدالية نسائية عربية وإفريقية
أقيمت دورة 1984 بلوس أنجلوس، وهُناك كُتب تاريخ مغربي وعربي جديد.
شاركت نوال المتوكل في أولمبياد لوس أنجلوس، وكلها آمال بتشريف المغرب وأفريقيا والعرب.
كانت نوال المتوكل قبل ذلك، فازت بذهبيتين في مسافتي 100 متر و400 متر حواجز في الألعاب الأفريقية. لكن، لحظة دخولها التاريخ ستكون بإحرازها ذهبية 400 متر حواجر في أولمبياد لوس أنجلوس، لتكون بذلك أول امرأة عربية وإفريقية تحقق هذا الإنجاز، فاتحة بذلك الباب للفتاة المغربية والأفريقية لاقتحام هذه الرياضة.
أولمبياد أثينا 2004: سطوة الكروج
يصدُق على هشام الكروج أن يُقال عنهُ مُطارد الذهب وصائده.
بدأت رحلة هشام الكروج مع الأولمبياد في أتلانتا 1996. كان خلالها الكروج قريبا من معانقة الذهب، لولا تعثره بزميله نور الدين مرسيلي مما أدى لسقوطه محتلا بذلك المركز الأخير.
عاد الكروج إلى المنافسة في أولمبياد سيدني عام 2000، احتل خلالها المركز الثاني، ظافرا بالفضية.
معانقة الكروج للذهب ستكون في أولمبياد أثينا 2004، واجه خلالها الكيني برنارد لاغات المتخصص في سباق 1500 متر. لكن، بعزيمة وإصرار استثنائي تمكن من الظفر بالذهب الأولمبي.
لم يكتف الكروج بذلك، عاد إلى الظهور في نفس النسخة في سباق 5000 متر، وتمكن في آخر 60 متر من تحقيق إنجاز عالمي ظافرا بالميدالية الثانية، ليُصبح ثاني عداء يفوز بسباقي 1500 و5000 متر في العام نفسه.
ريو دي جانيرو 2016: نهاية الأساطير
دورة ريو دي جانيرو ستبقى خالدة في ذهن عُشاق الرياضة عموما، الدورة التي عرفت اعتزال ثلاثة من أبرز وجوه الأولمبياد.
ستعرفُ النسخة نهاية مسيرة السباح الأمريكي مايكل فيليبس، الذي حصد في مسيرته بالأولمبياد 28 ميدالية منها 23 ذهبية.
في نفس الدورة أيضا، اعتزل العداء الجمايكي أوسين بولت، الذي يُعتبر أنجح عداء في تاريخ الدورات الأولمبية، محرزا في هذه الدورة ثلاث ذهبيات، مكررا إنجاز لندن 2012.
وعرفت الدورة أيضا، وداع العداء الأسطوري البريطاني مو فرح، الذي يعد ثاني عداء يتوج بذهبيتي 10 آلاف و5 آلاف متر في دورتين أولمبيتين متتاليتين.