شخّصها المجلس الوطني لحقوق الإنسان: حالة حقوق الإنسان بالمغرب
“إرساء دعائم نظام وطني لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية” هو عنوان التقرير السنوي الذي قدمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب.
تقرير يتضمن ما مجموعه 332 توصية، موضوعاتية أو عامة، من بينها 122 توصية صادرة عن الآليات الوطنية الثلاث، و41 توصية مهيكلة، إضافة إلى توقفه عند كثير من الحالات والمعطيات ذات الصلة بالملف الحقوقي بالمغرب.
أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريره يقدم السنوي الخامس خلال الولاية الحالية للمجلس.
التقرير الذي جاء في أكثر من 340 صفحة، حمل عنوان: “إرساء دعائم نظام وطني لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، وتميز بالتحليل والتقييم الموضوعيين لحالة حقوق الإنسان بالمغرب، كما أكدت على ذلك رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، خلال كلمة لها بمناسبة ندوة صحافية لتقديم التقرير.
أمينة بوعياش، توقفت عند ما تضمنه التقرير، خاصة تدخلات المجلس ذات الصلة بالحماية والنهوض والوقاية من الانتهاكات، مع معطيات تتعلق بـ 21 حقا موضوعاتيا و5 حقوق فئوية، إلى جانب حقوق النساء والفتيات، وباعتماد مقاربة تشاركية تشكل جزءا أساسيا من استراتيجية عمل المجلس، التي ارتأى من خلالها الترافع من أجل تعزيز فعلية الحقوق والحريات في مواجهة التحديات المستجدة والمتعددة التي تفرضها أولويات كل مرحلة في هذا المجال.
انطلاقا من رصده للعديد من أشكال تفاعل السلطات العمومية ومختلف المؤسسات مع عناصر السياق الوطني والدولي، سجل التقرير السنوي، كما تؤكد رئيسته، ملامح أساسية من خلال العلاقة المركبة بين الفرص التي تتيحها بعض أوراش الإصلاح لإنجاح جهود بناء نظام وطني لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتحديات التي يفرضها تحول بعض الأزمات والمخاطر إلى إكراهات بنيوية ضاغطة والانتظارات التي تغذيها بعض القضايا المجتمعية ذات الصلة بحماية الحقوق الأساسية.
أمينة بوعياش أوضحت، خلال ذات المناسبة، أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان اختار عنوان “إرساء دعائم نظام وطني لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، ليعكس به عملية تركيب لمجمل ما رصده المجلس من مشاريع ومبادرات وبرامج في إطار متابعته للسياسات العمومية من زاوية المقاربة القائمة على حقوق الانسان، وكذلك ما سجله من إشكاليات وعوائق واختلالات.
أمينة بوعياش أوضحت، أيضا، أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان،كان قد سجل في تقرير 2022، مجموعة من المؤشرات لتوجه جديد للسياسة العامة للدولة، يروم إعادة ترتيب أولويات الفعل العمومي بما يسمح بالاستجابة لتحديات المرحلة، وعلى رأسها تعزيز ضمانات فعلية الحقوق، في حين رصد المجلس خلال هذه السنة كذلك:
– دخول العديد من أوراش الإصلاح، على المستوى الوطني، مراحل متقدمة في تنفيذها، برهانات كبيرة لتعزيز ضمانات الولوج الفعلي للحقوق الأساسية لشرائح واسعة.
– استكمال تنفيذ ورش الحماية الاجتماعية وفق الاجندة المحددة، وهو ما يتجلى في إطلاق برنامج الدعم المباشر للأسر.
– مواصلة عملية تعميم التعويضات العائلية، تنفيذا لبرنامج إعادة بناء النظام الصحي الوطني لتعزيز الولوج الى الحق في الصحة للجميع.
– إطلاق مبادرات جديدة تروم تيسير الولوج إلى الحق في السكن لائق،
– مواصلة إصلاح النظام الجبائي الوطني، من خلال الاصلاحات التي عرفتها الضريبة على القيمة المضافة، وهو ما من شأنه المساهمة في تعزيز تمويل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان توقفت، بالمناسبة، عند محطة زلزال الأطلس، وما خلفه من وفاة 2946 مواطن ومواطنة، وجرح 5674، وتداعياته السلبية على الحقوق الأساسية في 169 جماعة، بما فيها الحق في التعليم، والصحة والسكن، مشددة في السياق نفسه، على التدخل الاستعجالي وبالسرعة والفاعلية بعد أقل من 24 ساعة لإنقاذ الأرواح وإسكان المتضررين وعلاج الجرحى وتعبئة المجتمع بكل فاعليه ومنح صفة مكفولي الامة للأطفال اليتامى.
أمينة بوعياش ركزت، أيضا، على ما ميز سنة 2023، وأساس، إطلاق ورش تعديل مدونة الأسرة، الذي لا يقتصر تأثيره على تعزيز الوضع القانوني للنساء والفتيات، بل ستكون له انعكاسات على حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء والفتيات والأطفال كذلك. لذلك، “فإن المدونة تعتير جزءا من النظام الوطني لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، تقول رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
الخلاصات الرئيسية للتقرير
أمينة بوعياش، وخلال كلمتها في الندوة الصحافية التي عقدت لتقديم التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، اعتبرت أن اهم خلاصات التقرير، هي:
1- استمرار إصدار أحكام بعقوبة الإعدام، التي بلغت 83 حكما منهم 81 حكما نهائيا رغم التنصيص الدستوري على الحق في الحياة وعدم المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص؛
2- تزايد عدد الشكايات والطلبات، حيث توصل المجلس وآلياته الوطنية ولجانه الجهوية بـ 3318 شكاية، منها 280 شكاية من نساء أو فتيات ضحايا العنف و 276 شكاية تهم حقوق المهاجرين و ارتفاع وتيرة لجوء الأفراد والمجموعات للتشكي لدى الجان الجهوية، كآليات انتصاف على المستوى المحلي، و تزايد نسبة الشكايات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كمؤشر على حجم التحديات التي يواجهها الأفراد في الولوج إلى الخدمات الأساسية المرتبطة بهذه الحقوق، وتزايد الشكايات المتعلقة بالحق في بيئة نظيفة ومستدامة والحق في الماء، وهو ما يمكن تفسيره، تقول بوعياش، بالأوضاع الصعبة المرتبطة بحالة الإجهاد المائي غير المسبوق الذي عرفته البلاد منذ سنة 2022 وتواصل سنة 2023 ؛
3- اتساع مجالات شكايات المس بالحياة الشخصية، وهو ما يعكسه تزايد لجوء المواطنين إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان باعتباره آلية انتصاف غير قضائية، وهو ما يؤكد الطابع الاستعجالي لتعزيز دينامية الإصلاح الجاري من أجل قضاء عادل ونزيه وفعال؛
4- تسجيل 249 حالة وفاة بأماكن الحرمان من الحرية و1357 حالة إشعار بالإضراب عن الطعام حسب معطيات المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج. وقام المجلس ولجانه الجهوية بـ 285 زيارة لمؤسسات سجنية أعدت بشأنها تقارير مشفوعة بتوصيات لضمان حقوق النزلاء والنزيلات، وأحيلت على الجهات المختصة؛
5- تلقى المجلس ولجانه الجهوية 3 شكايات يدعي أصحابها تعرضهم للتعذيب، حرص المجلس على متابعتها، حيث تم إخضاعها للتحقيق وتم اتخاذ الإجراءات الإدارية في انتظار اصدار الأحكام، كما توصل المجلس ولجانه الجهوية ب 149 شكاية همت ادعاءات بسوء المعاملة، وبعد التحري والقيام بالزيارات، خلصت أن أغلبها لا تتوفر فيها عناصر تعريف التعذيب أو المعاملة القاسية، بل تهم خلافات ما بين المعتقلين نتيجة الاكتظاظ باعتباره يمس التمتع بالحقوق؛
6- تواصل دينامية إنشاء الجمعيات غير الحكومية التي يقدر عددها نهاية 2023 بـ 266610 جمعية غير حكومية، تتوزع على كل جهات المملكة وتشتغل في كل القضايا. ورغم أن الجمعيات تعتمد في أغلب أنشطتها على نظام التصريح عوض الترخيص، غير أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يسجل، مع ذلك، بعض التحديات التي تحول دون تطور الفعل الجمعوي، ومنها ما هو إداري مرتبط بالممارسات الصادرة عن بعض الموظفين الإداريين، إضافة الى استمرار بعض العراقيل التي تعيق أحيانا عملية تأسيس الجمعيات أو تجديد هياكلها أو استغلالها القاعات العمومية لتنظيم أنشطتها طبقا لأهدافها المسطرة في قوانينها الأساسية.
7- رصد المجلس 600 تظاهرة عمومية من 11086 تظاهرة وتجمعا بالشارع العام همت الاحتجاج على ارتفاع الأسعار ومساندة فلسطين واحتجاج موظفي التعليم؛
8- رصد المجلس هذه السنة، عبر لجانه الجهوية، خمس قضايا تهم متابعات قضائية ذات صلة بالحياة الخاصة ضد أربعة مدونين بسبب نشر أخبار أو تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي؛
9- دعم تدخل المجلس في قضايا الاتجار بالبشر بإعداد دليل لتعزيز قدرات أطره على الصعيد الوطني والجهوي لتوحيد منهجية العمل بخصوص التعامل مع قضايا التجار بالبشر وتيسير الرصد والتعرف المبكر على الضحايا المحتملين لهذه الجرائم حيث بلغ عدد قضايا المعروضة على القضاء سنة 2023 ما مجموعه 110 قضية؛
10- تسجيل ردود فعل العاملين بقطاع التعليم على مقتضيات النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية والمستجدات التي جاء بها، وما نتج عن ذلك من وقفات احتجاجية ومسيرات على المستويين الوطني والجهوي، والذي أدى إلى توقف الدراسة في القطاع العمومي لاثني عشر أسبوع؛
11- معالجة 280 شكاية خاصة بالنساء والفتيات ضحايا العنف خلال سنة 2023، فضلا عن متابعة المجلس ولجانه الجهوية لنزاعات معروضة على القضاء؛
12- مواكبة المجلس دينامية تداول الرأي العام لقضايا مجتمعية مرتبطة بالحقوق والحريات سواء بالفضاء الواقعي او الافتراضي والتي تعكس تحولات في تعاطيه لقضايا ضاغطة ومسائلته للمقتضيات القانونية ذات الصلة لحماية الأفراد في ممارستهم حقوقهم وفي سلامتهم الجسدية، والتي تحد من فعالية النظام الوطني في مجال الحماية؛
13- استمر المجلس في التعبئة لمتابعة تفعيل ما تبقى من توصيات صادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة، وخاصة منها ما يهم برامج حفظ الذاكرة وجبر الضرر الجماعي والفردي وتنفيذ المقررات التحكيمية لبعض ملفات ضحايا الاختفاء القسري؛
14- انتشار أخبار زائفة خلال الزلزال، حيث أصبح من الصعب على الأفراد التمييز بين الصحيح منها والزائف، مما أدى إلى ترويع المواطنين وبث الرعب والهلع في صفوفهم؛
15- إدراج تقرير الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب التي قامت 55 بزيارة مكانا للحرمان من الحرية، وشملت هذه الزيارات 15 مؤسسة سجنية و26 زيارة للغرف الأمنية المخصصة للحراسة النظرية، منها 8 زيارات لأماكن تابعة للأمن الوطني و19 مكانا تابعا للدرك الملكي، و7 معاقل بالمحاكم، و5 مراكز لحماية الطفولة، ومستشفى واحد للأمراض العقلية والنفسية. كما قامت بإنجاز تقارير عن كل هذه الزيارات ضمنتها ملاحظات وتوصيات؛
16- إدماج تقرير الآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق التي توصلت بما مجموعه 83 شكاية خلال سنة 2023؛
17- بلغ عدد الشكايات التي وردت على الآلية الوطنية الخاصة بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة خلال سنة 2023 ما مجموعه 32 شكاية وطلبا؛
18- خلال سنة 2023، تم اعتماد 3 تقارير من قبل آليات الأمم المتحدة بخصوص وضعية حقوق الإنسان ببلادنا، وهي تقارير بشأن إعمال الاتفاقية الدولية للقضاء علـى جميع أشكال التمييز العنصري، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد اسرهم. وقدمت هذه الآليات توصيات ما فتئ المجلس يطالب بتفعيلها وأوردها في تقريريه الموازيين لهاتين الآليتين، مثل وضع إطار قانوني شامل لمكافحة التمييز، وتسريع إخراج القانونين المتعلقين بالهجرة واللجوء.
بالنسبة للتقرير الثالث، دائما حسب أمينة بوعياش، فيتعلق بالجولة الرابعة للاستعراض الدوري الشامل الذي صدرت بشأنه 306 توصية، حيث رحب المجلس حسب رئيسته، بالتفاعل الإيجابي للحكومة المغربية مع 232 توصية حظيت بالقبول، منها توصيات تروم تعزيز ممارسة حرية التعبير والرأي والجمعيات والتجمعات.
المجلس الوطني لحقوق الإنسان، شجع الحكومة على إعادة النظر في موقفها المتعلق ببعض التوصيات المرفوضة جزئيا أو كليا مثل إلغاء عقوبة الإعدام في القانون والممارسة وتجريم الاغتصاب الزوجي وإلغاء تزويج الأطفال بالإضافة إلى تعديل مدونة الأسرة وفقا لمقتضيات الدستور. كما سجل المجلس أن 107 من التوصيات التي حظيت بقبول الحكومة سبق له أن اقترحها في تقريره الموازي المقدم في مارس 2022 وأن 125 توصية أخرى تتضمنها تقاريره السنوية أو الموضوعاتية أو آراؤه الاستشارية.
وواصل المجلس، تقول أمينة بوعياش، لعب دور ريادي داخل الشبكات الدولية والإقليمية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، حيث يتولى مثلا منصب نائب رئاسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ويقوم بتنسيق فرق عمل للتحالف العالمي والشبكة الافريقية؛
إطلاق مسار احداث شبكة افريقية للآليات الوطنية للوقاية من التعذيب بمبادرة من المجلس الوطني وبشراكة مع اللجنة الوطنية لحقوق الانسان بجنوب افريقيا نتج عنه اعلان مراكش الذي كان بمثابة وثيقة مؤسس له أخيرا في كاب تاون؛
وواصل المجلس تعزيز علاقاته مع منظومة حقوق الإنسان التابعة للاتحاد الإفريقي، حيث نظم لأول مرة مؤتمر مهم في مجال حقوق الانسان بعد عودة بلادنا للاتحاد الافريقي، والمنتدى الإفريقي للعدالة الانتقالية.