سناء العاجي الحنفي: الحج VIP… لمن استطاع إليه نفوذا
الحج VIP…
حتى في الحج، يحتاج البعض لأن يذكروا الآخرين بأنهم أغنياء وبأنهم من طبقات أسمى وبأننا لا يمكن أن نتساوى… حتى في كيفية تأدية الشعائر الدينية!
يقول المنطق إن تطبيق الشعائر الدينية هو فرصة للتخشع والتأمل والتقرب من الله.
لذلك، لطالما كنت أستغرب من الأشخاص الذين يصلون في الشارع العام مثلا، أمام ضوضاء المارين والتلوث الناتج عن السيارات، وقرب حاويات النفايات وأصوات البائعين والأطفال.
في تصوري، الصلاة هي لحظة خشوع ونقاء لا تستقيم أمام الضوضاء أو التلوث.
لكن الكثيرين حولنا يحرصون على أدائها في مواعيدها المحددة، أكثر من حرصهم على أدائها في ظروف تخشع وتأمل ملائمين. هم ليسوا وحدهم المسؤولين، لأن هذا أيضا ما يقوله لهم معشر الفقهاء ورجال الدين. لا يركزون على التخشع قدر تركيزهم على احترام الموعد، حتى لو كان الفضاء العام غير مؤهَّل للصلاة والتخشع والتفكر… كمثل الجمع الغفير من المسلمين في نيويورك، والذين أدوا صلاة التراويح منذ أشهر في ساحة square time، وهم يعتقدون أن ذلك انتصار للإسلام؛ في حين أن العلمانية الغربية هي التي سمحت لهم بتأدية شعيرتهم الدينية في بلد ليس ذي أغلبية إسلامية.
لكن، أكثر من ذلك، أي صلاة تستقيم في فضاء للسهر واستهلاك النبيذ والحرية في الملبس؟ بل في فضاء، هو على الأرجح ليس نظيفا، لأنه محج لآلاف السياح كل ليلة!
الأمر لا ينتهي هنا، بل الصدمة أيضا في زمن الصورة وإشهار الممتلكات والوضعية الاجتماعية، هو أيضا حين ينتشر مفهوم جديد للحج VIP...
حج خاص بالأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم: Very Important Personality… لدرجة أنهم لا يمكن أن يمتزجوا بالعامة، حتى في الحج!
بالنسبة للشخص المؤمن، تأدية فريضة الحج تفترض إيمانا وتخشعا وخضوعا لله. الحج يُفترَض أن يكون فرصة للتأمل في العلاقة بالخالق، في فناء الذات وفي كونها عابرة وفانية أمام استمرارية الكون والخالق؛ فرصة للتجرد من الأحاسيس الطبقية وللتخشع والتخلص من الاستعلاء والألقاب والمكانة الاجتماعية والممتلكات المادية من علامات ثراء وغنى، فرصة للتواضع أمام الخالق والكون، بتجرد من الألقاب والمال والأكسسوارات وتفاصيل الخدمات الراقية. فرصة للإحساس بالضعف أمام كمال الخالق والكون وجبروته وسلطته المطلقة!
هذا تحديدا منطق المؤمن الذي يتحرك لأداء شعيرة الحج! أو هذا ما يُفترض أن يكون عليه!
لكن لا… حتى في الحج، يحتاج البعض لأن يذكروا الآخرين بأنهم أغنياء وبأنهم من طبقات أسمى وبأننا لا يمكن أن نتساوى… حتى في كيفية تأدية الشعائر الدينية!
يجب أن يعودوا من الحج ويقولوا إنهم كنا في فنادق فخمة، وأنهم رموا الجمرات بأريحية أو حتى من سياراتهم الفارهة، بأن وقفة عرفة كانت كذا والسعيَ كذا، بأنهم تمتعوا بالتكييف وشربوا أطيب المشروبات واستهلكوا ألذ الوجبات وخالطوا علية القوم…
يصبح الحج فرصة لتأكيد المكانة الاجتماعية والتميز. أو ربما لشراء لقب الحاجّ والحاجّة! للتباهي… أو ربما لإرضاء إحساس دفين بالنقص يغطون عليه بالرغبة في تأكيد تميز ما.
حتى حين يفترض أن نتواضع لمن نتعبد له، سنتعبد له من علياء غنائنا!
نسأله الجنة والرحمة والمغفرة بقوة حساباتنا البنكية التي تسمح لنا بالتعبد في بذخ!
إنها ليست محاسبة للثراء وللبحث عن الرخاء. من حقنا جميعا، حين تتوفر لدينا الإمكانيات، أن نستمتع بفضاءات مريحة وبمظاهر الرخاء. لكن هذا لا يتماشى ولا يستقيم مع ممارسة شعيرة دينية أصلها التعبد لله والشعور بالضعف أمام جبروته والإحساس بالفقير والمسكين والشعور أننا، جميعا، أمام الله، متساوون.
تماما كهؤلاء الذين يقضون فترات الحج والعمرة وهم يلتقطون الصور والسيليفات لينشروها على مواقع التواصل لاحقا.
كيف يكون الحج أو العمرة، وكيف يكون التخشع ونحن نركز على زاوية الصورة وعلى ملابسنا وشكلنا حين التقاطها وعلى الفلترات وعلى قواعد النشر والدعاية؟
للأسف، حتى التعبد والحج والصلاة أصبحت فرصا للـ show وللتباهي. فرصا لحصد اللايكات والمتابعات. فرصا لعرض الجمال أو الغنى. فرصا للتباهي أثناء الحج نفسه ثم، لاحقا، في مجتمعاتنا وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
حتى رمضان، الذي يقولون إن فلسفته تقوم على استحضار حرمان الفقراء وضنك عيشهم، يتحول فجأة إلى مباراة في استعراض موائد الإفطار و”شهيوات” شق الصيام…
يصبح الأساسي هو التباهي والتموقع الاجتماعي وما نبرزه من مظاهر غنانا… وليس التخشع، ولا حتى القيمة الروحية للممارسة الدينية!
الدين افيون الشعوب 👎
تحرير مستنير