إسلام الأمازيغ: غزو أموي واتهام بالردة وتكييف للدين
كيف دخل الإسلام شمال افريقيا؟ سؤال لطالما كان طرحه شاقا والإجابة عنه أكثر شقاء. هل أسلم الأمازيغ على يد العرب أم على الأمازيغ نفسهم ممن كانوا يعتنقون الديانات السماوية؟
أسئلة كثيرة لها امتداد في تاريخ الأمازيغ وأخرى تبقى عالقة …
هل أسلم الأمازيغ أم تأمزغَ الإسلام؟
سؤال يجده صداه عند الكثير من المهتمين بتاريخ دخول أمازيغ شمال إفريقيا إلى الإسلام. غير بعيد عن هذا السؤال، يطرح الكثيرون إشكالية أبعد، مفادها أن الأمازيغ ارتدوا حوالي 12 مرة حسبَ قول منسوبٍ لابن خلدون.
غزو وصدام
حسب كتاب “الإسلام والأمازيغ” للمؤرخ صدقي علي أزايكو، فإن الكثير من الدلائل تشير إلى أن حرب “الفُتوحات”، وفترة ولاة بني أمية التي تلتها، يقتصر دورهما بالضرورة على إشعار السكان بوجود الدين الجديد وإعلان جزء منهم الانتماء إليه بدافع أو بآخر، وذلك لأن الفترة الزمنية قصيرة ومضطربة.
يورد الكاتب أن انتشار الاسلام وتمكنه في شمال أفريقيا الأمازيغية لم يتم بين عشية وضحاها، بل تم ببطء كبير عبر مراحل متعددة امتدت على عدة قرون. وقد لعب الراسخون في الدين من الأمازيغيين الأوائل، الدور الأساسي في ترسيخ الإسلام في المناطق التي عرفته منذ البداية.
هل كان فتحا أم غزواً؟
يجيبنا محمد شفيق في كتابه “ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين”، إذ يقول: “كان من الطبيعي أن ينظر الأمازيغيون إلى الفاتحين نظرة المغزو للغازي، لا سيما أن العرب كانوا يطرقون الأبواب مصحوبين بقضهم وقضيضهم، مسلحين، مستعدين للقتال، ظاهري الرغبة في السبي”.
حسب شفيق، فإنه لا غرابة أن ينهض الأهالي لرد ما يرونه هجوما استعماريا من النوع الذي كان لهم به سابق عهد. بعد الاصطدامات الأولى، حركت ديناميكية الحرب وقوت عند الجانبين معا، إرادة الانتقام والأخذ بالثأر. استمر الوضع على هذه الحال قرنا كاملا، أي من عهد الغزوات الأولى التي كانت تنطلق من مصر.
إسلام الله أم العرب؟
من جهته، يعتبر مصطفى القادري، أستاذ التاريخ بجامعة محمد الخامس في حديث لمرايانا، أن هناكَ مفاهيم عديدة مرتبطة بإسلام الأمازيغ آتية من الاستشراق الاوروبي. هذا الأخير الذي وضع فكرةً مفادها أن ما يسمى بالإسلام العربي هو الوحيد والحقيقي.
أشار القادري إلى أن جميع المجتمعات التي دخلها الإسلام حاولت أن تتبنى الإسلام بمعتقدات محلية، كإندونيسيا، ماليزيا، نيجيريا، الكاميرون، المغرب. هنا، نلاحظ أن المعتقد واحد، لكن العادات مختلفة وهي مسألة طبيعية. بالتالي، فإن المفهوم الذي وضعه الاستشراق الأوروبي، والذي وصلنا اليوم، يعتبره البعض حقيقة إلا أنه خاطئ.
أما الحسين امباركي، وهو باحث في الثقافة الأمازيغية، فيقول لمرايانا: “يجب التفريق بين الفتوحات السياسية والفتوحات العقائدية. منطقة شمال أفريقيا هي منطقة أطماع قبل الإسلام وبعده. عندما نتحدث عن الأمازيغ، يجب أن نفرق بين الإسلام كعقيدة وبين تعامل الأمازيغ مع سياسة السيادة المشرقية”.
القول بأن هناك إسلاما غير أمازيغي مرده لتيارات قومية وأخرى سلفية، لا تمت بصلة للإسلام الذي كان عليه الأمازيغ. هذا ما يتفق معه القادري معتبراً أن هناك إسلاما واحدا فقط، وأن المستشرقين هم من ربطوا ما بين الإسلام والعَرَبْ، وهي الفكرة العنصرية التي تبناها القوميون وروجوا لها ضد الأقوام المسلمة غير المنتمية لشبه الجزيرة العربية، كما هو الحال بالنسبة للأمازيغ.
حسب امباركي فإن اندونيسيا انتشر بها الإسلام عن طريق التجار، عكس شمال إفريقيا التي دخلها الإسلام عن طريق الجيوش. هذا الانتشار فهمه الأمازيغ على أنه استعمار وغزو، وهو ما أدى لحدوث الاصطدام، كما حدث مع الرومان وغيرهم.
يقول الحسين امباركي: “حينما عرف الأمازيغ الإسلام، قاموا بتبني الديانة الإسلامية، لكنهم سيقومون بتكييفها مع ما يتناسب مع جغرافية وخصوصية المنطقة، فيما تركوا باقي السجالات الدينية جانبا. فإذا ما اتجهنا لآيات شرع اليد، الإعدام، القتل، القصاص، فإن الأمازيغ وجدوا بدائل تسمح بالاستمرار في الحياة؛ كالنفي النهائي أو بعض العقوبات البديلة الواردة في أزرف أو العُرف”.
ردة عن الطغاة
سرديات كثيرة، من ضمنها ارتداد الأمازيغ عن الإسلام، يقول عنها القادري إنها ليست ردة عن الإسلام، بل هي ردة الأمازيغ عن إسلام الدولة الأموية الطاغية. الشاهد، هنا، هو أنه عندما طُرد الأمويون من شمال أفريقيا، بقي السكان على دين الإسلام.
مصطفى القادري أشار إلى أن من دخل الإسلام في الأول، كانوا من أهل الكتاب من الأمازيغ، خصوصا في إطار صراع مذهبي داخل الكنيسة المسيحية بزعامة ما كان يسمى في التاريخ بالدُّونَاتِيِينْ، مؤكدا أن الأمازيغ المسيحيين واليهود، الذين كانوا في الشمال، هم أول من دخلَ الإسلام، وأدخلوه للأمازيغ الآخرين الذين كانوا في الجبال والصحاري، فالإسلام دخل بطريقة أفقية، أي ما بين الأمازيغ فيما بينهم.
موقف الأمازيغ لم يكن ضد الإسلام، بل ضد ما جاءت به الدولة الأموية، التي هُزمت على يد الأمازيغ في “معركة أشراف” التي كانت سبباً في أفول الدولة الأموية في دمشق وانقلاب بني العباس عليها لأخذ الحكم. هذا الصراع القديم الجديد يذكرنا بصراعات قريش قبل الاسلام وبعده.
من جانبه، يعتبر الحسين امباركي، الباحث في الثقافة الأمازيغية، أن هناك مشكلاً يحوم حول الردة. كلما حاول الأمازيغ الخروج عن هيمنة الخليفة في المشرق، اعتبر ذلك ردة. علما أن الأمازيغ حافظوا على إسلامهم رغم خروقات الدولة الأموية.
يتساءل المباركي باستغراب: “هل الردة هي الاستقلالية والتشبث بالهوية؟ يجب التفريق بين الردة عن دين الله والردة عن دين الخلافة وأهل الأرض. فالردة كانت عن الطغاة لا عن الله”.
سعى الأمازيغ إلى الدفاع عن هوياتهم ضد الصراعات المذهبية والطائفية، كما حافظوا على إسلامهم وهويتهم، وهو ما يعدينا للسؤال المطروح بداية:
هل أسلم الأمازيغ، أم تأمزغ الإسلام، بالنظر إلى الأعراف التي كانَ يحتكم لها مسلمو الأمازيغ والتي كانت في الكثير من تفاصيلها، أكثر تقدمية من أحكام دينية واجتهادات فقهية؟