تعديل حكومي في الأفق: تكهنات الشارع وحسابات أصحاب القرار
كلما حلَّ موعد تعديل حكومي، إلا وساهم الشارع في مباشرة تحليلاته الخاصة للمشهد السياسي والأداء الحكومي.
تحليلات … تكون أحيانا صائبة، وأحيانا تجانب الصواب، غير أنها في نظر محللين وأكاديميين، آراء وتكهنات لا يُعتد بها ولا توافق في أحيان كثيرة حسابات أصحاب القرار.
بعد مرور سنتين ونصف من عمر حكومة عزيز أخنوش، لا حديثَ يعلو على أحاديث التعديلات الحكومية، وسط ترقُّب شديد للرأي العام المغربي.
تكهنات، توقعات، أسماء مغضوب عليها… هذه السمة الأبرز لهذا التعديل المرتقب الذي يأتي في ظرف حساس متسم بالأزمة.
مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، قال خلال ندوة صحفية إن التعديل الحكومي إجراء سياسي ودستوري يتطلب إجراءات وشروطا، حينما ستتوفر سنمضي في هذا المجال.
شارع يتكهن
الشارع المغربي انخرط في هاته التوقعات، مرشحاً أسماء كانت إما موضوع جدل سياسي، وأخرى تم الحسم معها، وأسماء أخرى صامتة. أول المغادرين للحكومة، وفق تكهنات الشارع المغربي، عبد اللطيف وهبي الأمين العام “المخلوع” الذي لم يجدد ترشيحه لأي مسؤولية داخل “البام”.
يُرجع الكثير مغادرةَ وهبي للوزارة لفشله في تدبير ملف المحاماة، وكذا تأخره في حلحلة ملفات عالقة بوزارة العدل، إلى جانب تواريه عن قيادة حزب الأصالة والمعاصرة، نتيجة قوة الأسماء المنافسة له، وخصوصا فاطمة الزهراء المنصوري وحلفاؤها، إضافة أيضا، إلى الحديث عن احتمال عودة الاتحاد الاشتراكي للحكومة، وهو ما قد يكون ورقة للضغط على حزبي البام والاستقلال.
إلى جانب وهبي، يحضر نزار بركة وزير الماء. مردُّهُم في ذلك، فشله في تدبير إشكالية الماء ومشكل الجفاف، وكذا المستجدات التي سيحملها مؤتمر حزب الاستقلال الذي سيبرز قيادات جديدة.
تكهنات قد تبدوا للرأي العام المتابع للشأن الحكومي واردة، غير أنها تبقى تكهنات فردية تخضع لتحليل شخصي. فالتعديلات في كل الأحوال تتسم بطابع السرية.
طقس اعتيادي
عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي، جامعة القاضي عياض، يتفاعل مع مرايانا موردا أن التعديل الحكومي ارتبط بعُرف سياسي وممارسة سياسية اعتيادية تعتمدها بعض الحكومات.
يقول العلام: “أحيانا يرتبط التعديل بغضبات ملكية، وأحيانا ترتبط بأزمات سياسية. اليوم، تعيش الحكومة مشاكل على المستوى الداخلي، هناك أحزاب داخل الأغلبية تعيش أزمات تنظيمية وأخرى غيرت الأمين العام”.
حسبَ المحلل السياسي، فإنَّ بعض الوزرات وبعض القطاعات اليوم، تبدو كأنها غير موجودة. أي أنه من الممكن إلغاء وزارتها، وتحويلها إلى مديريات تُلحق بوزارة أخرى. لأنه في البداية، عندما كان الائتلاف الحكومي بصدد تشكيل الحكومة كان ذلك بالتراضي، ووفق منطق ترضيات هدفه الوصول إلى توافق على تشكيلها.
منطق التراضي وتقسيم الغنائم لا يحضر فقط في الحكومة، بل حتى داخل الأحزاب هناك أشخاص التحقوا بالحزب بناء على وعود إما باستوزار أو بتوزير أقارب. بعد مرور سنتين ونصف، يمكن للحزب أن يحسم مع بعض الشخصيات، ونفس الأمر بالنسبة للحكومة.
يتجه العلام إلى أنه اليوم، في ظل الأزمة الاقتصادية، يمكن أيضا استحضار الجانب المالي كمبرر إضافي لإجراء تعديل حكومي على عدد الوزراء، من أجل تخفيض تكلفة النفقات الحكومية.
علاقة بالتكهنات وما يتداوله الشارع يقول العلام: “ما يتداوله الناس من أسماء، مجرد تكهنات، وغالبا التعديلات الحكومية تأتي عكس التكهنات، فالذي يتكهنون بمغادرته يظل في منصبه، والذي يتكهنون لببقائه، يغادر”.
حسب المتحدث، فالفاعل السياسي الذي يملك قرار إحداث التعديل، غالبا لا يقبل التوجه العام حول التعديل. فالتعديل يجب أن يكون صادرا عن ارادة خاصة حسب رؤية الذين يقومون بالتعديل، وليس استجابة لتطلعات جزء من الرأي العام.
ليس في السياسة منطق
هل تخضع السياسة المغربية لمنطق السياسة؟ يجيب العلام: “لا نعتقد ذلك، من حيث المنطق السياسي، وزراء أمثال عبد اللطيف وهبي، ومعه وزير التعليم شكيب بنموسى الذي خلَّف أزمة كبرى في التعليم وساهم في تخلُّف المغاربة حوالي 5 أشهر، يجب أن يقدموا استقالتهم من الحكومة“.
يشدد المحدث على أن السياسة في المغرب لا تخضع للمنطق، فلو كانت تخضع له، لَمَا شاهدنا تحالف الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار وقبلهم حزب العدالة والتنمية والتقدم الاشتراكية.
يضيف المتحدث أن أسماء كثيرة لم نكن نسمع بها وجدناها في مسؤوليات حكومية وأخرى لم تتدرج في الأحزاب حتى وجدناها مرشحة باسم حزب معين. وهذا ما بدى مع بنموسى الذي وجدناه وزيرا باسم الأحرار.
ضخ دماء جديدة
من جهته، عبد الحميد بنخطاب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، ورئيس الجمعية المغربية للعلوم السياسية، يقول في حديث لمرايانا، إن التعديل الحكومي مسألة عرفية أكثر من كونها مسألة قانونية أو دستورية. بمعنى أن الدستور لا يتحدث عن شيء اسمه التعديل الحكومي، ولا يتحدث عن إجراء يسمى تعديل حكومي.
حسب المحلل السياسي، فإن هناك قاعدة عُرفية، ترسخت في كل الحكومات البرلمانية وفي كل الأنظمة البرلمانية في العالم، على أنه بعد مدة، وغالبا في منتصف الولاية، يتم تجديد الفريق الحكومي، على اعتبار أن هناك وزراء ربما لم يندمجوا في الفريق الحكومي، أو لم يستطيعوا القيام بما هو مطلوب منهم في قطاعاتهم الوزارية، أو بعض الوزراء الذين لهم مشاكل سياسية مع حزبهم.
يتجه بنخطاب إلى أن التعديل الحكومي من شأنه أن يدخل دماء جديدة في الفريق الحكومي، ويعطيه زخما وديناميكية جديدة.
في بعض الأحيان، تكون الائتلافات الحكومية مشكلة من عدة أحزاب، من ثلاثة أحزاب في النموذج المغربي مثلا. قد يحصل هناك شرخ في الانسجام الحكومي، من تمة، يقوم رئيس الحكومة بتعديل حكومي حتى يدخل مزيدا من الانسجام على فريقه، بما يجعله أكثر فاعلية وأكثر ديناميكية.
سرية وعناية ملكية
عن الشائعات والتخمينات يقول بنخطاب: “ربما يتعلق الأمر بشائعات قد يطلقها فاعلون سياسيون مُعينون، كما قد يطلقها في بعض الأحيان أناس عاديون. ما يهم هو أن التعديل الحكومي يظل مسألة سرية داخل الفريق الحكومي، ولا يمكن الكشف عنها إلا لحظة تعيين هؤلاء الوزراء من طرف الملك”.
حسب المتحدث، فكل ما يقال وما يروج حول أسماء بعينها يروج لها الشارع والمتتبعون للشأن السياسي، هي مجرد شائعات وتخمينات.
يشير بنخطاب في هذا الجانب، إلى أن التعديلات هي مسألة سيادية جد دقيقة وسرية، ولا يمكن بتاتا الوثوق في التخمينات. في بعض الأحيان، قد تكون هناك تسريبات من داخل الفريق الحكومي لكنها تظل تسريبات غير موثوق منها، فيمكن عدم العمل بها من طرف الملك وكذا رئيس حكومة.
نشير هنا إلى أنَّ التعديل الحكومي خاص بالائتلاف الحكومي بإشراف رئيس الحكومة عزيز أخنوش بمعية الأحزاب المشكلة للائتلاف.
بعد اقتراح رئيس الحكومة، للأسماء التي ستغادر الحكومة، والأسماء التي ستلتحق بها، يدخل الملك على الخط، يقوم بالموافقة عليهم أو رفضهم، ومن ثم يقوم بإعفاء الوزراء الذين يُرغب في اعفاؤهم وتعيين الوزراء الجدد.
رغم ما أكده العلام وبنخطاب، ويؤكده محللون آخرون، غير أن الشارع يقدم تحليلات مغايرة. لكنها قد تكون مشروعة أحيانا، بالنظر لحجم الانتظارات والتوقعات لدى المواطن المغربي نحو الحكومة.
هل ستتجه الحكومة لإصلاح وإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، أم أنها ستسمر بنفس تشكيلتها، رغم الأعطاب التي لحقت بها في قطاعات عديدة، أهمها ملف التعليم الذي عرفا تأزما غير مسبوق؟