عبد القادر الشاوي يكتب: مصر أم الدنيا والكنانة متاهة
أيادينا يا “طلعت” مُدَرَّجَة بالدماء
أما “الشهداء” فقد تاهوا في سيناء قبل الهزيمة
وقبل الجريمة
وقبل وفاة أم كلثوم وهي تَصْرُخُ في صَخَبْ:
(أصبح الآن عندي بندقية)
فَقُلْ للشاعر في سكينة
إنَّ النصرَ لا يُحالفُ العربْ.
النيل يجري
حين وقفتُ على ضفة النهر
فصرتُ أرى
وماذا أرى
فهل يا تُرى بصري يَرى
وأنا لا أرى؟
بَشَرٌ كالحجارة يغسل تربتَه في ضفة
وعلى الضفة الأخرى نيلٌ يا نيلُ
على سطحِ ماءٍ تجَلَّت صورتي،
عَلَتْ موجتي،
تسَامت ثم غامَتْ في وحدتي
أريد القول: على ضفتي نِيلٌ والطُّوبُ قد علاه الصدأ،
ها أنا القتيل أرى المُسْتَحِمِّين في برد فبراير
حين يداعبهم ثلج
لم يَسْقُط على مصر مُذْ سقط البلاءُ على بَرِّ العربْ.
يا صاحبي هذا ريش حَمَامٍ مَرَّ من هنا في غفلة
وليس لِصَيَّادِ الأفاعي أيَّ شَرَك لاصطياد البشرْ
ثكالى،
قذارةُ الوقت تَمُجُّ أياديهم،
وأنا أبَحْلِقُ في فراغِ مياهِ النيل منذ هيرودوت الحزين.
هل أقول لموجتي: هيّا يا موجتي أغرقيني في اليَمِّ
أمْ أقول لي: لا تغرقي في لُجَّتِي يا ذاتي.
بقايا حُطَامٍ أنا تناثر حول الحَصَى
فظنَّ حَصَاهُ أنني وَجْهي
وما أنا إلا المتاه
وجهي لا يراني
والماء حين تعكّر لا أراه
والنيل إذ يمشي في نهره
لا يرى مَدَاهْ.
الأرض هنا مملوكة للهواء
قَنَاطِرٌ من حديد
والسيارات تَمْرُقُ حيرى
وكلُّ الاتجاهات مرمى لا يُرى.
القديم هنا عاَبِقٌ
والزمالك أوْرَقتْ أشجاره مِنْ كَدَحِ السِّنين،
(وجهك إنْ رأتْ به عُمْيٌ يخال أنك سحابٌ يمشي خلف ظلالٍ وراءَ تاريخٍ ساكتٍ قد هَدَّهُ زمنٌ راقدٌ يتكسَّر كأنه الماضي إذْ يَسّاقَط كَفاكِهَةِ الأنبياء في دوخةٍ من أعالي البِعَاد أو من صُلبِ فِجَاجِ الوهاد أو من قلوب الحيارى حين نامت على ماضي الذكريات).
أفِقْ يا أخي فَنَحْنُ في الناصية
والعابرون يصرخون: تحيا مصر
فلا يسير في الزِّحَام إلا الزِّحامْ
أما الضجيج فلا يَمَلُّ من الصِّياح:
(يا بيه، يا بيه، يا باشا: لماذا تركتَ لعنةَ الماضي تأتي إلينا في ذكرى الحنين؟)
هل تَذْكُرُ ماذا قال جَمَالُ للمعوزين:
(ارْفَعْ رأسَك يا أخي… قبل أن يموتَ فينا الكبرياء
وتَعْقِدَ مِصْرُ وَعْدا بالهزيمة مع الأعداء).
قرب الزمالك، في شارع ظليل غَامَتْ سحنتي، ذَبُلَت أيادي السائقين
الحافلات زرقاء تعدو مِنْ تَعَبٍ
وصراخُ الراكبين وآيات من الوهم والهَمِّ والهِرَاشِ والنقاش
وعلى الرؤوس أصنافٌ من الطيور الغريبة تقول للناس:
(إنَّ البكاءَ خَيْرٌ لكم من جَمْرِ الهواء).
هنا الأشجار الحزينة الساقطة على الظلال
أما الحجارة فقد أينعت في الشارع المُبَلَّطِ بالأنين
وحين ضاقت بالسَّاكنين
هَوَتْ شارِدَةً إلى قَعْرِ الأسى
(حتى صار دمي من ثراها ماء).
الطرق المكدودة لا تبالي بالراجلين
عَسَسٌ في الطريق، وفي المعابر، وعلى الكوبريهات المرفوعة إلى السماء
عسس كأنما بهم يُتْمٌ
لم يناموا من قبلُ
لم يولدوا من بعدُ
لم يكونوا،
(أثوابهم رَثَّةٌ والرجل حافية)
يا أيها “الرُصافيُّ” الحزين
كأنما خرجوا من باطن الأهرام
إلى قمة اليأس
يركضون صوب الرياح.
عسس حيارى يمشون في (الميدان)
وحين يراقبهم “حَرْب” من شرفة العين
ثم يعود إلى الخلف
يقولون له في ذُلٍّ:
أيادينا يا “طلعت” مُدَرَّجَة بالدماء
أما “الشهداء” فقد تاهوا في سيناء قبل الهزيمة
وقبل الجريمة
وقبل وفاة أم كلثوم وهي تَصْرُخُ في صَخَبْ:
(أصبح الآن عندي بندقية)
فَقُلْ للشاعر في سكينة
إنَّ النصرَ لا يُحالفُ العربْ.
قل لي يا صديقي لماذا الشعر ُ
، شعر الشاعرِ شعرٌ مشوي بحرقة كالصدأ
صدأ الصدى
صدى الصدأ
صدى الصدى في أقدام الغرابا الغاربين الحفاة إلا من لهيب الرمل والحصى والغربة ها هنا وهتالك
والنيل صامت صام عن الثرثرة والعوامات
تلثغ بنبيذ الخواجا
صدأ الصدى صدى
والسرعة كالبطء والقهوة السادة للسادة و السلام تمام النياشين
كم من دنقل ستدلق كي أستطيل مسطول الجناح
حيث الأنف التي غيرت تبان قيصر ولم ينتصر المعز على المماليك
و الغزاة يأمرون هاتو لنا امرأة العزيز و القفة التي حملت أساطيرنا للشهر العقاري والمؤبد حكم نافذ في بهية القناة والدلتا والمعادي محمية ديبلوماسية.
مالي أهذي كأن بي عصا من حية موسى حين يكلمني الإله في الوادي المقدس لأبيعه سدرة المبتدأ و المنتهى وزيد الهلالي
رجل فقط في بيتنا قبل أن يغرق الكرنك في خيال المسافر
وأوراق الأرز والبابيروس
عبد الناصر يا بهية يتقلب في مرقده من يبيعه من يشتريه الجميل جمال.