عندما تسرق الحرب أحلامنا وتحطّم آمالنا
“إنها الحرب يا أبتِ.. حيث يغدو احترام الروح البشرية نوعا من النفاق”
أحمد خالد توفيق
ربما اعتادت أعيننا وتعّودت رؤية مشاهد مؤلمة حدّ الوجع وفي غاية القساوة، في حروب بلغت أقصى ضراوة واشتدّت حدّتها، من قتل وسفك دماء الشّهداء بهذه البشاعة والفظاعة. على قول الكاتب أحمد خالد توفيق: “إنها الحرب يا أبتِ.. حيث يغدو احترام الروح البشرية نوعا من النفاق“.
يستشيط القلب غضبا وفي داخله حزن يفيض. ملاعب وبساتين تحولت لمقابر شهداء وُوريت أجسادهم الثرى، وطفولة مغتصبة تعيش أحلك أيامها، تظل محرومة من لذة الحياة، حتما إنها الطفولة المعذبة، وامرأة حامل أجبرتها الظروف القاسية والمزرية على الولادة تحت الخيام وتحت وطأة الحرب.
” كانت لنا حياة بسيطة، هادئة ومتواضعة، تجلب قدرا ضئيلا من السّعادة، فتحولت إلى جحيم وسط كمّ هائل من المعاناة اليومية المعيشية “.
فصول المأساة لا تتوقف أمام عدوّ ظالم غاشم يتوعّد بشدّة، لا يفقه ولا يفهم لغة الإنسانية، وعطش يُهدّد البشر والحجر، وأمراض تٌحاصر، والبحث عن ملجأ محصّن نقصده ونحتمي به صار جزءا من المعاناة أو بات من المستحيلات.
بين عشية وضحاها تحول منزلنا الجميل إلى حطام وكومة رُكام، ركام على أشلاء وشهداء لا يحصرهم العدّ، انهارت بيوتنا كما انهارت أحلامنا فأصبحت غير سارية الفعّالية، تعيسة وبعيدة المنال.
قصفوا بيتنا وأحرقوه، فما عاد لنا مسكن ولا مأمن. وسط جنون الصواريخ، في لحظة خاطفة، تفقد أعز من أحببته. إنها حرب مرعبة هديرها يكاد لا ينقطع، كأنك تسمع صوت الرعد الشديد المتكرّر والمتقطّع، وقذائف تسقط الواحدة تلو الأخرى وسط وابل من النيران.
سرقت الحرب أحلام وآمال أناس كثر. أمّ تبكي بعد فقدان فلذة كبدها… فكيف لها أن تحيا من دون طفلها؟ طفل آخر تائه يصرخ بأعلى صوته بحرقة وسط الرّكام، بحثا عن فرد من أفراد عائلته من المفقودين جراء قصف عنيف لا يرحم.
ماذا عن الأسرى ومصير من تم اعتقالهم في سجون الاحتلال ظلما وعدوانا ؟.. أسير سجين خلف جدران منتنة معفنة ولم يرتكب أدنى جريمة. يجلس في حجرة مظلمة، غرفة معتمة، حتى ضوء الشمس لا يشعّ فيها من انبلاج الصبح إلى مغيبها، والتعذيب يلاحق جسده، كأننا في زمن العبودية، ضرب وعزل وتجويع، ومعاناة لا تنتهي.
في زمن الحروب ينهار في الإنسان جموحه وطموحه وينتهي شغفه ويصدأ، يحسب الوقت بالساعات، وكل آماله أن تنتهي الحرب في أسرع وقت.