التنسيقية والنقابة: بدائل وتوافقات، جدال الأقوى والأنسب
أزمة النقابة اليوم، مرتبطة بالديمقراطية الداخلية وتراجع التداول عن المسؤولية، وهيمنة السلوكات البيروقراطية والتسلق التنظيمي. كما نلاحظ أن مؤتمرات معظم الإطارات النقابية الديموقراطية تراجعت عن النقاش والتداول في الافكار والمشاريع الكبرى، إلى الانشغال الكبير بالأجهزة والمواقع القيادية وهذا مؤشر خطير.
كثيرا ما تقول التنسيقيات إن النقابات “خائنة في الميدان”. وتقول إنها تفاوض ولا تناضل على مطالب الشغيلة.
ملاسنات كثيرة بين النقابة والتنسيقية، طفت على السطح عقب توقيع اتفاق بين الحكومة والنقابات الأربع لحل أزمة التعليم.
هناك خيط رفيع بين ظهور التنسيقيات في مجموعة من القطاعات، وسيرورة استمرارية العمل النقابي. ربما لأفول النضال النقابي، كما هو الحال بالنسبة لأفول السياسة اليوم، وربما لأن الحاجة للتنظيمات النقابية صارت أكثر تجاوزا عند البعض.
هل أفلت النقابة؟ وهل هذا الأفول كان على حساب تقوية التنسيقيات؟ وهل لا زالت النقابة تلعب أدوارها، على الرغم من التأرجح بين الحضور والغياب في قطاع على حساب آخر؟
أزمة نقابة ونقابة الأزمة
محمد امباركي، باحث في علم الاجتماع، يقول في حديث لمرايانا إن الحركة النقابية بالمغرب، دائما ما كانت تعيش أزمة ذاتية وموضوعية. أزمة تمتد إلى ما بعد التقسيم الذي عرفته في المغرب، حيث انتقلنا من نقابة واحدة، إلى مشهد نقابي يضُم أكثر من عشرين نقابة.
حسب الباحث، المشهدُ النقابي تُشكل فيه النقابات المِجهرية الجزء الأكبر. مما يعني أن النقابات ليسَ لها عمق مجتمعي وامتداد اجتماعي، بالإضافة إلى ما يمكُن وصفه بالحصار والتضييق على الأطراف النقابية الجادة، وهذه مسألة لا يجب أن تغيب.
يؤكد مباركي أن المجال هنا يدعونا لاستحضار إضرابات 1981، والذي دعت له الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والإضراب العام الذي دعا له الاتحاد العام للشغالين والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وما نتج عنه من انتفاضة في فاس سنة 1990.
يورد الباحث أن هذه المعطيات كانت تبين الارتباط الجدلي بين العمل النقابي والنضال الديمقراطي السياسي، وهذه هي الحلقة المفقودة في هذه المرحلة الحالية للعمل النقابي، أي الربط بين المعارك النقابية وبين المعركة الديمقراطية بشكل عام.
نقيض البيروقراطية
أسامة أوفريد، ناشط سياسي و”عضو التنسيقية الوطنية للأساتذة وأطر الدعم الذين فرض عليهم التعاقد”، يقول في حديث لمرايانا إن التنسيقيات جاءت كرد فعل طبيعي على “البيروقراطية النقابية”.
حسب أوفريد، فالنقابات أصبحت تخدم مصالحها الذاتية أكثر من مصالح الشغيلة التعليمية. لكنه يعتبر أنَّ هذا لا يعني أنها ستحل محل النقابة أو ستعوضها، فالنقابة إرث تاريخي وتضحيات على مستوى العالم، مما يفرض على الشغيلة التعليمية اليوم الانخراط أيضا في النقابات من أجل دَمقرطتها وإرساء خط نضالي.
علاقة بتنسيقية التعاقد، التي تلعب دواراً محوريا في تأطير ومواكبة أستاذة التعاقد، فقد تأسست التنسيقية بتاريخ 4 مارس 2018 عقبَ بيان تأسيسي تقول فيه التنسيقية إنَّ قطاع التعليم يعيش أزمة بنيوية منذ سنين. التنسيقية في بلاغات وخرجات عديدة تدين مجموعة من النقابات، معتبرة أن جزءًا من هاته الأخيرة ساهمت في تأزيم وضع التعليم في المغرب.
من بين مواقف التنسيقية تجاه النقابات، ما اعتبرته رضوخ هاته الأخيرة تجاه اتفاق 14 يناير 2023، فضلا عن موقفها الأخير من توقيع اتفاق 10 دجنبر 2023، والذي زاد من حدة الخلاف بين التنسيقية والنقابة.
في سياق ما يصفه بالتراجع النقابي، يقول أوفريد إن التنسيقية تلعبُ اليومَ دورا هاماً في الحراك التعليمي الذي يعرفه الشارع، لأنه أخذ المبادرة في حراك الأساتذة، وهو ما اعتبره المتحدث وعيا ونضجا نقابيا، قد تجلى في انتقالها من الفئوية إلى نضال أكثر تجذرا في المجتمع، مع المناضلين التقدميين والديمقراطيين المتواجدين في باقي النقابات.
المتحدث قال إن التنسيقية سعت لاستغلال هاته الظرفية التاريخية من أجل إرجاع باقي النقابات إلى دورها النضالي، وتجذير الوعي الديمقراطي بداخلها، لأن للنقابة دورا تاريخيا في توحيد النضالات وتجذيرها بشكل أقوى داخل المجتمع.
نضالات مرحلية
الحسين اليمني، مسؤول نقابي بالكونفدرالية الديمقراطية للشغل، يقول في حديث لمرايانا، إنه ليس هناك تجاذب بين التنسيقيات والنقابات، ومن الصعب وضعهما في صف واحد، لأن التنسيقيات هي حاجة لحظية معينة تفرضها الظروف أو المطالب المتعلقة بفئة معينة وفي وقت معين ومن أجل غرض معين في لحظة معينة.
حسب المتحدث، فــ “التنسيقيات تدخل في إطار ما يمكن أن نسميه بالمناضلين الزبناء، همهم هو المصلحة المحدودة لفئة معينة. تنتفي احتجاجاتها ومطالبها بتحقيق المطالب أو باستحالته تحقيقها”.
يقول اليمني: “حينما نتحدث عن النقابات، فإننا بصدد الحديث عن مؤسسات دستورية بمنطق القانون، تأسست على أساس الاستمرارية والديمومة. همُّها هو الدفاع على الحقوق المادية والاقتصادية والاجتماعية للأجراء”.
هذا الفهم الذي أبداه اليمني، يحيل على أن النقابة تتقاطع مع السياسة العامة للدولة “فيما يتعلق بالشغل والتوظيف وحقوق ومكتسبات الطبقة العاملة” وفق تعبيره.
يشير النقابي إلى أن النقابة مؤسسة على الدوام وطول الوقت. الخطاب الذي يفيد أن النقابة منتهية غير صحيح، فالنظام العالمي مبني على الاستغلال، وحيثما كان هناك استغلال فلابد من المواجهة، والنقابات هي الأكثر قدرة على المواجهة.
يقول اليمني: “قد تختلف أساليب النضال حسب تطور المجتمعات، غير أن النقابة تبقى محافظة على دورها المركزي المرتبط بالتأطير والتنظيم الجماعي للأُجراء، سواء كانوا في القطاع العام أم الخاص، والدفاع عن حقوقهم فضلا عن المساهمة في دمقرطة المجتمع”.
حياة النقابة وموتها
بالعودة للباحث في السوسيولوجيا محمد مباركي، فإنه يقول إن الحديث عن ظهور التنسيقية وموت النقابة ارتبط بتطورات الليبرالية المتوحشة، ومن أبرز تجلياتها: التغول الرأسمالي وضعف الآليات التقليدية في المقاومة من الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، فضلا عن تجدد أدوات الصراع الاجتماعي في سياق ظهور حركات احتجاجية واجتماعية، تأخذ أبعادا سوسيومجالية محلية، وأحيانا فئوية من قبيل التنسيقيات.
حسب مباركي، فإن التنسيقيات ظهرت في سياق هذه التطورات، ولو أنها لا يُمكن أن تشكل بديلا عن التنظيمات النقابية، ولا مؤشرا على أفول النقابات رغم المشهد النقابي المتصدع. التنسيقيات، حسب مباركي، لا تشكل إلا تعبيرا عن أزمة يعيشها العمل النقابي في المغرب.
المتحدث أورد أنَّ أزمة النقابة اليوم، مرتبطة بالديمقراطية الداخلية وتراجع التداول عن المسؤولية، وهيمنة السلوكات البيروقراطية والتسلق التنظيمي. كما نلاحظ أن مؤتمرات معظم الإطارات النقابية الديموقراطية تراجعت عن النقاش والتداول في الافكار والمشاريع الكبرى، إلى الانشغال الكبير بالأجهزة والمواقع القيادية وهذا مؤشر خطير.
يقول مباركي: “أفقُ التنسيقية واضح، يتجلى في أبعاد فئوية محصورة قابلة للضبط والاستيعاب في أية لحظة من طرف الدولة، لكن هذا لا يمنع القول بأن هذه التنسيقيات جاءت بنباهة، وفي إطار التعامل مع الآليات الاحتجاجية التي لها تأثير”.
يحذر المتحدث من بناء الشرعية على أنقاض العداء للعمل النقابي، أو تكريس الثقافة المضادة للنقابة، مؤكدا أن هاته الشرعية لا تخدم لا التنسيقيات ولا النقابات، بل تخدم الفكرة المعادية للاحتجاج بشكل عام. والحقيقة، يقول المتحدث، هناك تنسيقيات تمكنت من إنتاج فرص حقيقية للتعبئة، كالأطباء و”الاساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”.
ختاماً، يقول المتحدث أنه من المهم أن يتأثر عمل التنسيقيات ومعاركها، ضمن رؤية تضامنية وتقاطعية تقوم على دعم الإطارات النقابية والسياسية الديمقراطية، وتفادي السقوط، عن وعي أو بدون وعي، في خدمة استراتيجية الدولة في إضعاف ادوات الصراع الاجتماعي.
مقال جميل يعطي فكرة واضحة على ما أل اليه الوضع بين النقابات والتنسيقبات ما اريد ان اظيفه لاغناء المقال هو اننا نعيش ازمة نكران الذات من الطرفين وهو الشرط الالح لتجاوز المرحلة الراهنة وبه وعليه يتحقق عامل التلاحم والقوة التي بإمكانها الوصول للضغط المغير المؤدي بالطبع إلى تحقيق المطالب وهنا يطرح السؤال الذي يجب التعمق في تحليله مادامت المطالب نفسها من طرف الطرفين فما سبب هذا التباين في منهجيات العمل؟ وما سبب هذا التطاحن؟ إن الوقوف على مثل هذه الحيثيات من شأنه أن يوضح بجلاء سبب الازمة كما من شأنه كشف الخبايا المستور.
نقطة ثانية ربما اغفلها المقال هي: فعلا نضال التنسيقيات قد يكون مرحلي معرض للأفول إما بتحقيق المطالب او بعدم القدرة على المواجهة نظرا لفعل الزمن او قوة النقيض عكس النقابات التي تستمد قوتها من التجدر التاريخي ومناخ النضال الدولي والارتباط بالفعل السياسي لكن لا يجب أن نغفل بأن التنسيقيات عبر مسارها قد تأسس لثقافة الاحتجاج النضال العفوي مما قد يدفع بأغلب زعمائها ومنخرطيها إلى التفكير إلى الانتقال إلى الانخراط واقتحام النقابات وبالتالي سنشهد نقابات بقيادات ذات عقلية التنسيقيات وهذا امر محتمل بدافع الجدل التاريخي وسيرورة الزمن خصوصا وان اغلب الزعامات النقابية الحالية أصبحت مسنة وحثما سيصلها التغير والتعويض لتبقى الأسئلة الجدلية التالية مطروحة
هل ستبقى الزعامات التنسيقية محافظة على نهجها ومبادءها حتى ان تمكنت من الوصول واختراق النقابات ام ستغير جلدتها؟
ما المانع الحقيقي الذي يقف وراء تفكير عقلاني حكيم قد ينتج تلاحم التنسيقيات والنقابات ما دامت ان لهما نفس الأهداف خدمت الشغيلة؟
ما مدى قدرة المخزن على احتواء زعامات النقيضين له؟
أسئلة متروكة للزمن للإجابة عليها.