دعم وتفقير وسياسيات جبائية غير مفهومة: أبرز سمات قانون المالية الجديد
من المفروض أن يتساوى توسيع مستوى الفئات المدعومة مع إصلاح نظام الجبايات الذي يحتاج الى العدالة، فالطبقات المتوسطة لا تستفيد من خدمات الدولة في قطاعات أساسية، كالتعليم والصحة، وتؤدي الضرائب دون الاستفادة منها، مما يؤشر على أنها الطبقة الأكثر تأثرا.
صادق المجلس الحكومي المنعقد يومَ الخميس 19 أكتوبر، على مشروع قانون المالية رقم 55.23 لسنة 2024، والنصوص المصاحبة له.
الحكومة، في بلاغ للوزارة المنتدبة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، قالت إنها ستعطي الأولوية لبرنامج إعادة تأهيل المناطق المتضررة من الزلزال، وإرساء أسس الدولة الاجتماعية، ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية وتعزيز المالية العمومية.
هل تسعى الحكومة المغربية لتنزيل مشروع الدولة الاجتماعية؟ كيف سيتم تنزيل الدعم الاجتماعي للأسر وما العراقيل الممكنة في ظل التضخم والاقتراض الخارجي؟
تفقير وجرأة مفقودة
مهدي لحلو، محلل اقتصادي وأستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، يقول في حديث لمرايانا إن الدولة الاجتماعية تظهر من السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وعلى المستوى المالي عن طريق قانون المالية، ومشروع قانون المالية المعروض أمام البرلمان، لا يعكس تصور الدولة الاجتماعية.
حسب لحلو، بالنظر للاقتطاعات والضرائب، يظهر جليا أن المشروع ليس اجتماعيا. هناك حديث عمَّا سيُمنح للطبقات الهشة، إلا أن ما سيُمنح سيُأخذ من جهة أخرى من نفس الطبقات، ومنها المتوسطة الدَّخل، وهذا تفقيرٌ لهذه الطبقات دون إغناء للطبقات الضعيفة.
يقول لحلو: هناك بعض الأرقام التي تفيد أن الحكومة تتجه لإضعاف الطبقات المتوسطة؛ فيما يتعلق بالموارد المرتبطة بالضريبة المباشرة فقد ارتفعت إلى % 3.34 في حين سترتفع الضرائب غير المباشرة بـ% 6.38.
حسب المتحدث، فإن ضريبة رسوم التسجيل والتنبر سترتفع إلى %20.84، في حين حصيلة مؤسسات الاحتكار ومساهمات الدولة لن ترتفع إلا بنسبة 0.08%، بحيث أن الشركات العمومية والقطاعات التي تحتكرها الدولة، زيادة عائداتها هامشية، ولن تسمح بالتوصل لموارد كافية للمساهمة في النفقات الكبرى للدولة، وهي النفقات المرتبطة بعواقب الزلزال، والنفقات المرتبطة بتنظيم المغرب لكأس افريقيا سنة 2025 ثم تنظيم كأس العالم سنة 2030. هاته التظاهرات مفرحة، إلا أن الحكومة لم تُقدم التوضيحات المتعلقة بنفقات تنظيمها.
ضرائب مُنهكة
أما الضريبة على القيمة المضافة، فيقول لحلو إنها سترتفع بنسبة %11.72، كما أن ضريبة تملُّك السيارات سترتفع إلى %26.43، ثم إن حصيلة الضريبة السنوية الخاصة على السيارات سترتفع لـ %9.91 سنة 2024، وحصيلة الرسوم المفروضة على عقود التأمينات سترتفع ل %17.13 في حين حصيلة التنبر على وثائق السيارات سترتفع لـ %37.2.
“استهلاك الماء الصالح للشرب والصرف الصحي والكهرباء أصبح خدمة عمومية ذات كلفة باهضة”، يقول لحلو، فهذا الارتفاع يزيد كلَّ سنة. فنسبة الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة لماء الشرب سترتفع من %7 اليوم، والى %8 سنة 2024. أما الكهرباء، فقد ارتفعت الضريبة من %4 إلى %16.
هل هاته الأرقام تعكس سمة الدولة الاجتماعية أم سمة سياسة نقيضة؟ يجيب لحلو: الدولة ليست لها الجرأة للقيام بإصلاح ضريبي متكامل، سن ضرائب على الشركات الكبرى المستفيدة من الأزمة الصحية ومن الزيادات في قطاع المحروقات. كما أنها لا تتوفر على الجرأة للبحث عن الأموال المهربة أو المستعملة بشكل غير قانوني، وهذا يصب في منحى واحد وهو التوجه غير الاجتماعي الذي تسير نحوه الحكومة المغربية.
مشروع قديم جديد
المحلل الاقتصادي وأستاذ العلوم الاقتصادية ياسين عليا، يقول لمرايانا إن مشروع قانون المالية جاء بِنَفَسْ المحافظة على التوازنات الماكرو-اقتصادية وتعزيزها وتخفيض مستويات العجز، من خلال الرفع من مستويات المداخيل ومحاولة ترشيد النفقات، مما سيؤثر نسبيا على المواطن.
المتحدث أكد أن المشروع جاء بعد الزلزال، وتوفير السيولة المالية الضرورية لمتطلبات إعادة البناء، وكذلك دخول ورش توسيع قاعدة المستفيدين من التغطية الاجتماعية، ودخول برنامج الدعم الاجتماعي المقدم للأسر المعوزة.
حسب عليا، فإن معدلات النمو المقترحة، والتي تقدر بحوالي %4.3، تبقى غير كافية للحد من إشكاليات ارتفاع مستويات البطالة واستقرارها بعد الجائحة، وعدم تراجعها على الصعيدين الدولي والوطني بارتفاع مستويات التضخم، وإن تراجعت عن سنة 2022، غير أنها تبقى مرتفعة مقارنة مع الفترات السابقة.
عليا أورد أن مراجعة الدعم المخصص للأسر تأتي في خضم سياسة اجتماعية تعتمد على الدعم المباشر، من خلال برنامج توسيع الاستفادة من التغطية الاجتماعية، التغطية الصحية، التعويضات العائلية، بالإضافة الى الدعم المباشر للفئات الهشة، وهذا يحتاج الى ميزانية.
المتحدث قال إن الميزانية تم اقتطاعها من الميزانيات المخصصة لصندوق المقاصة. سابقا، كانت ميزانية صندوق المقاصة مرتفعة، أما حاليا، فقد تم تقليصها لحوالي 16 مليار درهم. هذا الرقم الكبير الخاص بميزانية الدعم لصندوق المقاصة، يؤشر على بداية الإصلاح.
عليا نوَّه بالورش، غير أنه جاء في ظل استمرار للتضخم، والفاتورة ستؤديها الفئة الأكثر تضررا من السياسات الاقتصادية والجبائية. فالدولة، حسب المتحدث، بتوسيعها للضرائب غير المباشرة، ما ستمنحه ستتراجع عنه من الضريبة على القيمة المضافة؛ وهي ضريبة عمياء لا تفرق بين الدخل المتوسط أو الضعيف…
اللجوء للاقتراض الخارجي رَهَنَ الاقتصاد المغربي منذ عقود. يقول المتحدث: “مسألة طبيعية بالنسبة للاقتصاد الوطني. ناهيك عن اللجوء إلى مساهمات الدولة في القطاع العمومي والتوجيهات حول القطاع الخاص أو مع الخوصصة والتي يُتوقع بلوغُ مداخلِها حوالي 9 ملايير درهم”.
مُجازفة ومُقامرة
يؤكد عليا أن الاقتراض الخارجي يحتاج الصرامةَ المالية والجبائية في توزيع مصاريف ميزانية الدولة، لأنها ستخضع للضوابط المحددة من المؤسسات المالية الدولية، والمغرب يعتبر تلميذا نجيبا يُعزز حضوره من أجل الولوج إلى السوق المالية الدولية، رغم أن وضع المغرب إيجابي، ويُمَكِنه من الاستدانة بفوائد قليلة باعتباره زبوناً مضموناً.
يرهن الاقتراض الخارجي السياسة الاقتصادية وربما المالية، من خلال فرض التعويم الكلي للدرهم. هذا يُخلف آثارا سلبية على الاقتصاد الوطني، بفقدهُ القدرة على مسايرة القرار الذي يحملُ عواقب وخيمة في ظل التضخم وارتفاع الأسعار دولياً، وهذا قد يُؤدي إلى عدم قدرة المغرب على تنزيل البرامج الاقتصادية والاستثمارية الاجتماعية، والتي يعمل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على الحد من آثارها من خلال تقليص مساهمة الدولة في القطاعات الاجتماعية.
علاقة ببرنامج توسيع التغطية الاجتماعية، يقول عليا إنه هام بالنسبة للمواطن، لكنه سيضغط عليه من خلال تقليص الدعم في أفق إلغاء صندوق المقاصة، علما أن الدعم المُقدم حاليا يهُم جميع الفئات، وبالتالي ستكون الطبقة المتوسطة أكثر تضرراً.
بالنظر إلى مستويات الأجور، فإنها قد ظلت ثابتة على الرغم من الرفع من مستوى الأجر الأدنى في القطاع الخاص، غير أنه ما زال ضعيفا ولا يضمن للمواطن المغربي مستويات الكرامة والعيش الكريم.
حسب عليا، فمن المفروض أن يتساوى توسيع مستوى الفئات المدعومة مع إصلاح نظام الجبايات الذي يحتاج الى العدالة، فالطبقات المتوسطة لا تستفيد من خدمات الدولة في قطاعات أساسية، كالتعليم والصحة، وتؤدي الضرائب دون الاستفادة منها، مما يؤشر على أنها الطبقة الأكثر تأثرا.
يؤكد عليا، أن الدعم الاجتماعي سيُحسن مستوى فئات هشة. بالمقابل، فإن اعتمادُه على السجل الاجتماعي الموحد سيؤدي الى تراجع القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة التي ستؤدي ثمن هذا الدعم.
كثيرة هي الإشكالات المرتبطة بمشروع قانون الميزانية والذي من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ دون نقاش في ظل استمرار تغييب دور المعارضة، لتبقى السمة الأبرز للمشروع الجديد: أين هي الدولة الاجتماعية؟ فضلاً عن معيقات أخرى، تبقى رهينة اقتصاد وطني لا يبدو أنه يتجه نحو تحقيق هذا الهدف.