حكم قضائي يعتبر التزويج العرفي بطفلة اتجارا بالبشرحكم يفتح النقاش حول تزويج الطفلات عرفيا
المحكمة الابتدائية بالقنيطرة اعتبرت رضا الطفلة منعدما رغم تأكيدها في محضر الشرطة أنها عاشرت المتهم برضاها، وجاء في حكم المحكمة بهذا الخصوص “لا عبرة لرضى المشتكية من الناحية القانونية في مرافقة المتهم أو ممارسة الجنس معه، طالما أن نقصان الإرادة مفترض فيها باعتبار سنها القاصر”
قضت المحكمة الابتدائية بالقنيطرة بعدم الاختصاص للنظر في قضية مرتبطة بتزويج طفلة بشكل عرفي، معتبرة أن المتهم استغل طفلة فاقدة لحرية تغيير وضعها استغلالا جنسيا عن طريق استغلال حالة ضعفها وهشاشتها وحاجتها إلى مأوى بعد مُواعدتها بالزواج. هذه القرائن دفعت المحكمة لاعتبار الفعل ليس جنحة، وإنما جناية تتعلق بالإتجار بالبشر.
تعود تفاصيل القضية إلى شكاية تقدمت بها طفلة إلى خلية العنف ضد النساء تقول فيها إن زوجها انتزع منها رضيعتها، وامتنع عن تمكينها منها. في معرض شكاياتها، أضافت الطفلة أنها مجهولة الأب، وأن والدتها تخلّت عنها، فتكفّلت بها أسرة، وخلال فترة كورونا، قررت الأسرة البديلة إحالتها على أحد دور الأطفال المتخلّى عنهم، ونتيجة لخصامها المستمر مع العاملين بهذه المؤسسة، اضطرّت إلى مغادرتها.
قالت المتحدثة إنها أصبحت تعيش مع المتهم، والذي كانت تعاشره معاشرة الأزواج، وهو ما نتج عنه حمل لتلد طفلتها منذ ثلاثة أشهر. كما أوضحت المشتكِية أن المتهم، ومنذ أربعة أيام من تقديم شكايتها، يمنعها من ابنتها وهو ما حال دون إرضاعها بطريقة طبيعية، كما أنه يعرضها للضرب والاعتداء؛ مضيفة بأنها تعرضت للاغتصاب من طرف شخص آخر منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، أي حينما كان عمرها يقلّ عن 13 سنة.
المتهم اعترف خلال الاستماع أنه تعرف على المشتكية القاصر منذ حوالي سنتين، حينما كان عمرها أقل من 14 سنة، حيث أخبرته بأنها تعرضت للاغتصاب، فاصطحبها إلى منزل أسرته، وكان يعاشرها معاشرة الأزواج إلى أن حملت منه وأنجبت طفلة. المتهم وضح أنه، ومنذ حوالي أربعة أيام من توقيفه، دخل في خلاف مع المشتكية التي تركت ابنتها معه، وغادرت الى مكان غير معروف، قبل أن تعود بعد أيام صحبةَ عناصر الشرطة حيث تم توقيفه حينها، وسلم الرضيعة لوالدتها المشتكية القاصر. مضيفا، أنه مارس الجنس على الطفلة عدة مرات، مشددا على أنه يعلم بكونها قاصر، وأنه كان ينوي الزواج بها.
موقف غير مسبوق
قررت النيابة العامة متابعة المتهم من أجل جنحة العنف والتغرير بقاصر وهتك عرضها بدون عنف، طبقا للفصول 400 و475 و484 من القانون الجنائي. وخلال المحاكمة تشبث المتهم بأقواله التمهيدية، فأصدرت المحكمة حكمها بعدم الاختصاص للبث في القضية لكونها جناية اتجار بالبشر، معتمدة على أن المشتكية قاصر لا يتجاوز عمرها السادسة عشر سنة.
واعتمدت المحكمة على اعتراف المتهم باصطحابه المشتكية القاصر معه إلى منزله، وكونه مارس معها الجنس عدة مرات، كما أنه كان على علم بقصور سنها.
لا عبرة لرضى المشتكية من الناحية القانونية في مرافقة المتهم أو ممارسة الجنس معه، طالما أن نقصان الإرادة مفترض فيها باعتبار سنها القاصر، تطبيقا للمادتين 209 و210 من مدونة الأسرة.
المتهم، بمجرد اصطحابه المشتكية القاصر إلى منزله بعد مغادرتها للمؤسسة الخيرية ومكوثها معه لمدة سنتين، وممارسة الجنس معها خلال هذه المدة إلى أن حملت ووضعت حملها منه، يكون قد استغل قاصرا فاقدة حرية تغيير وضعها استغلالا جنسيا، بعدما استدرجها واستقبلها وآواها بمنزل أسرته، وذلك عن طريق استغلاله لحالة ضعفها وهشاشتها وحاجتها الماسة إلى مأوى كمُتخلى عنها ومُغْتَصبة في وقت سابق، بعدما وعدها بالزواج منها طيلة تلك المدة؛ مما يعد معه مرتكبا لجناية الاتجار في البشر تطبيقا للفصل 448-1 في فقراته الأولى والثانية والثالثة والفصل 448-2 من القانون الجنائي.
نظرا لإتيان المتهم هذا الفعل مع القاصر المذكورة، بصفة متكررة ومعتادة حسب الثابت من تصريحاته المفصلة أعلاه؛ فإن البناء القانوني العادي لجناية الإتجار في البشر كما هو مقرر في الفصلين أعلاه، يكون قد اقترن بالظرف المشدد المنصوص عليه في البند 6 من الفصل 448-3 من ذات القانون، والمتمثلة في: “الاعتياد”.
كلما اقترن فعل التغرير وهتك عرض قاصر دون عنف بعناصر جريمة الاتجار في البشر، المنصوص عليها في الفصول 448-1 و448-2 و448-3 من القانون الجنائي، ولا سيما قصد الاستغلال، إلا وتغير وصفه، وأصبح ذا صبغة جنائية وليس جنحية.
حكم نادر
هذا الحكم الصادر عن محكمة القنيطرة يعيد النقاش القديم – الجديد حول تزويج القاصرات عرفيا، حيث يلجأ كثيرون إلى تزويج الطفلات عرفيا، وعند تعرض الطفلة إلى عنف أسري ولجوئها إلى القضاء يطرح تكييف هذا الفعل، بحيث تلجأ بعض المحاكم إلى تكييف هذه العلاقة على أساس أنها تغرير بقاصر أو هتك لعرضها بدون عنف. في المقابل، تلجأ محاكم أخرى لاعتبار هذه العلاقة بأنها زواج غير موثق، وتكيف الفعل باعتباره عنفا في إطار الفصل 400 من القانون الجنائي.
في سياق متصل، تلجأ عدد من المحاكم في مناقشتها لجرائم العنف الممارس ضد طفلات في إطار التزويج العرفي الى عدم مناقشة وجود الزواج العرفي من عدمه، خاصة بعد انتهاء الأجل القانوني المحدد في المادة 16 المتعلقة بثبوت العلاقة الزوجية غير الموثقة، وتعتبر أن أي علاقة جنسية تمت بين طرف راشد وطفلة تشكل جنحة هتك عرض قاصر بدون عنف، ويمكن أن ترتقي الى درجة جناية إذا كان سن الطفلة أقل من 15 سنة، باعتبار أن العنف مفترض في مثل هذه العلاقات لغياب عنصر الرضا.
المثير في حكم المحكمة الابتدائية بالقنيطرة أنه ناقش توافر الأركان القانونية لجريمة الاتجار بالبشر انطلاقا من وقائع القضية، بعدما تبين أن العلاقة التي ربطت المتهم بالضحية الطفلة، هي علاقة قائمة على استغلال وضعية الهشاشة التي توجد فيها، لكونها ضحية اغتصاب سابق، ولا تتوفر على أي مأوى بعد هروبها من دار الأيتام، كما أن المتهم أضحى يعاشرها جنسيا معاشرة الأزواج بعدما وعدها بتسوية وضعية زواجهما بطريقة قانونية.
تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الابتدائية بالقنيطرة اعتبرت رضا الطفلة منعدما رغم تأكيدها في محضر الشرطة أنها عاشرت المتهم برضاها، وجاء في حكم المحكمة بهذا الخصوص “لا عبرة لرضى المشتكية من الناحية القانونية في مرافقة المتهم أو ممارسة الجنس معه، طالما أن نقصان الإرادة مفترض فيها باعتبار سنها القاصر، تطبيقا للمادتين 209 و210 من مدونة الأسرة “، ويشكل هذا التعليل المتقدم مدخلا أساسيا يمكن الاستناد عليه في المطالبة بحذف المقتضيات القانونية التي تبيح تزويج الطفلات.
من جهته، كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد أورد في دراسة حول المبررات القضائية المعتمدة في تزويج الطفلات، وكذا في تقريره حول تشجيع التبليغ عن العنف ضد النساء والفتيات، إلى وجود إشكاليات حقيقية تواجه عددا من المحاكم في تكييف جرائم العنف ضد الطفلات الممارسة في إطار زواج الفاتحة، والذي أضحى يأخذ صورا ملتبسة مثل زواج الكونترا أو زواج الرهن أو الزواج العرفي مقابل الاعتراف بدين، وهي أفعال قد ترتقي إلى جرائم إتجار بالبشر وذلك بعدما أضحت المحاكم المغربية تتعامل بصرامة مع طلبات تزويج الطفلات المقدمة إليها بشكل غير قانوني؛ وقد أوصى المجلس في هذا السياق بضرورة تجريم تزويج الطفلات وتجريم المشاركة في ذلك.