المغرب: مشاركة وازنة في المنتدى العالمي لحقوق الإنسان في الأرجنتين (صور)
المنتدى، الذي تم تنظيمه من 20 إلى 24 مارس، سجل مشاركة وازنة للمغرب، سواء على مستوى عدد المداخلات أو نوعيتها؛ خصوصا أن الرباط كانت قد نظمت، خلال شهر فبراير، المنتدى التمهيدي لحقوق الإنسان بمشاركة خمسين بلدا، ضمنها الأرجنتين، المنظم الرسمي للدورة الثالثة من المنتدى.
من عاصمة الطانكو (Tango) وكرة القدم، من بلد مارادونا وإيفيتا (Evita) وكارلوس كارديل (Carlos Gardel)، نظمت الدورة الثالثة من المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بالعاصمة الأرجنيتينة بوينوس أيريس.
المنتدى، الذي تم تنظيمه من 20 إلى 24 مارس، سجل مشاركة وازنة للمغرب، سواء على مستوى عدد المداخلات أو نوعيتها؛ خصوصا أن الرباط كانت قد نظمت، خلال شهر فبراير، المنتدى التمهيدي لحقوق الإنسان بمشاركة خمسين بلدا، ضمنها الأرجنتين، المنظم الرسمي للدورة الثالثة من المنتدى.
انطلق حفل الافتتاح بلوحات فنية مبدعة، تحتفي بالحرية بالأمهات والجدات اللواتي ناضلن من أجل حقوق أبنائهن وبناتهن في سنوات الدكتاتورية في الأرجنتين؛ حيث صرح أوراسيو بيطراكالا، الكاتب العام لحقوق الإنسان في الأرجنتين، بأنه، “وفي أسوأ سنوات الإفلات من العقاب والديكتاتوريات العسكرية، كانت لديهن الشجاعة التي لا يمكن أن تتحلى بها إلا الأمهات، شجاعة النضال رغم فقدان أحد الأحباء”.
حفل الافتتاح عرف مشاركة الرئيس الحالي للأرجنتين، مع شخصيات سياسية وحقوقية، معظمها أرجنتينية؛ مما أخل بالبعد العالمي للمنتدى ليعطيه طابعا أقرب للمحلية.
وقد كان المنتدى فرصة لمناقشة عدد من القضايا الحقوقية التي يعيشها العالم والتي تعيشها دول الجنوب تحديدا: العدالة الانتقالية، المصالحة مع الماضي، حفظ الذاكرة، الديمقراطية وحقوق الإنسان، الهجرة وحقوق الإنسان، التغيرات المناخية، حقوق الأطفال والشباب، حقوق النساء والحماية من العنف، حقوق الإنسان في مناطق النزاع…
كما أنه شكل فرصة بالنسبة للمتدخلين المغاربة في هذه الدورة الثالثة من المنتدى العالمي لحقوق الإنسان للتطرق ليس فقط للإنجازات، بل أيضا للإشكاليات والنقاشات المطروحة اليوم في المغرب على المستوى الحقوقي.
الرباط تمهيدا لبوينوس إيريس
معظم أنشطة المنتدى تم تنظيمها في القاعدة العسكرية التي شكلت، في الماضي الأليم للأرجنتين، مركز الاعتقالات والتعذيب، قبل أن يتم تحويلها لفضاء للذاكرة في عهد المصالحة.
في مداخلتها خلال المنتدى، أشارت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب، إلى “الاقتناع الذي أكدته في الرباط (في إشارة لتنظيم الرباط للمنتدى التمهيدي لحقوق الإنسان) والذي تكرره اليوم، بأنه، في النضال من أجل حقوق الإنسان، لم تفشل أصوات الجنوب ولم تفاوض أبدًا. لقد كانت ولا تزال واضحة ومسموعة ولا هوادة فيها لحماية وتعزيز الهدف الأسمى الذي يحركنا جميعًا: الحفاظ على كرامة الإنسان”.
ذكرت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتنظيم المغرب للمنتدى التمهيدي الذي شهد مشاركة 500 مهتم وحقوقي من أكثر من 50 دولة، وحضورًا ملحوظًا للمدافعين عن حقوق الإنسان والخبراء، “حيث ناقش المشاركون التحديات العالمية المرتبطة على وجه الخصوص بثلاثة مواضيع: العدالة الانتقالية والذاكرة، والهجرة، وتغير المناخ، وهما موضوعان يمكن للمغرب أن يتباهى فيهما بتجربة قوية وفريدة من نوعها”، تقول آمنة بوعياش، والتي قدمت مداخلتها باللغة الاسبانية “تكريما للمستضيفين في العاصمة الأرجنتينية” حسب تعبيرها.
الشباب وحقوق الإنسان
بالنسبة لربيعة الكابوس، عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بمنطقة كلميم واد نون، والتي شاركت في ورشة موضوعاتية حول المؤسسات الوطنية المعنية بقضايا الشباب، فالشباب يبقى هو الفئة الأكثر تعرضا للهشاشة الحقوقية.
ربيعة الكابوس، والتي حرصت حتى في زيها على احترام الخصوصية الجهوية الخاصة بمنطقتها بارتدائها الزي الصحراوي المغربي، تطرقت لعدد من الإنجازات الحقوقية (هيأة الإنصاف والمصالحة، تعديل مدونة الأسرة، التعديل الدستوري لسنة 2011 بما رافقه من مسار تشاوري، إلخ): “لم يقدم الدستور الجديد إصلاحات قانونية فحسب، بل غيّر أيضًا الوعي السياسي في المغرب. (…) أثارت صياغة دستور جديد جدلاً واسع النطاق في المجتمع المدني حول الوضع السياسي وحول الحقوق السياسية والاجتماعية والمدنية، كما خلق الدستور الجديد فرصًا جديدة لمجال عمل الشباب، من خلال إضفاء الطابع الرسمي على مفهوم مشاركة الشباب وإنشاء المجلس الاستشاري للشباب والعمل الاجتماعي، حيث يناقش ممثلو الحكومة والمجتمع المدني الأمور التي تؤثر على الشباب”، تضيف ربيعة الكابوس التي لم تنف التعقيدات والتحديات التي تواجه المسار الحقوقي عموما ومسار الشباب تحديدا: “نعم لدينا مشاكل، والأحزاب السياسية في المغرب تواجه صعوبات في تقديم التوجيه والإرشاد للشباب من أجل إعدادهم للمستقبل. نعم، لا تزال لدينا مشاكل في تنفيذ تلك الاستراتيجيات، نعم، لا تزال لدينا مشاكل في التشغيل والتعليم والصحة… نعم، المغرب يبدو أحيانا أنه يقوم بخطوات صغيرة، لكنه على الأقل يمضي قُدمًا، ببطء ولكن بثبات”.
الجنوب: ماضي مشترك وتحديات
بوعياش، التي استقبلها الرئيس الأرجنتيني على هامش أشغال المنتدى، أشارت أيضا في مداخلتها للماضي المشترك بين دول الجنوب في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، قائلة: “أدرك تمامًا أهمية تنوع الخلفيات من أجل الحقوق والكرامة وأدرك أيضًا، بانتمائنا المشترك لأمم في الجنوب، الخصوصية التي نتشاركها، رغم المسافة والاختلاف في اللغة: ماض ثقيل، سواء كان ذلك من مستعمرات سابقة أو ماضٍ مرتبط بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛ ولكنه أيضا ماضٍ حافل بالإنجازات والنجاحات رغم الصعوبات والعقبات الشديدة”.
من جهته، اعتبر عبد الحي المودن، الحقوقي والأستاذ الجامعي للعلوم السياسة بالمغرب والولايات المتحدة الأمريكية، بأن “عدم المساواة بين الشمال والجنوب لا يقتصر على المعرفة، ولكن الأهم من ذلك أنه يتعلق بتمويل مبادرات الموارد البشرية، ووضع جداول الأعمال على المستوى العالمي، وتصميم معايير الامتثال، وفرض العقوبات والتدخل الإنساني، تم الاعتراف بهذا التفاوت”.
كما أشار المودن للتفاوت الحاصل بين التنظير لمفهوم العدالة الانتقالية في الشمال، وتطبيقه على أرض الواقع في الجنوب، مع ما يشوب ذلك من إكراهات وتفاوتات. بالنسبة للمودن، فإن ” المصالحة لا تعني نهاية الخصومات بين الأطراف التي كانت في صراع في الماضي، أو بين الفاعلين السياسيين القدامى والجدد، التي تمت تعبئتها أو إعادة تعبئتها من خلال الأعمال المرتبطة بالذاكرة والتي تبرز في السياقات الجديدة للمصالحة… المصالحة لا تعني نهاية السياسة وصراعاتها. كما أنها لا تضمن استحالة ظهور أشكال جديدة من العنف والقسوة. المصالحة تعني استمرار السياسة في بيئات التغييرات التي تكتشفها البلدان في أعقاب ما بعد الصراع وما بعد الاستبداد، وفي سياقات السياسة المتغيرة باستمرار على المستوى العالمي…. إن ما تفعله البلدان بتراثها وواقعها الجديد ليس له نهاية”.
النقاش الذي طرحته مداخلة عبد الحي المودن يتجاوز، في الحقيقة، سؤال العدالة الانتقالية في حد ذاته، سواء في التجربة المغربية أو في تجارب دول أخرى من أمريكا اللاتينية وغيرها من الدول التي عانت من ماض أليم في مجال حقوق الإنسان؛ بل إنه يطرح سؤال العلاقة بين الشمال والجنوب في بناء مجتمعات الحقوق، سواء على مستوى المفارقة بين التنظير والممارسة، أو على مستوى تمويل المبادرات وترسيخها من أجل البناء الديمقراطي والحقوقي.
ختاما، وكما قال لمودن، فإن “الماضي يحذرنا من الأخطار التي تهدد حقوق الإنسان (…). لكنه يخبرنا أيضًا عن الحدود الحتمية، سواء كانت تاريخية أو تكنولوجية أو اجتماعية اقتصادية أو ثقافية، ويطلعنا بالإضافة إلى ذلك على الإمكانيات اللامحدودة للإبداع البشري في التعامل مع التحديات التي يواجهها، وفعالية الأشكال التخيلية لمقاومة الهيمنة والقمع”؛ لأن مسار الدفاع عن حقوق الإنسان ليس مسارا خطيا أفقيا، بل هو مسار مخاض وتحولات وتراجعات ورهانات… تؤسس جميعها للمصالحة وللحقوق.
مقالات قد تهمك:
- تمهيدا للمنتدى العالمي الثالث: الرباط تحتضن منتدى يؤكد انخراط المغرب في ديبلوماسية حقوق الإنسان
- تضمن الدعوة لتوفير الحماية للفلسطينيين… هذه مخرجات منتدى الرباط العالمي لحقوق الإنسان
- من الأرجنتين: آمنة بوعياش في ضيافة الرئيس الارجنتيني بمناسبة المنتدى العالمي لحقوق الإنسان
- منشورات مرايانا – العدد الأول: نساء في حكاية مملكة
- منشورات مرايانا – العدد الثاني: شباب في مرايانا
- منشورات مرايانا – العدد الثالث: وجع كوكب