سابقة بالمغرب… السجن النافذ لقاتل قطة بتطوان
لأول مرة في المغرب، صدر حكم يقضي بمؤاخذة متهم من أجل المنسوب إليه في قتل قطة، والحكم عليه من أجل ذلك بثلاثة أشهر حبسا نافذا وغرامة مالية نافذة قدرها ثلاثمائة درهم وتحميل المتهم الصائر مجبرا في الأدنى ومصادرة مبلغ كفالة الحضور لفائدة الخزينة العامة وتصفية الباقي طبقا للقانون.
الحكم الذي صدر بتاريخ 23 فبراير 2023، جاء بعد البت في شكاية تقدّمت بها جمعية محلية للرفق بالحيوان. لكن الحكم في حد ذاته يعدّ سابقةً في نطاق تسخير التقاضي لحماية حقوق الحيوانات بالمغرب والانتصار لها.
ما الوقائع؟
اطلعت مرايانا على نسخة من الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بتطوان شمال المغرب، واتضح أن وقائع القضية تعود إلى “انتشار شريط فيديو يوثق لجريمة قتل بشعة لقطة أليفة بيضاء، عندما كانت ذات القطة تحتمي من الكلاب الضالة مختبئة أسفل إحدى السيارات”. وفي ذلك الحين، “دنا منها المتهم وأوهمها بالإحساس بالأمان حتى تمكن من الإمساك بها واستحكم منها عن طريق وضعها تحت قدميه ووقف فوقها إلى أن ضعفت قواها فضربها عرض الحائط، فتوفت في الحين”.
حين تم تداول الشريط الذي مدته 57 ثانية على نطاق واسع، توصلت به ناشطة بجمعية محلية للرفق بالحيوان في مدينة تطوان يوم 28 غشت 2022، فأقدمت على وضع شكاية ضد المتهم، مرفقة الشكاية بقرص مدمج يوثّق للحادثة.
عند الاستماع تمهيديّا للمشتكى به، صرّح أنه “هو من قام بذلك كونه كان في حالة عصبية وعلى وشك الخلود للنوم وأن القط كان يصدر مواء مسترسلا الشيء الذي أقلق راحته وبعدما نزل من منزله من أجل إبعادها وبدون شعور وأمام ردة فعلها الشرسة وذلك لإصابتها له بأظافرها، قام برفسها بقدميه وقام بإلقائها بزقاق مجاور، وأنه بعد إلقائه لها كانت لاتزال على قيد الحياة”.
النيابة العامة قررت متابعة المتهم في حالة سراح مقابل كفالة مالية من أجل جنحة قتل حيوان مستأنس طبقا للفصل 603 من مجموعة القانون الجنائي. لكن، بناء على إحالة ملف النازلة على المحكمة وإدراجه بجلسة 9/2/2023، تخلف المتهم رغم سابق الحضور والإعلام بجلسة سابقة. وتقدم دفاع المتهم تقدم بنسخة من شهادة طبية تثبت أن المتهم يعاني من اضطراب نفسي.
دفاع المشتكى به قدم كذلك دفوعه لإثبات عدم شرعية متابعة النيابة العامّة لغياب مشتك تضرر بشكل شخصي من القضية، سيما وأن الحيوان المستأنس ليس له صاحب، وأن سند تجريم المشرع في القانون الجنائي لفعل قتل الحيوان ينصب أساسا على حماية مالكها ولا يمتد إلى حماية الحيوان نفسه. كما اعتبر الدفاع أن الفعل يعد مجرد مخالفة لا جنحة.
أي تعليل قدمته المحكمة؟
المحكمة الابتدائية بتطوان قررت إدانة المتهم من أجل المنسوب إليه، معتمدة في ذلك على كون “الوثيقة الطبية التي تقدم بها دفاع المتهم لا أثر لها في تقدير المسؤولية الجنائية لأنها، فضلا عن كونها ليست أصلية ومكتوبة بلغة أجنبية، فإنها مؤرخة بعد ارتكاب السلوك الجرمي، ما يجعلها غير منتجة في النازلة لكونها لا يمكن أن تفيد بأي حال من الأحوال في إثبات كون الجاني لم يكن سليم العقل قادرا على التمييز، وفق ما يتطلبه الفصل 132 من القانون الجنائي المغربي”.
كما عللت المحكمة إدانتها بكون القط حيوانا مستأنسا بطبيعته، لا يمكن أن يستثن من مجموعة الحيوانات التي تحظى بالحماية الجنائية للمشرع، على اعتبار أن فصل المتابعة أحال على الفصل 601 من القانون الجنائي الذي أورد كائنات حية على سبيل الذكر وليس الحصر، وهي كائنات قد تكون مستأنسة وغير مستأنسة كالكلاب والأسماك، إلخ.
كما ارتأت هيئة القضاء أنّ الاعتراف التمهيدي للمتهم المضمن بمحضر الضابطة القضائية، وعدم منازعته في مضمون القرص المدمج عند عرضه عليه من قبل الضابطة القضائية في المرحلة التمهيدية، يجعل محتوى الفيديو الذي يظهر فيه المتهم وهو يعتدي بالضرب المتواصل على القطة دليلا صحيحا ومعززا للاعتراف التمهيدي للمتهم.
أكثر من ذلك، ظهر للمحكمة أنه، بالنظر إلى خطورة الفعل المرتكب من طرف المتهم لما يخلقه من اضطراب على مستوى الأمن العام وسكينة المجتمع وسلامة الأشخاص وبيئتهم بدون ضرورة من جهة، ولمساس هذا الفعل الإجرامي بقيم المجتمع التي تمنع الاعتداء على الحيوانات وبالنظر أيضا لخطورة الشخصية الإجرامية للمتهم الذي لم يُبدِ أي ندم على ما اقترفه، ارتأتْ المحكمة جعل العقوبة الصادرة في حقه نافذة خاصة وأن النيابة العامة قد التمستْ تشديد العقاب في حقه.
لكل هذه الأسباب وغيرها، حكمت المحكمة على المتهم بثلاثة أشهر حبسا نافذا، وغرامة مالية قدرها 300 درهم.
نتمنى، في مرايانا، أن يساهم هذا الحكم في التقليل من أعمال الاعتداء على الحيوانات أو قتلها، خصوصا بعدما أبرزت النظم الرقمية العديد من الأحداث المماثلة.