في انتصار لحرية التعبير: حكم قضائي يبرّئ ناشطا حقوقيا بالمغرب
“بعض المفردات والعبارات التي استعملها المتهم في بعض كتاباته لا تعدو أن تكون سوى خطابا سياسيا متداولا عند بعض التنظيمات السياسية ذات التوجه الاحتجاجي في المملكة المغربية منذ عقود”.
في زمن لازال المغرب فيه مُتّهما بمُحاصرة حريّة التعبير، صدر بمدينة الصويرة المغربيّة بتاريخ 04/01/2023 حكمٌ قضائيّ عن المحكمة الابتدائية بالمدينة، بعدم مؤاخذة ناشط حقوقي من أجل جنحة إهانة هيئات منظمة على خلفية تدوينات نشرها في صفحته الشخصية على موقع الفيسبوك.فما الحكاية؟
تفاصيل الوقائع
عند اطلاع مرايانا على نسخة من الحكم متوفرة في الأنترنيت، اتضح أنّ وقائع الملف تعود إلى تاريخ 26/12/2022، حيث “تم استقدام المتهم من طرف مصالح الشرطة على خلفية إيقافه من طرف المصالح الأمنية بذات المدينة لكونه يشكل موضوع برقية بحث على الصعيد الوطني من أجل جنحة إهانة هيئات دستورية، وذلك على إثر قيامه بمشاركة مجموعة من التدوينات والمنشورات التي قام بكتابتها وتداولها عبر حسابه الفيسبوكي الحامل لاسمه الشخصي ع.س”.
جاء في الحكم أيضا أنه “في إطار البحث وبتنسيق مع فرقة الاستعلامات المحلية بالصويرة، تبين أن المتهم عضو في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وناشط سابق بحركة عشرين فبراير وعضو سابق بالمكتب المحلي لحزب العدالة والتنمية بالصويرة وناشط سابق بالتنسيقية الوطنية لحاملي الشهادات المعطلين بالصويرة، فتم فتح بحث بالاستماع إلى المتهم”.
المتهم اعترف للشرطة بأن الحساب الفيسبوكي الحامل لاسمه الشخصي ع.س مع صورة تحمل علم فلسطين وكتابة مفادها “لا للتطبيع” يخصه وقد أنشأه منذ 10 سنوات وهو الحساب الوحيد الذي يتوفر عليه، وأن التدوينات والكتابات المعروضة عليه تخصه؛ موضحا أنه بالفعل قام بنشر مجموعة من الصور والتدوينات والكتابات، التي تبقى في مضمونها تعاطفا مع معتقلي حراك الريف الذين ينادون بمطالب اجتماعية وكذلك رفض مسألة التطبيع مع إسرائيل…
بعد التأمل طبقا للقانون، توبع المتهم من قبل النيابة من أجل جنحة إهانة هيئات منظمة، طبقا لمقتضيات الفصلين 263 و265 من القانون الجنائي، وإحالته على جلسة الحكم.
منطوق الحكم
بالاطلاع على وثائق الملف، لا سيما نسخ التدوينات موضوع المتابعة وتعليق المتهم عليها وتفسيره لها أثناء عرضها عليه تمهيديا وأمام المحكمة، تبين لهيئة القضاء أن “بعض المفردات والعبارات التي استعملها المتهم في بعض كتاباته لا تعدو أن تكون سوى خطابا سياسيا متداولا عند بعض التنظيمات السياسية ذات التوجه الاحتجاجي في المملكة المغربية منذ عقود”.
المحكمة عللت حكمها أيضا بأن هذا الخطاب “لا يخرج عن إطار حرية التعبير والرأي التي أولتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسانمكانة متميزة بين الحقوق والحريات الأساسية المخولة للأفراد والجماعات داخل المجتمعات، والتي عمل دستور المملكة المغربية على حمايتها”.
الدستور المغربي لسنة 2011 نصّ في الفصل 19 على “تمتع الرجال والنساء على قدم المساواة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية، الواردة في الدستور، وفي الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب…”، وفي فصله 25 على كفالة “حرية الفكر والرأي والتعبير بكل أشكالها”.
وعلى ضمان “حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني”، كما أن الفصل 28 أقر على أنه “… للجميع الحق في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية ومن غير قيد عدا ما ينص عليه القانون صراحة…”
وهو بذلك ما لا يشكل، في تقدير المحكمة، “عنصرا من العناصر التكوينية لجنحة الإهانة المنصوص عليها في الفصل 263 من القانون الجنائي، سيما أن المتهم لم يحدد أية مؤسسة بعينها في طيات كتاباته المنشورة على حسابه الفيسبوكي”.
لم يتوفر للمحكمة أي “دليل على قيام جنحة إهانة هيئات منظمة ضد المتهم، نظرا لانتفاء أهم عناصرها التكوينية، المتمثل أساسا في عنصر المساس بشرف أو بشعور هيئة معينة أو الاخلال بالاحترام الواجب لسلطتها، طالما أن الثابت من هذه الوقائع، هو كون المتهم قد عبر عن عدم اتفاقه مع قرارات سياسية وإدارية فقط، مما يتعين معه القول بعدم مؤاخذته من أجلها، والتصريح ببراءته، عملا بالمبدأ المنصوص عليه في المادة 01 من قانون المسطرة الجنائية”.
المبدأ يقضي بأن “الأصل في الإنسان البراءة”، وأن الأحكام الجنائية “لا تبنى على الشك والتخمين بل على الجزم واليقين”.
لهذه الأسباب، حكمت المحكمة الابتدائية بالصويرة بجلستها العلنية ابتدائيا وحضوريا، بعدم مؤاخذة المتهم من أجل المنسوب إليه والحكم ببراءته منه مع تحميل الخزينة العامة الصائر.