محمد حسنين هيكل: الحاكم يحتاج لصحافي يعبر عنه… وأنا هذا الصحافي
“الحاكم يحتاج لصحافي يعبر عنه، وسأكون أنا هذا الصحفي”، هكذا كان يلخص محمد حسنين هيكل علاقته مع السلطة بداية بعلاقته مع الملك فاروق إلى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
هيكل غالباً ما كان يمزج في روايته آراءه السياسية بالشهادة على الأحداث والمعلومات، فقد كانت مداخلاته تثير ردود فعل عنيفة تصل أحياناً إلى حد اتهامه بـ”التلفيق” و”المغالطة”. لكن أكثر الانتقادات التي وجهت لهيكل كونه كان مشاركاً في صياغة “الكتاب الأخضر” للعقيد الليبي الراحل معمر القذافي، الذي كان يعتبر نفسه تلميذاً لجمال عبد الناصر.
أن تكون صحفيا وبوقا للدولة، فهذا أمر بديهي ومنتشر في كل بقاع العالم. لكن، أن تجمع بين الصحافة والسياسة وتساهم في صياغة السياسة في الدولة، فهذا أمر دعونا نقول إنه مستحيل. لكن الاستثناء هنا تمثل في محمد حسنين الهيكل، الذي استطاع أن يجمع بينهما ليصنع شخصية متفردة به.
وصفه العديدون بـ”صحفي القرن” أو ” ذاكرة مصر والعرب في مائة عام”.
ولد محمد حسنين هيكل في 23 شتنبر 1923 بالقاهرة وتوفي عن 93 عاما؛ في 17 فبراير 2016 بعد معاناته مع مرض الفشل الكلوي. قضى حسنين هيكل 70 سنة في العمل الصحفي وأضاف إليه العمل السياسي، ليتعرف ويلتقي بأبرز رجال العالم الذين لعبوا أدوارا كبيرة في رسم السياسات وتوجيه الأحداث. صدرت له العديد من الكتب باللغة العربية: مدافع آية الله، قصة إيران والثورة، لمصر لا لعبد الناصر، مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان، وغيرها. كما نشر بالإنجليزية: secret channels, the inside story of arab …-، كما ترجمت بعض أعماله إلى لغات أخرى.
الجورنالجي:
كان دائما يفضل لقب “الجورنالجى”، يقول الكاتب الصحفي مصطفى بكري. عام 1942، التحق محمد حسنين هيكل بمجال الصحافة بمساعدة من صديقه “سكوت واطسون” للعمل في الصحيفة الأجنبية الأولى في مصر “الايجيبشان ݣازيت”، التي كانت تضم نخبة من الصحافيين الأجانب. تعلم الصحافة وأسسها لينتقل إلى الميدان في أول مهمة له ليدون أحداث معارك الحرب العالمية الثانية بنجاح، ليسطع اسمه في عالم الصحافة وينتقل من جريدة لأخرى، حيث انتقل لجريدة “روز اليوسف” عام 1944، ونشر تحقيقه المصور “خط الصعيد” بجريدة “الساعة”، وبعد ذلك اشتغل لخمس سنوات بجريدة “أخبار اليوم”، التي خصص لها حسنين هيكل جزءا من كتابه “بين الصحافة والسياسة” وعلاقته بقضية “مصطفى أمين و”علي أمين” المتهمين في قضية التجسس الشهيرة لصالح الأمريكان في عهد جمال عبد الناصر.
بعد كل هذه التجارب، انتهى به المطاف في أن يكون رئيسا لجريدة “الأهرام” سنة 1957. في هذه الفترة، استعان هيكل بشباب من المتخرجين الجامعيين، ليؤسس لمرحلة جديدة للأسلوب الصحفي من حيث الدقة والموضوعية والتخفيف من العاطفية التي عرفت بها الجريدة، حيث دربهم للعمل في التحقيقات الصحفية، كما أسس علاقات صحفية دولية جعلت الأهرام طرفا في أوضاع الإعلام العالمي وتوجهاته؛ كما حاور الشخصيات البارزة في السياسة والثقافة والفكر التي أصدر أبرزها في كتاب “زيارة جديدة إلى التاريخ”.
استطاع كذلك تأسيس مجموعة المراكز المتخصصة للأهرام مثل “مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية” و”مركز الدراسات الصحفية”؛ لينقل بهذا جريدة الأهرام إلى أهم عشر جرائد على المستوى العالمي. في سنة 1974، أزيح هيكل من المنصب بقرار من الرئيس السابق محمد أنور السادات، بعد انتقاد الصحيفة له ليشتغل بعد ذلك كصحفي حر.
صرح هيكل آنذاك لوسائل الإعلام: “إن الرئيس يملك أن يقرر إخراجي من “الأهرام”. أما أين أذهب بعد ذلك، فقراري وحدي. وقراري هو أن أتفرغ لكتابة كتبي… وفقط!”.
قبل وفاته، اشتغل هيكل محللا لقناة الجزيرة التي كان يستعرض فيها الأوضاع السياسية التي يمر بها العالم: “أحيانا، أتساءل لو لم يكن الأستاذ بجريدة الأهرام فكيف كانت ستكون إذن؟”، يقول الكاتب الصحفي صلاح منتصر في تصريح لـ cnn بالعربية.
سأكون أنا هذا الصحافي
“الحاكم يحتاج لصحافي يعبر عنه، وسأكون أنا هذا الصحفي”، هكذا كان يلخص هيكل علاقته مع السلطة بداية بعلاقته مع الملك فاروق إلى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
● هيكل والملك فاروق:
كانت كتابات هيكل عندما بدأ الصحافة في عام 1942 كلها ذات منحى واحد، وهي الإشادة بإنجازات الملك وربط كل نجاح باسمه. رغم هذا، لم يعر الملك أي اهتمام لهيكل أو ما يكتبه، حيث فسر البعض أن الفاروق كان متابعا لكتاب آخرين كإحسان عبد القدوس ومحمد التابعي.
● هيكل وجمال عبد الناصر:
كان جزءاً من العقل الذي ساهم في بناء هذا الحاكم. كان مستشار عبد الناصر، والمحلل السياسي له، والمفكر معه فيما يجب فعله في الحكم، والمقرب منه في الاستشارات الخاصة، والفم الذي يتحدث للزعيم، والأذن التي تنصت لهذا الزعيم.
نجح هيكل فيما فشل فيه مع الملك عندما راهن على أن عبد الناصر هو الرجل القادم في مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952؛ حيث أصبح الصحافي المقرب من الرئيس وعرف ما يحتاجه الرئيس من أفكار وأخبار واتصالات، حيث وصلت العلاقة بينهما إلى حد أن هيكل هو من يفكر للرئيس، والرئيس لا يتخذ قرارا إلا بعد مشورته. فهم هيكل تصورات الرئيس المصري وتوجهاته، لدرجة أن عبد الناصر كان يقول: “هذا بالضبط ما كنت أريد أن أقول”.
● هيكل وأنور السادات:
اختلفت علاقة هيكل مع السادات. في هذه المرحلة، أراد أن يكون شريكا حقيقيا وليس الاكتفاء بالعمل في خدمة سيد جديد، حيث أمضى 18 سنة في ظل عبد الناصر. شارك هيكل في صناعة شرعية السادات سنة 1970 كما صاغ شرعيته الجديدة سنة 1973 عندما أطلق على السادات عبارة “صاحب قرار أكتوبر العظيم”، ثم اختلفا بعد ذلك ليرحل بعيدا عن السلطة.
بعد استقرار الأوضاع، قرر السادات أن يقتلع هيكل من الذاكرة العامة، حتى أمر بحبسه مع 1536 معارضا حزبيا وصحفيا ظلوا رهن الاعتقال إلى ما بعد اغتيال السادات.
يقول الصحفي محمد حماد: “لم يكن السادات يستريح لهيكل، ولكنه كان في حاجة إليه، وتصورها هيكل فرصته لكي يستخدم السادات ولكن في النهاية ظهر أن السادات هو الذي استخدم هيكل؛ فالسادات لم يكن سهلا، وكان يشعر بالدونية تجاه هيكل، ولم يقصر هيكل في ترسيخ هذا الشعور داخله خلال فترة عبد الناصر، وحسب شاهد عيان فقد كان يعامل السادات معاملة “درجة ثالثة”.
● هيكل ومبارك:
“سلطة شاخت في مواقعها”، هكذا وصف محمد حسنين هيكل في مقال هاجم فيه مبارك بطريقة غير مباشرة وطالب برحيله عام 1994. بعد علاقة عادية في البداية بينهما، وبسبب قرب مبارك من السادات، كان واضحا أن هيكل لا يكن أي حب للزعيم الجديد، ومع رغبته في البحث عن رجال جدد له، وليس رجال محسوبين عن الأنظمة السابقة، فهذا يعني مباشرة خروج هيكل من دائرة المقربين للنظام الجديد. بذلك، ابتعد هيكل وانسحب من الحياة السياسية.
في عام 2002، زعم هيكل أن مصر حصلت على 100 مليار دولار في أعقاب حرب الخليج وأن مبارك ومن معه استولوا عليها، ما أزعج مبارك، لكن اختلف تعامله عن تعامل السادات، فلم يحبسه ولم يمنعه من الكتابة.
خلال حكم مرسي، عاد هيكل مجددا للواجهة ليندد بممارسات نظام مبارك والدعوة إلى النظام الجديد بقيادة الإخوان، ليصبح من جديد الصحفي المقرب للقصر، لكن تلاشت هذه الأحلام والمخططات بسبب ثورة 30 يونيو.
● هيكل والسيسي:
بدأت علاقة محمد حسنين هيكل مع عبد الفتاح السيسي في عام 2010، عندما تولى السيسي رئاسة المخابرات الحربية. وصفه هيكل بناصر جديد وآخر في مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013. من جهته، قال السيسي إنه قرأ كل كتب هيكل وأبدى إعجابه به وكان لهم لقاء وحيد استمر لمدة ثلاث ساعات. لكن، بعد تولي السيسي للرئاسة، اختفى هيكل مجددا من دائرة المقربين، إذ لا أحد يعرف حتى الآن ما أصاب هذه العلاقة.
الصحفي في خدمة السياسي:
بعد تأسيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بتشجيع من جمال عبد الناصر، سيجد هيكل ذلك الخيط الناظم بين دوره كصحفي والمعلومات التي يتوفر عليها، إذ أن كونه يعرف ما يطبخ في الخفاء جعل من الأهرام وسيلة تواصل ونقل الأفكار التي يريدها عبد الناصر. يلتقط ما يريد قوله، وتروج الرسائل التي يرغب بتوجيهها، فيكتب ذلك في مقاله الأسبوعي في الأهرام، ويصيغ في خطب وبيانات وتصريحات رسمية مكتوبة، أو في خطوط ومحاور عامة يتحدث فيها عبد الناصر شفاهة، أو يحملها في رسائل لمسؤولين في الخارج، وليس العكس؛ فهو لم يكن يقوم بنشر الأسرار سواء كانت عادية أو كانت ستحدث تغييرا في حياة المواطن.
بعد عمله كصحفي، اتجه هيكل للسياسة التي شكلت مكونا أساسيا في شخصيته جعلته معروفا ومشهورا، خاصة في عهد عبد الناصر؛ حيث عين هيكل سنة 1970 وزيراً للإعلام وأضيفت له حقيبة وزارة الخارجية لمدة أسبوعين فقط. أسس علاقات مع صناع السياسة في العالم كـ “بريجنيڤ” وزعيم الثورة الإيرانية آية الله الخميني…
هيكل غالباً ما كان يمزج في روايته آراءه السياسية بالشهادة على الأحداث والمعلومات، فقد كانت مداخلاته تثير ردود فعل عنيفة تصل أحياناً إلى حد اتهامه بـ”التلفيق” و”المغالطة”. لكن أكثر الانتقادات التي وجهت لهيكل كونه كان مشاركاً في صياغة “الكتاب الأخضر” للعقيد الليبي الراحل معمر القذافي، الذي كان يعتبر نفسه تلميذاً لجمال عبد الناصر.