من اليمن، حسين الوادعي يكتب: علمانية وعلمنة وتحديث
في حين لا زال الجدل ساخنا في منطقتنا حول “العلمانية”، يجب التنبيه هنا إلى الفرق بين العلمانية (laicité/Secularism) والعلمنة (Secularization/sécularisation). العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة ومنع تدخل الدين في …
في حين لا زال الجدل ساخنا في منطقتنا حول “العلمانية”، يجب التنبيه هنا إلى الفرق بين العلمانية (laicité/Secularism) والعلمنة (Secularization/sécularisation).
العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة ومنع تدخل الدين في الشؤون السياسية والمجال العام. بهذا التعريف، تحتاج العلمانية لإجماع سياسي وتعديل دستوري وقانوني حتى تصبح قابلة للتطبيق.
كلنا متعلمنون حتى دون أن نعي ذلك.
أما العلمنة، فهي العملية التطورية التي ينتقل فيها المجتمع من التقليدية إلى الحداثة، ومن التقاليد الدينية إلى المدنية، ومن الخرافة إلى العقلانية.
بهذا المعنى، فالعلمنة مسيرة حتمية وضرورية لا يمكن إيقافها، ولا تنتظر التعديلات الدستورية والقانونية والتوافق السياسي رغم أهميتها.
اقرأ لنفس الكاتب: حكاية اسمها التربية الإسلامية
التعليم الحديث بأكمله تعليم علماني له هدف دنيوي، هو بناء المواطن المؤهل والكفؤ والملتزم بالقانون وقيم المواطنة، وقد انفصلت علاقته بالتعليم الديني القديم الذي كان مرتبطا بالجامع وبتعليم الأحكام الدينية.
الجيوش الحديثة جيوش معلمنة هدفها الدفاع عن الوطن وليس الجهاد.
محاولة “أسلمة” الحداثة فشلت لأنها تزيف مفاهيم معلمنة وتحاول طلاءها بصبغة دينية، فخسرنا بسببها الدين والحداثة معا.
الدولة الحديثة جهاز علماني هدفه حفظ النظام وتوفير الخدمات للمواطنين وضمان رفاههم الدنيوي؛ كما أن مهمة رئيس الدولة صارت هي “سياسة الدنيا”، في معظم الحالات، ولم يعد له علاقة بـ”حراسة الدين” كما كان الحال مع الحاكم الديني في الماضي (اللهم بعض الاستثناءات القليلة).
وبدلا من حراسة الدين، صارت إحدى مهام الدولة حماية حرية التدين والإعتقاد (أي حراسة كل الأديان)، وهو هدف مدني علماني.
اقرأ لنفس الكاتب: حول البخاري وأصحابه
حتى المفاهيم التي تحكم حياتنا اليوم (المواطنة، الديمقراطية، حقوق الإنسان، المساواة…)، كلها مفاهيم علمانية.
الديمقراطية والانتخابات ورقابة “الأمة” على الحاكم، كلها مفاهيم علمانية حديثة.
ماكس فيبر: “الحداثة هي نزع السحر عن العالم”.
حتى الدين نفسه يصبح دينا متعلمنا، فيتحول هدف الدين من النجاة في الآخرة الى النجاح في الدنيا (إسلام التنمية البشرية).
المجتمات تتجه نحو العلمنة، وهذه عملية لا يمكن إيقافها. بل أن التحديث لا يمر إلا من خلال العلمنة. وتتداخل عملية التحديث مع العلمنة بطريقة تجعل من الصعب الفصل بينهما.
كلنا متعلمنون حتى دون أن نعي ذلك.
هل أريد التذكير هنا إن العلم بحد ذاته مفهوم علماني (دراسة الطبيعة وفهمها والتحكم فيها بالعقل والتجربة والبرهان)؟
محاولة “أسلمة” الحداثة فشلت لأنها تزيف مفاهيم معلمنة وتحاول طلاءها بصبغة دينية، فخسرنا بسببها الدين والحداثة معا.
كان ماكس فيبر يقول إن الحداثة هي “نزع السحر عن العالم”.
السحر هنا هو الخرافة واللاعقلانية والتقاليد البالية… ونزع السحر بهذا المفهوم مهمة العلم والديمقراطية والعقلانية، أو باختصار مهمة العلمانية في الفكر والمجتمع والسياسة.
اقرأ لنفس الكاتب: نوبل للكيمياء ونظرية التطور
الوصايا العشر مصطلح ديني يحيل إلى الأعلى الذي يوحي إلى عباده وصاياه فلا يستقيم لك وانت تدعو إلى الخلاص من الخرافة والسحر ان تقتبس و تستعير مصطلحا مشحونا جدا بقيم لا تنسجم مع منهجهم
. في تونس عندنا مثل يقول: من المرسى بدأنا نجدف.
يا سيدي اذكركم بالاية الكريمة لكم دينكم و لي دين و هي قمة الحداثة و تلخصها فلا تزايدوا علينا و تلبسوا علينا بالخلط المسموم بين الاسلام و الخرافة و السحر و بقية الاديان.
الاسلام يا سيدي كرم الإنسان و حرره من كل عبودية و فرض الجهاد في سبيل ذلك و اعتبر خيارنا خيارنا للنساء و كره إلينا ما تاباه القطرة السليمة من السلوكيات المنحرفة المنحدرة إلى الحيوانية. أما ما تتخبط فيه المجتمعات اليوم من فوضى وحروب و مظالم و مآسي فهو بأعين الحداثيين. فهل بعد الحداثة من منقذ للبشرية الا الرجوع إلى الوصايا الربانية الحقة. فهل اتضحت الصورة. اللهم فاشهد.