علي اليوسفي: تحجيب النساء حماية للذكور من شهواتهم؟ 3\3
عندما نعلم الفتيات والفتيان منذ نعومة أظافرهم هذه الحقائق التاريخية، سنعلم الطفل أن يتخلص من البداوة الحيوانية، وسنعلم الفتيات عدم الشعور بالدونية، والانتفاض في وجه كل من سولت له نفسه المس بكرامتهن. وآنذاك إذا ما اختارت بعض النساء وضع رداء على رؤوسهن، أو ارتداء أي لباس آخر مهما كان شكله، آنذاك فقط سنعتبر ذلك اختيارا وسندافع عنه باسم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان.
تعرفنا في الجزء الأول من هذا الملف على الكيفية التي تحضر بها كلمات حجاب وخمار في النص القرآني، وكيف “حرفهما” التأويل لاحقا لتصبحا مرادفتين لغطاء الشعر (خلافا لما ينص عليه النص القرآني). كما تابعنا في الجزء الثاني، كيف تم إخراج الآيات من سياقها فيما يتعلق بمسأل الحجاب.
في هذا الجزء، الثالث والأخير، سنحاول الرد على مجموعةمن التساؤلات بخصوص مشروعية تحجيب النساء، وذلك بالرجوع للسياق السياسي والاجتماعي لنزول آيات الحجاب.
هذا الخلط في المفاهيم، والذي تطرقنا له بالتفصيل في الجزء الثاني، لاشك إذن أنه مقصود؛ فإذا كان ضرب الخمار على أعلى صدر المرأة يعني تَميُّزَها في الفضاء العام حتى تُعرف فلا تؤذى، ويسمح بمشاركتها في الحياة الاجتماعية، كما تابعنا في الجزء الثاني من هذا الملف، فإن الحجاب سيعني، لاحقا، اعتبارها عورة وإقصاءها من الفضاء العام والحَجْرَ عليها. ولا غرابة إذن أن نجد في بعض البلدان الإسلامية المتشددة، فضلا عن تغليف أجساد النساء، فصلا تاما بين فضاءيْ المرأة والرجل؛ تثبيتا لنظام ذكوري، أبوي، تُفرض فيه الوصاية على المرأة.
اقرأ لفس الكاتب: الجذور التاريخية للحجاب
نحن على يقين أن ما نقوله سيزعج الكثيرين من الذكور الذين أشرنا إليهم في مقال السابق: “الرجل والحجاب: عود على بدء. هاشتاغ # كن راجَلْ!“، ولكننا حرصنا على قوله حتى يتبين للنساء الخيط الأبيض من الأسود، وحتى يعلمن أن القرآن الذي كان يعرف همجية الرجال إبان نزول آية الخمار، لم يكن يُحملهن مسؤولية هذه الهمجية وإنما دعاهن إلى المساهمة في الحد منها، تاركا لهن حرية اختيار كيفية تغطية أعلى صدورهن.
بدل أن يَجدَّ رجال الشريعة في إيجاد السبل لمحاربة أقدم مهنة في التاريخ، وإنقاذ الفتيات من الفقر والاستغلال الجنسي، ظل هاجسهم ضبط حركات وسكنات المرأة، فصوروها في غير ما مكان في صورة شيطان حين تقبل وحين تدبر
إن تلك الهمجية الذكورية السائدة هي التي كانت وراء دعوة القرآن نساء النبي وبناته ونساء المؤمنين إلى العفة، وعدم الحرص على إظهار زينتهن، وليس إلى التحجب، حتى لا يُهيجن رغبات ذكور كان أكبر همهم في بيئة قاحلة وحياة فارغة، إشباع نزواتهم الجنسية، وكأن إظهار الزينة كان نداء للرجال لغزوهن جنسيا.
لقد كانت الصحاري والمدن والقرى تعج بالنساء اللواتي يبعن الجنس، وبوسطاء بين هؤلاء وبين رجال يشترون متعة الجسد؛ وقد اشتهر العرب من بين باقي الشعوب التي رفعت القِوادة إلى حرفة مشرفة ومدرة للدخل؛ وقد كان ممن اشتهروا بهذا عبد الله بن أُبي الذي كان يُشَغِّل ست فتيات (أشهرهن مُسَيكة).
بدل أن نربي ونوعي الناشئة، وبدل أن نردع المنحرفين بقوة القانون وسلطة الدولة، بدل كل ذلك، نستمر في تحريف النص القرآني، ونفرض على المرأة أن تغطي شعرها، لأن بعض المهووسين قد ينقُضون وضوءهم لمجرد رؤية شعر امرأة
بل إن حجم هذا الانتشار هو ما جعل القرآن يدعو المسلمين إلى عدم إجبار إمائهم على البغاء: “لا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا” (سورة النور، الآية ٣٣). والتاريخ يشهد أن تجارة بيع الأجساد لم تتراجع مع مرور الزمن وإنما أصبحت بالعكس دقيقة التنظيم، وأن مدنا مثل بغداد ودمشق وحلب والقاهرتين القديمة والحديثة، ومدنا أخرى بشمال إفريقيا وإسبانيا كانت تعج بالقوادين والوسطاء وماسكي دور الدعارة؛ مما دفع بالسلطات إلى التدخل، ليس لمنع الدعارة، وإنما من أجل تنظيمها، وتحويلها إلى مصدر للمكوس (ج. مكس: رسم/ ضريبة).
اقرأ أيضا: سناء العاجي: بين إيطام وإيران، حين يصير الحجاب إيديولوجية فاشية
وبدل أن يَجدَّ رجال الشريعة في إيجاد السبل لمحاربة أقدم مهنة في التاريخ، وإنقاذ الفتيات من الفقر والاستغلال الجنسي، ظل هاجسهم ضبط حركات وسكنات المرأة، فصوروها في غير ما مكان في صورة شيطان حين تقبل وحين تدبر، واعتبر أكثرهم طهرانيةً، أن مجرد مرورها على يمين المصلي مبطل لصلاته، وذهب آخرون إلى اعتبار مجرد مصافحتها إثارة للشهوة، فدعا إلى منع مصافحة النساء صدا للذرائع!
كيف يعقل أن تنساق مجتمعات القرن الواحد والعشرين وراء القراءة الحنبلية الوهابية البدوية للدين الإسلامي عموما، ولقضية المرأة على وجه الخصوص؟
ختاما نؤكد على أن الآيات المتعلقة بمخاطبة النساء عندما يكن في بيوتهن، من وراء حجاب/ستار/ فاصل احتراما لحميميتهن، نزلت في بدايات السنوات الخمس الأخيرة من حياة النبي (627 هـ)، وهي الفترة التي احتد فيها الصراع بينه وبين كفار مكة، والتي كان عليه خلالها أن يعقد الهدنة[1]، ثم يدبر فتح مكة.
أضف إلى ذلك أن محمدا لم يكن يتوفر على شرطة ولا محاكم ولا سجون لمتابعة ومحاكمة من يخدشون حياء النساء ويتجرؤون على مغازلتهن في الفضاء العام، وربما اغتصابهن، فكان الحل الأسهل أن تساهم النساء في الحد من توحش الذكور، فتدنين من جلابيبهن أو خمورهن على جيوبهن/صدورهن، ولا تتزين لغير أزواجهن ومحارمهن، الذين يفترض ألا يشتهونهن جنسيا.
فكيف يعقل ألا نأخذ هذا السياق التاريخي بعين الاعتبار عندما يتعلق الأمر بما أصبح يعرف تحريفا بحجاب المرأة الذي نؤكد للمرة الأخيرة أنه لم ينزل بشأنه نص قرآني، وإنما يتعلق الأمر بقراءة بشرية لمفهوم العفة؛ قراءة قد تكون محكومة بسوء أو حسن نية، فتبقى في كلتا الحالتين نسبية وقابلة للتجاوز؟
وكيف يعقل أن تنساق مجتمعات القرن الواحد والعشرين وراء القراءة الحنبلية الوهابية البدوية للدين الإسلامي عموما، ولقضية المرأة على وجه الخصوص؟
اقرأ أيضا: أسماء بن العربي تكتب: لنقاطع الحج لعل مكة تعود
إذا كنا نعيش اليوم في كنف الدولة الحديثة، أو مشروع هذه الدولة، ونتوفر على المدرسة والإذاعة والتلفزيون، وعلى الشرطة والدرك والقضاء والسجن للمتابعة والمحاكمة والتأديب، فكيف نستمر في حساب ألف حساب لكل المكبوتين والمهووسين جنسيا، والمرضى النفسيين، وبدويي السلوك، إلخ.
بدل أن نربي ونوعي الناشئة، وبدل أن نردع المنحرفين بقوة القانون وسلطة الدولة، بدل كل ذلك، نستمر في تحريف النص القرآني، ونفرض على المرأة أن تغطي شعرها، لأن بعض المهووسين قد ينقُضون وضوءهم لمجرد رؤية شعر امرأة، أو أن تغلف كل جسدها حتى لا توقظ هذا العفريت الجنسي الكامن في قمقم الذكور. أي دولة حق وقانون هاته التي نود تشييدها، والذكور لا يزالون ينظرون إلى المرأة على أنها مجرد وعاء للتفريغ الجنسي ينقضون عليها كلما ظهر من جسدها كل ما من شأنه أن يثير مكبوتاتهم؟
عندما نعلم الفتيات والفتيان منذ نعومة أظافرهم هذه الحقائق التاريخية، سنعلم الطفل أن يتخلص من البداوة الحيوانية، وسنعلم الفتيات عدم الشعور بالدونية، والانتفاض في وجه كل من سولت له نفسه المس بكرامتهن.
وآنذاك، إذا ما اختارت بعض النساء وضع رداء على رؤوسهن، أو ارتداء أي لباس آخر مهما كان شكله، آنذاك فقط سنعتبر ذلك اختيارا وسندافع عنه باسم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان.
[1] صلح الحديبية.
انا إمرأة جزائرية مسلمة فخورة حجابي لبسته منذ عمر 14 سنة باختياري و لم يكن يوما عائقا في حياتي درست في فرنسا و سافرت إلى الخارج و لا شيء سوى العنصرية ما ضايقني أما راحتي ففي حجابي و الوقاية خير من العلاج إذا كان الجنس هوس بعض الرجال فالحجاب حصن كثير من النساء.
طوال تاريخنا ونحن تستهلك مواضيع المرأة وهو شيء غير طبيعي في تطور المجتمعات التى لها تحديات كبرى تساهم فيها الرجل والمرأة وهل اريد سياسيا لموضوع المرأة ان يبقى يناقش الى ما للنهاية الم يحن الوقت لجعل المرأة اننا لنا و تقوينا في عمرك صد الفقر والجهل والتخلف
ان الاوان لاتحاد المفكرين والمثقفين العرب وتوحيد جهودهم لتفنيد التراث الاسلامي والفصل بين عادات وتقاليد العرب المتراكمة وبين الدين حتى لا يكون الفهم الخاطئ للدين عثرة في ركب التقدم الحضاري لشعوبنا وارساء مبدأ التعايش المشترك والمواطنة