استواء الله على العرش: اختلاف المذاهب والقراءات 2/1(الجزء الأول)
إذا نهى بعض “العلماء” عن التفكير في ذلك مطلقا وقال البعض الآخر إن الله قد استوى استواءً خاصا به، فإن هناك من راح أبعد من ذلك وأخذ يجسد للناس كيف “يجلس” الله على عرشه حتى انهال عليه قومه بالرفس واللكم، فلما ناظروه وصفوه بـ”الجاهل”…
يبدو أن “العلماء” لم يتركوا موضوعا في الدين إلا وخاضوا فيه، بل إن بعضهم تعدى ذلك بكثير إلى الحديث عن صفات الله الذاتية، مثل من خاضوا في آيات “الاستواء على العرش”.
وإذا نهى بعض “العلماء” عن التفكير في ذلك مطلقا وقال البعض الآخر إن الله قد استوى استواءً خاصا به، فإن هناك من راح أبعد من ذلك وأخذ يجسد للناس كيف “يجلس” الله على عرشه حتى انهال عليه قومه بالرفس واللكم، فلما ناظروه وصفوه بـ”الجاهل”…
إنه ابن تيمية أو كما انبعث عند بعضهم اليوم “شيخا للإسلام”!
ذكر استواء الله على العرش بعد خلق السماوات والأرض في سبعة مواضع في القرآن، وهي في السور التالية: (طه، الآية 5)، (الأعراف، الآية 45)، (يونس، الآية 3)، (الفرقان، الآية 59)، (السجدة، الآية 4)، (الرعد، الآية 2)، (الحديد، الآية 4).
وللاستواء في اللغة، معان متعددة، فتارة يأتي لوحده وتارة مقرونا بالواو أو مقيدا بـ”إلى” أو “على”، ويختلف معنى الاستواء باختلاف وروده، فإذا جاء اللفظ لوحده فإن معناه “التمام والاكتمال” كما ورد في سورة يوسف (الآية 14): “وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا”. أما إذا ورد الاستواء مقرونا بحرف الواو فذاك معناه التساوي، كأن يقال مثلا: استوى فلان وفلان. وحين يقيد الاستواء بحرف “إلى” فمعناه آنذاك القصد، كما جاء في الآية 11 من سورة فصلت: “ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا”.
اقرأ أيضا: حينما رفس القوم ابن تيمية لتجسيده استواء الله على العرش
بيد أن آيات استواء الله على العرش كلها جاءت معداة بـ”على”، وإذا قيد لفظ الاستواء بحرف الجر هذا، فإن معناه العلو والصعود والارتفاع كما تقول الآية 13 من سورة الزخرف: “لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه”.
بغرض ذلك، ذهب البعض إلى تفسير الاستواء المقصود في الآيات المذكورة بعلو الله وارتفاعه. وإذا كان من الثابت أن الله قد وصف نفسه في القرآن بالعلي، استنادا إلى آية ” سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ” (الأعراف، الآية 190)، فإن وصف الارتفاع حسب بعض “العلماء”، فيه نظر لأنه لم يرد له ذكر في القرآن.
في السياق ذاته، ذهبت طائفة إلى القول إن صفة الاستواء معناها الاستيلاء، وقد ورد في في الجزء الأول من كتاب “شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري” لصاحبه عبد الله بن محمد الغنيمان، أن قول الله ليس على العرش حقيقة وأن الاستواء بمعنى الاستيلاء، أول من نطق به هو الجعد بن درهم وأخذه عنه الجهم بن صفوان. ولعل هذا القول قد عارضه الكثير بسبب أن الاستيلاء لا يكون إلا بعد المغالبة، ومن المفروض أن الله لا يغالبه أحد.
طائفة أخرى اجتهدت إلى تأويل معنى العرش بالمُلك، بمعنى استواء الله على العرش أي ارتفاعه على الملك. لكن بعضهم اجتهد في تعطيل هذا المعنى، ذلك أن العرش وفق قولهم، سرير محسوس له ظل تحمله الملائكة وتحف به، وقد استدل هؤلاء بآيات كثيرة على ما يقولونه كالآية 17 من سورة الحاقة: “وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ”، والآية 7 من سورة غافر: “الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ”، والآية 75 من سورة الزمر: “وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ”.
إلى جانب ذلك، يفند هؤلاء قول إن العرش يعني المُلك، بالآية 7 من سورة هود: “وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ”. وهم بذلك يقصدون أن العرش كان موجودا قبل خلق السماوات والأرض.
في الجزء الثاني: كيف تناول آخرون موضوع استواء الله على العرش، ما يقول ابن تيمية في الموضوع؟ ولماذا رفسه قومه على إثر ذلك؟
لقراءة الجزء الثاني: حينما رفس القوم ابن تيمية لتجسيده “جلوس” الله 2/2
✨🌸