الحريديم: إسرائيل لن تلم شمل اليهود، ومستشار لعرفات من الحريديم 2/2الجزء الثاني
اكتشفنا في الجزء الأول أن الحريديم من أشد الطوائف اليهودية التزاما بتعاليم دينها، وأنهم بجانب ذلك، جد متشددين، بخاصة على النساء، ولذلك يصفهم البعض بـ”طالبان اليهود”.. فكيف ينظر هؤلاء إلى …
اكتشفنا في الجزء الأول أن الحريديم من أشد الطوائف اليهودية التزاما بتعاليم دينها، وأنهم بجانب ذلك، جد متشددين، بخاصة على النساء، ولذلك يصفهم البعض بـ”طالبان اليهود”.. فكيف ينظر هؤلاء إلى الصهيونية وما موقفهم من وجود إسرائيل، وكذا من القضية الفلسطينية؟ أسئلة من بين أخرى نجيب عنها في هذا الجزء، الثاني والأخير، من هذا الملف.
إسرائيل لن تلم شمل اليهود !
وفق الأدبيات التي تتحدث عن المجتمعات اليهودية، فإن الحريديم قد يتفقون مع الصهيونية في أن جميع الأمم تجتمع حول العداء للسامية، لكنهم يختلفون معها في عدد من القضايا الأخرى. أبرز هذه القضايا، الاختلاف حول الهدف الصهيوني الذي يسعى إلى تجميع اليهود وبناء دولة يهودية في فلسطين؛ لأنه يتعارض مع تفسيراتهم للتلمود.
من وجهة نظر الحريديم، فإن الصهيونية تدعو الإنسان إلى فعل ما لا يمكن فعله لغير الله و”المسيح المخلص”، وذلك لأن العودة لأرض إسرائيل في التراث اليهودي لا يمكن فصلها عن خلاص شعب إسرائيل على يد “المسيح المخلص”. ومن ثم، فإن العودة إلى الأرض وإقامة دولة قبل عودة مسيح اليهود المنتظر تعد تحديا لإرادة الله ولن تسهم إلا في تأخير الخلاص الحقيقي والتجميع الحقيقي لليهود في المنافي.
استنادا إلى ذلك، لا يعطي يهود الحريديم أي صفة قدسية لإسرائيل، ولا يعدون تأسيسها بداية لخلاص اليهودي، والحقيقة أن الحريديم الذين يعيشون في إسرائيل لا يرون فيها سوى منفى آخر من منافي “الشتات”.
سنة 1948، سجل التاريخ رفض مشاركة الحريديم فيما يسمى بـ”حرب التحرير والاستقلال”، وشددوا على أن لا مشكلة تجمعهم بالعرب أو الشعب الفلسطيني، وأنه لليهود العلمانيين أن يحاربوهم إذا أرادوا ذلك.
في السياق ذاته، يرفض الحريديم الانخراط في الجيش الإسرائيلي لأنه وفق اعتقادهم يفسد الأخلاق المجتمعية ويهدد القيم الدينية وتعاليم التوراة.
اقرأ أيضا: الحريديم. الأكثر التزاما بالديانة اليهودية والأكثر تشددا مع النساء. طالبان اليهود؟
مقابل إعفائهم من الخدمة العسكرية، تلزمهم الدولة بالانضمام إلى مدارس دينية تسمى “يشيفوت”، ليكون عملهم الأساسي هو تعلم التوراة والتعاليم الدينية اليهودية.
مستشار لعرفات من الحريديم!
ليس كل اليهود يتفقون مع إقامة دولة إسرائيل، ومن بينهم زعيم حركة “ناطوري كارتا” المنتمية للحريديم، الحاخام موشيه هيرش، الذي عارض بقوة الحركة الصهيونية وكان لا يتردد في حرق أعلام إسرائيل، لاعتقاده أن استرداد الأرض بالقوة دون أن يأتي المسيح هي مخالفة للإرادة الإلهية كما ورد سابقا.
ولد موشيه هيرش سنة 1923 بنيويورك، وكانت له علاقات متميزة مع الشعب الفلسطيني، وكان يعتبر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات كأخ وصديق له. ودعم القضية الفلسطينية بل وكان مستشارا لعرفات آنذاك، وعينه وزيرا لشؤون اليهود في السلطة الوطنية الفلسطينية سنة 1995. ورغم عدم اعترافه بإسرائيل، ظلت حكومة هذه الأخيرة تتجاهله إلى أن توفي سنة 2012.
هيرش كان يعتبر عرفات رئيسا لليهود جميعا، كما طالب بتمكين حركته كأقلية دينية في فلسطين، من التمتع بمزايا جواز السفر الفلسطيني عند إصداره وأنه لا يرغب بحمل جواز السفر الإسرائيلي. كما أكد أكثر من مرة، أن حركته “تؤمن بالحق الوطني الفلسطيني في جميع أرجاء فلسطين وأن الجيش الإسرائيلي محتل، كما أن الأرض المقدسة ليست هي أرض إسرائيل كما يزعم الصهاينة، وإنهم يستغلون اليهودية لمصادرة أراضي الناس”.
بناءً على ذلك، قد يكون اليهود الحريديم متشددين دينيا لكن وصفهم بـ”طالبان اليهود”، يبطن أكثر مما يظهر، فالتشدد الديني اليهودي وفق البعض ربما قد يعجل بنهاية إسرائيل! أو لعله أكثر من ذلك، يضرب الفكرة المؤسسة لها في مقتل.
لقراءة الجزء الأول: الحريديم، الأكثر التزاما بالديانة اليهودية والأكثر تشددا على النساء. “طالبان” اليهود؟ 2/1