من رمزية جنسية إلى علم دولة: قصة النجمة السداسية (نجمة داوود)
كانت النجمة السداسية واحدة من أكثر الرموز الدينية حضورا في التاريخ، وأثارت ولازالت تثير تفسيرات وتأويلات عدة.
في هذا المقال، مرايانا ترجع لتكشف عن تاريخ النجمة السداسية ورمزياتها في عدد من الثقافات والأديان
واحد من أكثر الرموز المثيرة للجدل وللمشاعر المتناقضة، بين الاحترام والغضب وغيرها. إنه رمز النجمة السداسية، الذي اقترن في الأذهان ثقافيا بالديانة اليهودية، وسياسيا بإسرائيل، حتى غدا عند البعض رمزا خاصا بهما.
لكن، بمجرد البحث، تعم سحب الحيرة… فهذا الرمز يحضر بشكل لافت في العمارة الإسلامية، سواء كانت دينية كالأضرحة والمساجد، أو عسكرية كالأبراج والحصون، أو مدنية كالمنازل والحمامات وغيرها، كما يوجد في المخطوطات وغيرها من المواد الأثرية المنقولة.
لم يكن المغرب بشاذ عن القاعدة، بل حضرت النجمة السداسية فيه بشكل كبير، فبحسب منجد لاروس الصادر سنة 1938، كانت النجمة السداسية، أحد أعلام المغرب قبل الحماية الفرنسية، إلى أن صدر ظهير 29 نونبر 1915، والذي حدد مواصفات العلم المغربي بالشكل الذي نعرف حاليا، وتحولت النجمة التي تتوسط العلم المغربي من سداسية إلى خماسية، بيد أن هذا الرأي يظل محل نقاش بين الباحثين.
في هذا المقال، نتتبع بعضا من مظاهر النجمة السداسية في حضارات وديانات مختلفة، وكيف أصبحت علما لإسرائيل؛ كما نتعرف على حضورها في واحدة من الإمارات الإسلامية.
أرض الأرواح عند الفراعنة
تحضر النجمة السداسية بشكل كبير في عدد من البقايا الأثرية بمصر الفرعونية. بحسب تقرير منشور في جريدة الاهرام بتاريخ 28 دجنبر 2010، فقد عثر الأثريون على عدد من البقايا الأثرية تؤكد استخدام الفراعنة لهذا الرمز في عصر ما قبل الأسرات. كما استعملت في مراسلات عدد من الملوك كالملك ثيش.
اتخذت النجمة السداسية مكانا مهما في الديانة الزرادشتية، حيث كانت ترمز لعلوم الفلك والتنجيم، بينما رمزت في البوذية إلى حكمة بوذا.
إضافة لهذا، فقد أكدت عدد من الدراسات أن النجمة السداسية في الحضارة الفرعونية كانت ترمز لأرض الأرواح، كما رمزت للإله أمسو الذي كان إنسانا وأصبح إلها إسمه حورس.
رمزية جنسية في بلاد ما بين الرافدين
اعتبر من أقدم الرموز في حضارات بلاد الرافدين، إذ هناك العديد من الألواح الطينية التي تحمل هذا الرمز ذي الحمولة الجنسية، إذ كان يرمز للفعل الجنسي المقدس، فالمثلث المتجه نحو الأسفل يمثّل فرج الأنثى، والمثلث المتجه نحو الأعلى يمثّل العضو الذكري، كما رمز لاتحاد آلهة السماء (آن) بالآلهة الأرضية (كي)، وارتبط أيضا بالآلهة عشتار وعشتروت وبعل.
حضور قوي في الهندوسية
أقدم ظهور موثق لهذا الرمز في ارتباطه باليهودية، فقد كان سنة 1648م في مدينة براغ، حيث اقترح الامبراطور فرديناند الثالث على اليهود المدافعين عن المدينة راية مميزة لهم، وكانت عبارة عن علم أحمر بداخله نجمة سداسية باللون الأصفر.
تتخذ النجمة السداسية في الديانات الهندية رمزيات عدة، خاصة عند الهندوسية؛ حيث ترمز للثالوث أو الإله الخالق ذي الرؤوس الثلاثة (براهما/فيشنو/شيفا)، كما ترمز للماندالا، أي اتحاد الأضداد (الماء/النار، الذكر/الأنثى، الليل/النهار)، ورمزت أيضا لحالة “الموشكا”، بمعنى القدرة على اخماد آلام الشهوة والجهل والغضب والحقد وتحقيق التوازن بين الإنسان والخالق. لم تغب الدلالة الجنسية، إذ مثل أيضا تفاعل المبدأ الذكري مع المبدأ الانثوي، ما يحيل على الخليقة أو ولادة الحياة.
اتخذت النجمة السداسية مكانا مهما في الديانة الزرادشتية، حيث كانت ترمز لعلوم الفلك والتنجيم، بينما رمزت في البوذية إلى حكمة بوذا.
من درع داوود إلى نجمة داوود … ظهور متأخر في اليهودية
بالعودة إلى الموسوعة اليهودية (النسخة الإنجليزية)، وفي مقال حول الموضوع للباحث يوسف يعقوب Joseph Jacobs، يشير الأخير إلى غياب أي إشارة لهذا الرمز (يعرف أيضا باسم درع داود). بالنسبة ليوسف يعقوب، فلا وجود لهذا الرمز في الكتاب المقدس ولا في التلمود، كما أن الأدب الحاخامي لم يشر إليه، وبالتالي فمن المحتمل “أن درع داوود لم ينشأ داخل الرابينية اليهودية الرسمية والمهيمنة لأكثر من 2000 عام”.
بحسب ذات المقال، فإن أقدم إشارة لهذا الرمز كانت خلال القرن الثاني عشر الميلادي عند يهودا بن إليا الهداسي، الذي يعتبر واحدا من أبرز اليهود القرائيين، والذي أورد في الفصل 242 من كتابه “إشكول هاكوفر” ما نصه: “سبقت أسماء الملائكة السبعة: ميخائيل، جبرائيل، إلخ. المزوزاه… يهوه يحميك! وبالمثل وُضعت العلامة المسماة “درع داوود” بجانب اسم كل ملاك”. بمعنى أن أقدم حضور لهذا الرمز، اعتبرت فيه إحدى التمائم الحامية للإنسان؛ مع الإشارة إلى أنه، خلال هذه الفترة، كانت النجمة الخماسية أكثر انتشارا وكانت توضع داخلها أسماء الله باليهودية للوقاية من الحمى والأمراض.
أما أقدم ظهور موثق لهذا الرمز في ارتباطه باليهودية، فقد كان سنة 1648م في مدينة براغ، حيث اقترح الامبراطور فرديناند الثالث على اليهود المدافعين عن المدينة راية مميزة لهم، وكانت عبارة عن علم أحمر بداخله نجمة سداسية باللون الأصفر. ولعل المثير هنا أن أدولف هتلر سيفرض على اليهود، انطلاقا من سنة من 1938، ارتداء نجمة سداسية صفراء، أصبحت فيما بعد أحد رموز الهولوكوست.
بعد معركة براغ، تبنى اليهود بشكل واسع النجمة السداسية كرمز لهم، وانتشرت في أوروبا الشرقية وإيطاليا وهولندا. بحسب موسوعة بريطانيكا، فمنذ القرن التاسع عشر، أصبح الرمز مرتبطا بالحركة الصهيونية، إذ اعتمد كرمز من طرف جمعية النشر اليهودية الأمريكية سنة 1873، كما طور جاكوب أسكويث وابنه تشارلز علما حمل اسم علم يهوذا، سيعرض في 20 يوليوز 1891 بأمريكا، وكان يضم نجمة داوود في الوسط مع كلمة مكابي بأحرف زرقاء وخطوط زرقاء بالقرب من الحواف، وهذا العلم سيقدمه إسحاق هاريس فكرته إلى المؤتمر الصهيوني الأول ببازل 1897.
بعض الطوائف المسيحية، ومن أبرزهم المورمون، يستعملونه في كنائسهم كرمز لقبائل بنى إسرائيل الاثنى عشر القديمة، حيث يعتبر المورمون أنفسهم امتدادا لهذه القبائل، حتى أنهم يحتفلون بالكثير من المناسبات اليهودية.
ظهرت عدة أعلام بنفس التصميم مع بعض الاختلافات البسيطة، وقد استعمل اللواء اليهودي في الجيش البريطاني، وهو اللواء الذي شارك في الحرب العالمية الثانية، علما تضمن نجمة داوود باللون الأصفر على خلفية بيضاء وزرقاء. ولابد أن نسجل هنا أن النجمة السداسية الصفراء اكتست رمزية خاصة خلال الحرب العالمية الثانية، فقد كانت رمزا للنقيضين. من جهة، رمزت لليهود في معسكرات النازية، ومن جهة أخرى رمزت إلى اللواء اليهودي المحارب ضمن صفوف الجيش البريطاني ضدها.
عندما أعلنت إسرائيل عن قيام دولتها في 14 ماي 1948، اعتمدت نجمة داوود. لكن الاعتماد الرسمي لم يتم إلا في 12 نونبر من نفس السنة بموجب قانون اعتمده الكنيست. لكن، مع ذلك، لم يتم تحديد مستوى لون العلم، فقد استعمل اللون الأزرق الداكن والفاتح، قبل أن يتم اعتماد الداكن بشكل نهائي بعد سنة 1950.
رمز لطائفة المورمون
أحدث دان براون سنة 2003 ضجة كبيرة عندما تطرق لهذا الرمز في روايته الشهيرة “شفرة دافينشي” (التي ستصبح فيلما سينمائيا سنخصص له مراجعة نقدية فيما بعد). في الواقع، فإن الرواية لم تنبع من فراغ. لقد كان هذا الرمز حاضرا في الثقافة المسيحية، وإلى حدود القرن السابع الميلادي، ظل يمثل تزاوج الثالوث الإلهي (الذكري)، مع الثالوث الأرضي (الأنثوي).
كما أن بعض الطوائف المسيحية، ومن أبرزهم المورمون، يستعملونه في كنائسهم كرمز لقبائل بنى إسرائيل الاثنى عشر القديمة، حيث يعتبر المورمون أنفسهم امتدادا لهذه القبائل، حتى أنهم يحتفلون بالكثير من المناسبات اليهودية.
إمارة إسلامية وعلم إسرائيلي ؟
إضافة إلى حضورها البارز في العمارة الإسلامية وفي المخطوطات وغيرها، فإن الحدث الأبرز المرتبط بالنجمة السداسية يرجع لسنة 1250، عندما ظهرت إمارة إسلامية جنوب غرب الأناضول عرفت باسم “إمارة قرمان”، وقد اتخذت النجمة السداسية الزرقاء علما عليها، وبحسب الصور المتوفرة، فإن علمها شبيه بعلم إسرائيل بدرجة كبيرة.
كما أن راية خير الدين بارباروسا في منتصف القرن السادس عشر، والذي اعتبر أبرز من قاد ما عرف بالجهاد البحري حسب المصادر الإسلامية أو القرصنة حسب المصادر الأوروبية، اتخذ النجمة السداسية الزرقاء راية له، وهي ذاتها التي وضعها سلاطين بني عثمان على ملابسهم لتزيينها.
تلخص قصة وتاريخ النجمة السداسية قصة الرموز الدينية عموما، فهي متجاوزة للزمان، متعددة الدلالات، تحمل الشيء ونقيضه، ولا يمكن حصرها في زمان أو مكان محددين، ولا حتى في ثقافة معينة. في النهاية، أليست الرموز هي قراءة الإنسان لها؟