تيك توك، إنستغرام، سناب شات… هوس الشهرة و “غزو الحمقى”
… صدَقَ الرسام الأمريكي آندي وورهول حين تنبأ عام 1968م بظهور وسيط إعلامي يحقّق لأيّ كان حلم الشهرة السريعة… قال يومها في إحدى مقابلاته: “سيصبح بإمكان الجميع، مستقبلا، أن يصيروا مشهورين عالميا في خلال 15 دقيقة فقط”.
كان يُمكن، قبل ثلاثين عاما من الآن، أن نُعدّ لائحة تشمل جميع مشاهير البشرية…
لم يعد ذلك ممكناً منذُ سنوات!
أن تشتهر فيما مضى، كان نتيجة مسيرة حياةٍ شاقّة… بعضهم لم يغدُ مشهورا سوى بعد وفاته حتّى!
كانت الشهرة، أيّامها، مجرّد عرض جانبيّ لعبقريّة أو موهبة أو إسهام أدى دورا ما في مسيرة البشرية…
طالما أنّ العصر الرقميّ حديثٌ، فلا غرابة في أنّ جل من يقعون أسرى لهذا الهوس أطفالٌ ومراهقون.
تخيّل كم من حياةٍ ينبغي أن تعيشَ لتعدّ على الأصابع عدد كل الذين مروا من هنا… ثمّ تخيّل ما كان يُمكن أن تفعله ليعيش اسمك من بين كل ما عَددته ويصل إلينا… لتكون إنشتاين، محمد عابد الجابري، دافينشي، سقراط، نجيب محفوظ، بتهوفن، ابن رشد، نيوتن، غاندي، هوميروس، نيتشه، عبد الله العروي، تولستوي، محمد عزيز الحبابي، باطما (العربي أو محمد باطمة طبعا)…
كل هذا تغيّر الآن!
لم تعد الشّهرة عرضا جانبيا… إنّما مهنة يتهافت عليها النّاس حتى يكاد عددُ المشاهير اليومَ يكون بعدد حصى الأرض.
لو كنتَ محظوظاً، هي ضربةُ حظ ليس إلّا… قد تشتهرُ في أقلّ من الوقت الذي تحتاجه عادةً لتحضير فنجان قهوة!
كلّ ما أنتَ بحاجة إليه، هاتفٌ وربط بالأنترنت، صورة أو فيديو مثير… لا، لستَ بحاجة إلى أي موهبة؛ قلْ أي شيء وحسب، أو قم بأي حركة غريبة… تكفي!
يبدو أن هوس الشّهرة بات دُرْجة أيامنا هذه… فلا غرابةَ أنْ تتصدّرَ خاناتِ “الأكثر قراءة” بعضُ العناوين مثل: “كيف تُصبح مشهورا على تيك توك؟ إليك النصائح” .
حرّيةٌ أم “غزو حمقى”؟
حين ظهرت شبكات التواصل الاجتماعي، لم تحتج إلا سنوات معدودة لتكسر هيمنة التقليديّ من وسائل التواصل… كانت طفرةً فارقةً!
لم يعد مفهوم “النجوميّة”، بعدَها، يقتصر على الظهور في فيلم سينمائي أو نشرة إخبارية…
ليس على الكاتب، في مثال آخر، أن يبعث بنصه إلى مجلة “الآداب” وأن يفلت من مقصلة هيئة النشر؛ يكفي أن يفتح صفحة بـ”فيسبوك” أو “تويتر” وينشره…
ما قد لا يعرفه هؤلاء أنّ كلّ وسائل التواصل الاجتماعي تشتغل بخوارزمياتٍ تُجبر المستخدم على المنافسة من أجل الظهور…
صرنا أحراراً من قوانين الانتشار القديمة… ومنا من أغنى الشبكة العنكبوتيّة بمحتوى متميّز ما كان ليحظى بفرصة في حيّز الذيوع لو جاء في عصرٍ أقدم.
على أنّ السيميائي الإيطالي أمبرتو إيكو يعتبر “أن أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يثرثرون في الحانات فقط دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورا. أما الآن فلهم حق الكلام مثل من يحملون جائزة نوبل. إنه غزو الحمقى”.
كان يُنظر يوما ما إلى هذا القول كنوع من الاستعلاء النخبوي على ما أتاحه التقدم من هامش أوسع (صَار متناً في الواقع) لحرية الرأي والتعبير…
غير أنّه، على ما يبدو، انفرط عقد الحريّة هذه… حتى شاع ذات يوم وسم يقول: “توقفوا عن جعل الأغبياء مشاهير”.
لا غرابةَ أنْ تتصدّرَ خاناتِ “الأكثر قراءة” بعضُ العناوين مثل: “كيف تُصبح مشهورا على تيك توك؟ إليك النصائح”.
فما الذي يدفع مراهقة مصرية، مثلا، إلى تعديل منشور قديم في فيسبوك إلى “هيتم تفجير مسجد الروضة شمال سيناء، الجمعة 24/11/2017″؟ البحث عن الشهرة!
افترض العديد يومها أنها نبوءة، فحقق اسمها رواجا كبيرا على فيسبوك، ثم حين تم التبليغ بها كشفت أنها عدّلت منشورا قديما قصد الترويج لصفحتها.
“روتيني اليومي” في الحالة المغربية مثال آخر جيّد عن انتشار هذا الوباء الاجتماعي…
الأكيد أنّ معنى الشهرة قد تغيّرَ، وصار لها بريقٌ يجعل هؤلاء يفعلون أي شيء ليصلوا إليها… لتوسيع دائرة الوهم؛ لزيادة عدد المتابعين على صفحاتهم!
قد يكتوي المرء بناره!
طالما أنّ العصر الرقميّ حديثٌ، فلا غرابة في أنّ جل من يقعون أسرى لهذا الهوس أطفالٌ ومراهقون.
في حديث لمجلة “إنسايدر”، يقول سياران ماك ماهون، مؤلف كتاب “علم نفس وسائل التواصل الاجتماعي”: “لدينا حالات لنجوم أطفال في عصور مختلفة، غير أنّ النسخة الحاليّة مُحسّنة ومفرطة… لا أعرف كيف ستنتهي، لكنّ التاريخ يوحي بنهاية غير جميلة”.
كلّ ما أنتَ بحاجة إليه، هاتفٌ وربط بالأنترنت، صورة أو فيديو مثير… لا، لستَ بحاجة إلى أي موهبة؛ قلْ أي شيء وحسب، أو قم بأي حركة غريبة… تكفي!
يمكن لابنكَ أن يوقفك ليأخذ صُورة مع أحد الغرباء… تسأله من يكون هذا؟ فيخبرك فيما يُشبه المأساة: “إنّه شهير على تيك توك”!
تقول إحدى الشّهيرات: “أصبحتْ حياتي غريبةً حقا. كنتُ ذاتَ يوم طفلةً صغيرة، وبين عشية وضحاها، صرتُ أتعرّض للهجوم؛ يريدون مني توقيعا أو التقاط صورة، يريدون لمسي فقط أحيانا أخرى… هذا مُخيف للغاية!”.
عالمة النفس، باميلا روتليدج، ترى أن تجربة الشهرة في مرحلة المراهقة تُصعّب على المراهق الحفاظَ على التعامل مع الواقع: “الكل يريد أن يصبح مشهورا، وهذا العالم في الواقع، ليس حقيقيا”.
ما قد لا يعرفه هؤلاء أنّ كلّ وسائل التواصل الاجتماعي تشتغل بخوارزمياتٍ تُجبر المستخدم على المنافسة من أجل الظهور…
من ثمّ، يجدون أنفسهم في مأزق غير عاديّ (المنافسة على الشهرة)… في النهاية، لا يستفيد من ذلك غير تلك الشركات!
كانت الشهرة، في ما مضى، مجرّد عرض جانبيّ لعبقريّة أو موهبة أو إسهام أدى دورا ما في مسيرة البشرية…
في أحد مقالات المجلة العالمية للطب النفسي (عدد يونيو 2019)، عن تغيير الأنترنت لإدراكنا، يرد ما قد لا يُحمد عقباه…
نقرأ هناك أنّ الاهتمامَ بوسائل التواصل تلك، يمكن أن يُحدّد بشكل مباشر نجاحنا أو فشلنا الاجتماعي، ذلك أنها تُوفّر مقاييس واضحة مثل المعجبين والمتابعين والمشاهدات…
حينما يُضخّم الشعور بالشهرة هذا النجاح أو الفشل الاجتماعي، يكون من الصعب للغاية بعد ذلك الشعور بالقيمة الذاتية خارج هذه الدائرة!
… ليكنْ حلّ!
يرى الخبراء أنّ أفضل طريقة لحماية نفسك من الشهرة استخدامُ تأثيرك للمساعدة أو زيادة الوعي حول ما يُثير شغفك من القضايا…
من الأمثلة الجيّدة، تلك الفتاة التي صوّرت دروسا عن المكياج في “تيك توك”، بينما تكشف في حديثها عن سوء معاملة الصين لمسلمي الآيغور في معسكرات الاعتقال في شينجيانغ.
… وأخيراً، توجد مسؤوليةٌ تقع على عاتق العامة ممن يستهلكون هذا المحتوى برمّته؛ علينا أنْ ندرك أنّ تشجيع نوعَ “الشهرة” البائدِ هذا، يصنعُ مجتمعا قد لا نرغب فيه بالواقع!
Chokran lakom
Chokran
Très bon article
J’étais au théâtre aujourd’hui pour un stand up comedy, et j’ai remarqué que beaucoup de gens (spectateurs) essaient de prendre là parole alors que le comédien fait son show.
Et j’ai pensé à ce que vous dites dans l article, les gens souhaitent prendre la parole (parfois à tout prix).
Et sans respect pour l’artiste
Ils veulent juste se montrer et parler
شكرا على المقال