أحمد المهداوي يكتب: تعددت الإسلامات.. والاتهام واحد !!
من المؤسف أن يصير الإسلام متهماً بسبب خطاب ديني، هو في جوهره خطاب مشحون بنبرة لوم الآخر، وتحسيسه باستحقاقه للخلود الأبدي في نيران جهنم.
لقد تمكّن الخطاب الديني-المؤدلج من وضع الإسلام في قفص الإتهام، حتى لم يعد يرَ غير المسلمين من الإسلام إلا الدم والكراهية. صورة الإسلام تقتصر فى مخيلاتهم على صورة الدين “البُعبع”…
نعم… الإسلام متهم، لكن الفارق في هذه النازلة أن القاعدة القانونية “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”، ليست دائما صالحة للاستعمال… فالإسلام متهم حتى تثبت براءته!!
الإسلام، في حقيقة الأمر، مع تعدد القراءات والتأويلات أمسى إسلامات متلونة حسب المُناخ الخاص؛ حيث لم يعد الإسلام مجرد دين قائم على مجموعة من الشرائع والعبادات التي تستمد السلطة من “الشرع الإلٰهي”؛ إنما تحوّل إلى إسلامات متعددة تخضع لصبغة دينية مؤدلجة قائمة على خطاب سياسوي-مصلحي يسعى إلى تثبيت جذور الإسلام السياسي.
اقرأ أيضا: “نصوص متوحشة”: هكذا وضع ابن تومرت لمسته على خطاب التكفير في التراث الإسلامي 4/3
الغريب، أن هذا الخطاب الراكب على صهوة الدين، ما ينفك يلوِّح بعصا التكفير كلما أعجزته الحجج وأعيته الدلائل؛ لينتهي به الأمر إلى إخراج من خالفه من الملة، وسرعان ما يفتي باستباحة دمه.
سمة التشدد والغلو غالبة على هذا الخطاب الديني الدوغمائي المتزمت؛ والذي لا يقبل النقاش، لاعتقاده الجازم بأن ما يعتقده ويعتنقه يقيناً، هو الحقيقة المطلقة التي لا مراء فيها.
بذلك، يعمد، سواء عن جهل أو مخافة زعزعة قناعته، إلى فرض ما يعتقده على الآخر، حتى وإن لزم الأمر اللجوء إلى العنف وإراقة الدماء. فولتير كان قد كتب: “إن الذي يقول لك اعتقد ما أعتقده وإلا لعنك الله، لا يلبث أن يقول اعتقد ما أعتقده وإلا قتلتك”.
هنا، يمكن الإشارة إلى أنه لا تمايز في الخطاب الديني بين الخطاب “المعتدل” و”المتطرف”؛ فكلاهما ينبع من مشكاة أيديولوجية واحدة، وينهل من نفس المصادر والمراجع التكفيرية، فيظل عاكفا على صنم الوحدوية لا يرى إلا من زاوية نظر واحدة، في نرجسية قاتمة، ذات نزعة قائمة على العنجهية المتطرفة في كبر وغطرسة يصلان أحيانا لحد الجهل والحمق المؤدي إلى التصرف العشوائي المليء بصخب الضجيج والفوضوية.
اقرأ أيضا: من اليمن، حسين الوادعي يكتب: من يمثل الإسلام؟
هذه العنجهية المتطرفة، التي تسم الخطاب الديني، غالبا ما تشير إلى فقد بوصلة التواصل مع الواقع، والمغالاة في تقديس وأسطرة الشخوص.
العنجهية في الخطاب الديني تتسم بنظرة استصغار للآخر المخالف في الدين، وتقوم بالأساس على إعلاء شأن “الأنا المسلمة” في مقابل تقزيم “الأنا الآخر”، حتى يصل الأمر في بعض الأحيان إلى مصادرة الحريات، وترويع الآمنين، وقتل الأبرياء باسم الدين في قمة التطرف الذي هو “شكل من أشكال الإفراط والتفريط أو التنطع على نحو يتعارض مع طبيعة الدين وثوابته وغاياته”.
من المؤسف أن يصير الإسلام متهماً بسبب خطاب ديني، هو في جوهره خطاب مشحون بنبرة لوم الآخر، وتحسيسه باستحقاقه للخلود الأبدي في نيران جهنم. والأسوء أنه يعمل على تجنيد الشباب وشحذ عقولهم بهذه الأفكار العنجهية المتطرفة، إلى أن تمسي هذه العنجهية أداة ونواة لتصدير ثقافة العنف القائم على فتاوى الذبح والقتل وإراقة الدماء، في رفض تام لأي نقاش عقلاني ممؤسس، ومبني على ثقافة الحوار؛ أو كما قال توماس بين: “إن النقاش مع إنسان يرفض استعمال سلطة العقل نتيجة لفلسفة لاهوتية مبنية على احتقار الإنسانية والعقلانية مشابهة لإعطاء أدوية لإنسان ميت”.
اقرأ أيضا: “الأصولية” في الديانات الثلاث: مدخل (الجزء الأول)
لقد تمكّن الخطاب الديني-المؤدلج من وضع الإسلام في قفص الإتهام، حتى لم يعد يرَ غير المسلمين من الإسلام إلا الدم والكراهية. صورة الإسلام تقتصر فى مخيلاتهم على صورة الدين “البُعبع”…
لم يكتفِ الخطاب الديني بهذه الفِعلة بل مزّق الإسلام نفسه إلى إسلامات متعددة، بل متباينة، بسبب الإيمان الراسخ بما جاء في كتب الفقه التي لم تعد تساير روح العصر، والتمسك بالمأثورات الدموية؛ حتى صارت التفسيرات والمأثورات إسلامات في حد ذاتها؛ فلم يعد الإسلام واحداً بل أمسى إسلامات… لكن الاتهام واحد!!!