زواج المسيار… تهافت التراث الفقهي 4/4
هي في النهاية، محاولة لاستقراء تهافت التراث الفقهي على الممارسات الجنسية الشاذة، من خلال طرحنا للنظرة الأنطولوجية-الجنسية الأحادية للفقه الإسلامي.
محاولة لتبيان خطورة فتاوي الفقهاء والتراث الفقهي على المجتمع الراهن عموما وعلى المرأة خصوصا، إذ يتم التعامل معها بكونها كائنا بيولوجيا يصلح للتناسل والممارسة الجنسية فقط، فيتم تغييب أدوارها في الوجود.
في الجزء الرابع، وعلى غرار الجزء الأول، سنتطرق إلى أحد تجليات ظاهرة زواج المتعة في المجتمعات الإسلامية السنية خلال مراحل تطوره، وقد تمثلت هذه الظاهرة في زواج الليلية والنهارية، وهي إحدى الظواهر التي تشابه زواج المتعة، كما تشابه زواج المسيار، وهذه الظاهرة لم تعاصرها الرِعَالُ الأولى للأجيال المسلمين، بل هي ظاهرة مستجدة نسبيا.
اقرأ أيضا: أخوات الصفا: تاريخ ومطالب أول منظمة نسائية متقدمة (1/3)
ففيما يتعلق بتعريف زواج النهارية والليلية، فالنهارية هي تلك التي تنكحُ على إتيان زوجها نهارا وعدم إتيانه ليلا[1]، بينما الليلة هي تلك التي تُنكح ليلا على عدم إتيانه نهارا. وفيما يتعلق بالحكم، يرى الشافعي أن النكاح المحدد الأجل والنكاح المعلوم باطل[2]، كما أن النهارية عند مالك في حكم نكاح المتعة[3]، ويرفض أبو القاسم بن الجلاب المالكي جواز وطء النهارية، إذ يضعه وجواز المتعة في نفس المرتبة[4]، كذلك يرفضه شهاب الدين القرافي، إذ يرى عقده فاسدا انطلاقا مما جاء عند ابن دينار، لذا، فحسبَه يتوجب الفسخ[5]؛ بينما يقبل الحنفية هذا النوع من النكاح، إذ قال زفر من خلال ما جاء في بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع بتفريق نكاح المتعة ونكاح المؤقت، فقال المتعة باطلة، بينما النكاح المؤقت[6] صحيح ويلغى فيه الشرط[7]، كما يُشير ابن ضويان الحنبلي إلى كون الزواج المؤقت صحيح عند غالبية الأئمة[8] فيما عدا الأوزاعي الذي وصفه بكونه نكاح متعة[9]. أما فيما يتعلق بالشيعة، فيُحرم الشيعة الإثني عشرية هذا النوع من النكاح اعتبارا لكون الوظيفة الأساسية للزواج تتمثل في الاستقرار والاستدامة[10].
ختاما، أتمنى أن نكون قد بررنا، وبما لا يدع مجالا للشك، تهافت التراث الفقهي على الممارسات الجنسية الشاذة، من خلال طرحنا للنظرة الأنطولوجية-الجنسية الأحادية للفقه الإسلامي. كما أتمنى أن يكون ما بين سطور المقال قد بلغ القارئ الكريم، إذ حاولنا تبيان خطورة فتاوي الفقهاء والتراث الفقهي على المجتمع الراهن عموما وعلى المرأة خصوصا، إذ يتم التعامل معها بكونها كائنا بيولوجيا يصلح للتناسل والممارسة الجنسية فقط، فيتم تغييب أدوارها في الوجود.
اقرأ أيضا: علي اليوسفي: تحجيب النساء حماية للذكور من شهواتهم؟ 3\3
كما حاولنا تبيان ماهية التراث الفقهي وكونه عبارة عن مجموعة من التراكمات الحياتية التي عرفها المسلمون، وقد اعتبرنا الجنس في التراث الفقهي مدخلا لتبيان ماهية التراث، إذ حاولنا تنحية صبغة القداسة التي طبعت التراث الفقهي كي يتمكن القارئ من إسقاطه على حياته اليومية بغية نقد وتنقيح تلك التراكمات الفقهية. وأشير إلى قيامنا في المستقبل القريب بنشر مقالات أخرى تتضمن ممارسات جنسية أكثر شذوذا مما طرحناه في مقالنا هذا، إذ نُحاول التأكيد دائما على كون التراث مهما كان متماسكا في نظر البعض، يظل قاصرا وابن زمانه ومكانه فقط، ولعل تحريم زواج الشِغار في الإسلام يؤكد طرحي، إذ كان النص الإسلامي عند بروزه أكثر تفهما لإسقاط جنس الشغار، نظرا لكون المجتمع الإنساني آنذاك قد تجاوز جنس الشغار وظل العمل به منوطا بالمجتمعات البدائية كما هو الحال مع القريشيين. رغم ذلك، فقد تجاوزت الممارسات المجتمعية الجنسية الشاذة في الأقاليم الإسلامية زواج الشغار بمراحل.
لقراءة الجزء الأول: المسيار… زواج المتعة عند المسلمين السنة 1/4
لقراءة الجزء الثاني: زواج المسيار… نشأ في السعودية وتحول إلى عملية ابتزاز بعنوان “الجنس مقابل العمل” 2/4
لقراءة الجزء الثالث: الأصول الفقهية… هكذا حرم فقهاء السنة زواج المتعة وحللوا المسيار 3/4
[1] محمود مطرجي، الفقه المالكي وأدلته، الجزء الخامس، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ص 82
[2] محمد الشافعي، الأم، الجزء السادس، تحقيق رفعت فوزي عبد المطلب، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، المنصورة، 2001، ص 205
[3] محمود مطرجي، الفقه المالكي وأدلته، مرجع مذكور، ص 82
[4] أبو القاسم بن الجلاب، التفريع، الجزء الثاني، تحقيق حسين بن سالم الدهماني، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1987، ص 49
[5] شهاب الدين القرافي، الذخيرة، الجزء الرابع، تحقيق محمد بوخبزة، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت، 1994، الصفحتين 404-405
[6] كالنهارية والليلية والمسيار اليوم وعلى شاكلته.
[7] علاء الدين الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الجزء الثالث، تحقيق علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، منشورات دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، بيروت، 2003، ص 472
[8] حسب ابن ضويان لكن الراجح أن المالكية أفتوا بعدم جوازه كما ذكرنا، بل يوجد من الحنابلة من أفتى بعدم جوازه.
[9] إبراهيم بن ضويان، منار السبيل وحاشيته الأنوار على منار السبيل من إرواء الغليل، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي، 2000، ص 527
[10] محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، الجزء 104، مؤسسة إحياء الكتب الإسلامية، الطبعة الأولى، قم-إيران، 1969، ص 178