من يوقف جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال؟
بعض هذه الجرائم بلغ القضاء وشغل الرأي العام، كما حدث سنة 2020 مع قضية طفل طنجة عدنان، بينما بعضها الآخر، يظل سرا دفين جوانح الطفل إلى أن يهرم.
لا يكاد المغرب يطوي قضية اعتداء جنسي على طفل حتى يستفيق على وقع أخرى.
بعض هذه الجرائم بلغ القضاء وشغل الرأي العام، كما حدث سنة 2020 مع قضية طفل طنجة عدنان، بينما بعضها الآخر، يظل سرا دفين جوانح الطفل إلى أن يهرم.
… هذا إن أفلتَ من براثن المجرم، وقُدّرت له حياة أكثر.
يسود الصمت والتكتم حول جرائم اغتصاب الأطفال بسبب الجهل وعقدة الخوف من الفضيحة، يشير تقرير أصدره الائتلاف ضد الاعتداء الجنسي على الأطفال عام 2015.
الحديث بلغة الأرقام يجعل لهذه الجرائم مظهرا ملتبسا.
“إذا درسنا ما تستتبعه هذه الجريمة على الطفل نفسيا، نجد أنها تُدمّر حياته إلى آخرها”.
أنجزت اليونيسف مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عام 2014، دراسة تقول إن عدد الأطفال الذين تعرضوا لاعتداءات جنسية ما بين 2007 و2011 قد بلغ 11 ألفا و599.
هل هؤلاء فقط من تعرضوا لهذه الاعتداءات؟ حتما لا؛ يورد الائتلاف في التقرير ذاته أنه ما من إحصائيات حقيقية.
ذاك ما يؤكده لـ”مرايانا” مصطفى عطار، رئيس جمعية أنير لمساعدة الأطفال في وضعية صعبة.
اقرأ أيضا: خبيرة أممية تحذر: أشكال جديدة من الاعتداء الجنسي على الأطفال برزت مع جائحة كورونا
يصف عطار المسكوت عنه في جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال بـ”الكثير جدا”، ويرى أن “هناك حاجة ملحة لإجراء دراسة معمقة من طرف الخبراء لمعرفة حجم الكارثة”، على حد تعبيره.
تعتمد هذه التقارير على ما بلغ إلى العلم… المصرح به، ما كشفه الإعلام، وما يصل إلى القضاء.
“المشكل ثقافي، تربوي، ويتعلق أيضا بالأخلاق والقيم التي آلت في المجتمع دون سلاسة إلى تغيير كبير؛ أي أنه لم يواكب بالفكر والفلسفة والعقل…”.
دونا عن القتل، يرى عطار أن الاعتداء الجنسي على الأطفال، أو مجرد التحرش بهم، يُعد أسوأ الجرائم.
يوضح فكرته هذه قائلا: “إذا درسنا ما تستتبعه هذه الجريمة على الطفل نفسيا، نجد أنها تُدمّر حياته إلى آخرها”، ويضيف: “السبب الرئيس في تحوّل البعض إلى مجرمين عتاة، أنهم تعرضوا لاعتداء جنسي في طفولتهم”.
ما الذي بلغ بنا كمجتمع ما وصفه المتحدث ذاته بـ”الكارثة” إذن؟
اقرأ أيضا: محمد علي لعموري يكتب: هكذا “تعشش” فينا… البيدوفيليا!
يرى عطار أن المشكل ثقافي، تربوي، ويتعلق أيضا بالأخلاق والقيم التي آلت في المجتمع دون سلاسة إلى تغيير كبير؛ أي أنه لم يواكب بالفكر والفلسفة والعقل…
رأيٌ يوافقه الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، علي الشعباني، الذي يؤكد في حديث مع “مرايانا” وجود تغيير قيمي وأخلاقي كبير في المجتمع.
ويضيف: “هناك منظومات متعددة يجب أن نراجعها بشكل جذري؛ التربوي منها، العلاج النفسي، التشريعي، السياسي أيضا”.
“الأحكام المرتفعة لا تضع حدا للإجرام”.
الدين أيضا مهم في هذه المعادلة، يتابع المتحدث ذاته، بغض النظر عن موقفنا منه، ذلك أنه “يضبط الكثير من السلوكات في المجتمع من خلال وضع المرء بين ضميرين؛ أحدهما يأمر والآخر ينهى”.
إلا أن الشعباني يرى أن مثل هذه الجرائم يثير أساسا ما تعلق بمواقف الدولة، المشرع، والقاضي: “الحُكم على مثل هؤلاء المجرمين بأحكام مخففة، ثم إصدار العفو بعد ذلك، سهوا أو عمدا، يُلقي الضوء على هذه المواقف”.
اقرأ أيضا: الرباط: فاعلون يناقشون العنف الجنسي ضد الأطفال بالمغرب
بالمقابل، يقف عطار على تجربة الدول الاسكندنافية، حيث بلغ المجتمع هناك من التطور ما لا يمكن معه إيجاد هذا النوع من الجرائم، على حد تعبيره.
وإذ يعود إلى أهمية التغيير السلس، يقول: “مع أن الأحكام في هذه البلدان أقل قساوة، إلا أن معدل الإجرام منخفض جدا بالمقارنة مع المغرب… ما أود قوله إن الأحكام المرتفعة لا تضع حدا للإجرام”.
“المسؤولية الأولى تقع على عاتق الدولة لما لها من إمكانيات للتدخل والتفكير في إيجاد حلول”.
الشعباني، من جهته، يؤكد أن الجانب الأمني وكذا التشريعي، لن يستطيعا لوحدهما الوقوف في وجه هذه الجرائم.
لابد، وفقا له، من تفعيل الجانب التربوي، الإدماجي في المجتمع، الجانب السياسي وكذا الاقتصادي: “يوجد لص محترف، كما يوجد لص تضطره الظروف إلى السرقة”، على حد تعبيره.
اقرأ أيضا: اختطاف الأطفال والرضع… ظاهرة تولد أم مجرد حالات معزولة لا تدعو للقلق؟
ويضيف: “لا ينبغي أن نلوم أحدا من هذه الجوانب إذا فُعّل لوحده… إن اهتممنا باللوم، فينبغي أن نلوم أيضا بعض الآباء الذين يفرطون في تربية أبنائهم، ولا ينتبهون إلى الكثير مما قد يلحق الضرر بهم…”.
لكنه يشدد على أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الدولة لما لها من إمكانيات للتدخل والتفكير في إيجاد حلول.
“الجمعيات والمنظمات ليس لديها من الإمكانيات ما تتوفر عليه الدولة… غير أن لها، مع ذلك، دورا مهما في التنوير والإرشاد وإثارة الانتباه إلى مثل هذه القضايا”.
“يسود الصمت والتكتم حول جرائم اغتصاب الأطفال بسبب الجهل وعقدة الخوف من الفضيحة”.
بالمقابل، يُلحّ رئيس جمعية “أنير” على أن المشكل ثقافي بالأساس: “نُعلّم أبناءنا أن يُقبّلوا كثيرا، وأدَبَ قبّل عمك أو خالك… هذه الأمور تقود إلى لمسات حسية غير معلنة ومسكوت عنها”.
“دونا عن الأم والأب، لا أحد سيوفر الحماية للطفل ولو كان جده أو عمه”. لماذا؟ يوضح المتحدث ذاته: “لنفترض أنك بعثت بابنك إلى أبيك، وأحدهم من الأسرة أَحدَثَ مشكلة ما، هل تظن أن أباك سيخبرك؟ لا، ربما يخبرك لكن بعد مرور الوقت”.
ينبغي على المرء، وفقا لعطار، أن “يفهم بأنه الوحيد الذي يحوز مسؤولية حماية أبنائه، ومن ثم يجب أن يكونوا تحت مراقبة أحدهما أينما ذهبوا”.
اقرأ أيضا: أطفال مغرب اليوم… لكل زمن بيئته ولكل بيئة سلوكاتها! 2/1
الفاعل الجمعوي يؤكد على تعليم الطفل أن يعي ذاته، وأن يعتبر جسده مقدسا؛ ألا يلمسه أحد غير أمه وربما أبيه على نحو صارم: “أضمن أن النتيجة ستكون فورية تبعا لذلك”.
ويوضح أن الطفل يتعلم من ذلك التنديد والاستنكار على الأقل، فإذا لمسه أحد ما ندّد واستنكر… وهذا أهم ما في الموضوع بحسبه، فالذي يشجع المجرم؛ ألا تُعرف جريمته.
“المجرم دائما يرغب في الإفلات من العقاب”، يقول عطار متابعا: “لكنه إذا كان يدرك أنه سيقع في ورطة لأن جريمته ستُفضح، فلن يتجرأ”، وينهي حديثه مؤكدا: “أعتقد، بهذه التغييرات في السلوك، أن معدل هذا النوع من الجرائم سينخفض على نحو ملحوظ”.
دون أن ننسى، بالتأكيد، أهمية السياسات الردعية التي يجب أن تسنها الدولة!