المشاركة السياسية للنساء: مشاركة فعلية أو حضور شكلي؟
مفهوم المشاركة يندرج من حيث حضور المرأة في سيرورة إنتاج القرار وتنفيذه، بدءا من الإخبار وصولا إلى تنمية القدرة على التدبير الذاتي.
هذا الأخير يعتبر أوضح من صيغة التدبير المشترك، الذي يضعه البعض على رأس درجات المشاركة، والذي يمكن أن يختزل حضور المرأة في بعده الشكلي مع سيادة منطق الوصاية الذكورية، التي تتجسد في الحضور الهزيل للنساء في مواقع المسؤولية وحصر مهامهن في النيابة عن الرؤساء الرجال
لن يستقيم الحديث عن موضوع المشاركة السياسية للنساء في المغرب دون تحديد دقيق لمفهومي “السياسة” و”المشاركة”، نظرا لتداولهما بكيفيات مختلفة. وقد ينتهي الوثوق (من الثقة) المعرفي بهما إلى ما يخالف ويناقض النتائج المرغوبة.
التحديد المفاهيمي هنا تحكمه دواعي عملية ممارساتية تخص مسألة مشاركة المرأة في السياسة.
طبعا، ونحن نستعمل مفهوم السياسة في هذا السياق، لن نسير صوب تحديده وفق الفهم الذي يجعل من السياسة هي مجموع ما يتعلق بفن تدبير وتنظيم العيش المشترك، وذلك لسبب بسيط، وهو أن هذا الفهم لا يشير بشكل صريح إلى مفهوم السلطة التي تتسم بها ممارسة السياسة من جهة؛ ومن جهة ثانية، فإن إضمار مفهوم السلطة يؤدي إلى التمويه بتطابق ووحدة مصالح الفئات والطبقات الإجتماعية، متأثرا في ذلك بنزعة كلاسيكية تجعل من الوحدة متحققة على حساب الاختلاف وبنفيه، ولا تقبل بتعايشهما.
اقرأ أيضا: علي اليوسفي: قضية المرأة كأفق لحرية التعبير
غير أن السلطة تبدو لازمة وضرورية في تحديدنا لمفهوم السياسة، لأنها تشير إلى انتقال فهم القوة المحركة لمجرى تاريخ المجتمعات من “العلة الغائية” الأرسطية إلى القوة البشرية المتعاقدة في إطار صراع وتدافع للمصالح. ونحن الآن نتناول مصلحة المرأة المغربية في المشاركة السياسية، وضرورة حضورها الفعلي والفعال في مراكز اتخاذ القرار.
تشير السياسة، بالمعنى الدقيق، إلى كل ما يتعلق بالسلطة السياسية كتعبير عن اختلاف المصالح و تضاربها. غير أن السلطة هي الأخرى، لن يكون استعمالها محصورا للدلالة على الأجهزة والهيئات الرسمية، بل سنأخذها بمعناها العام الأقرب إلى استعمال “ميشيل فوكو” باعتبارها تعكس مجموع علاقات القوة المنتشرة في تفاصيل المجتمع وكذا مؤسساته الصغرى.
هذا ما سيفضي بنا إلى جعل “المشاركة” كمفهوم لا يدل فقط على تموقع المرأة في هيئة أو مؤسسة نيابية، وهو أمر تتيحه الديموقراطية التمثيلية، إذ يمكن أن نتحدث بهذا الشأن عن المشاركة الانتخابية حصرا، بقدر ما يقصد به – أي مفهوم المشاركة – تمكين المرأة من تحسين موقعها في نظام العلاقات القائمة على القوة في كافة مستويات وبنيات الوجود الاجتماعي، وهو ما يعبر عن الدرجة العليا للمشاركة الذي يسمح للمرأة بتنمية حس المواطنة الفاعلة.
اقرأ أيضا: حسين الوادعي يكتب عن المرأة العربية غير المضطهدة!
باعتبار السلطة السياسية تشير إلى تدافع للمصالح، فإن المشاركة لا تعني وحدة الأهداف فقط، بقدر ما تعني احتفاظ كل طرف بأهدافه الخاصة، مع الاشتراك في الهدف العام، مثلما ينبه إلى ذلك “كريستيان مارتي” Christian Marty. إذ يشير إلى أنه، كلما طغى الهدف العام على الأهداف الخاصة يغيب معه التجسيد العملي للمشاركة.
إن مفهوم المشاركة يندرج من حيث حضور المرأة في سيرورة إنتاج القرار وتنفيذه، حسب ستيورت لانغتون Stuart Langton، بدءا من الإخبار l’information وصولا إلى تنمية القدرة على التدبير الذاتي l’autogestion. هذا الأخير يعتبر أوضح من صيغة التدبير المشترك la co-gestion، الذي يضعه البعض على رأس درجات المشاركة، والذي يمكن أن يختزل حضور المرأة في بعده الشكلي مع سيادة منطق الوصاية الذكورية، التي تتجسد في الحضور الهزيل للنساء في مواقع المسؤولية وحصر مهامهن في النيابة عن الرؤساء الرجال.