حسين الوادعي: ملامح من تسامح المجتمع التقليدي في ما يسمى بـ “قضايا الشرف”
أعتقد أن التصاعد الكبير بجرائم الذكورية السامة المعروفة إعلاميا بـ “جرائم الشرف” في أكثر من قطر من منطقتنا لا يعود إلى التمسك بقيم العيب التقليدية أو بالتراث الديني التقليدي، بقدر …
أعتقد أن التصاعد الكبير بجرائم الذكورية السامة المعروفة إعلاميا بـ “جرائم الشرف” في أكثر من قطر من منطقتنا لا يعود إلى التمسك بقيم العيب التقليدية أو بالتراث الديني التقليدي، بقدر ما يعود إلى تدهور القيم التقليدية والابتعاد عن التدين التقليدي إلى التدين السياسي الشمولي.
أتذكر وأنا طفل أن المجتمع كان متسامحا إلى حد كبير في ما يتعلق بما يسمى قضايا الشرف. أذكر أكثر من حادثة لفتيات هربن مع رجال تحت دافع الحب وجرى بينهم ما جرى بما في ذلك العلاقة الجنسية الكاملة، ثم عدن إلى عائلاتهن دون أن تتم معاقبتهن بالقتل. كل ما حصل أنهن حُبِسن في البيت لفترة ثم تم تزويجهن لستر الفضيحة من أحد رجال العائلة (غالبا يكون متزوجا أو كبيرا في السن).
وإذا نتج عن العلاقة حمل، كان يتم تبنيه من قبل إحدى العائلات التي لم ترزق بأطفال.
كان “الستر” هو القاعدة التي يعمل بها المجتمع التقليدي فيما يتعلق بقضايا الشرف.
لا يعني هذا إن جرائم الشرف لم تكن موجودة، لكنها كانت نادرة جدا.
حتى إن المجتمع التقليدي قد وظف الخرافات أيضا في إيجاد مخرج يحفظ حياة الفتاة وفي نفس الوقت يحفظ كرامة العائلة وينقذها من سخرية وتشفي العائلات الأخرى.
إحدى الخرافات التي استمعت اليها صغيرا هي خرافة “الحمل الشيطاني”. فقد كانت بعض الفتيات العازبات يحملن أو كانت بعض النساء المتزوجات يحملن بينما أزواجهن مهاجرون منذ سنوات طويلة. كانت الهجرة الطويلة للزوج سلوكا شائعا جدا في في الأرياف منذ القرن 19 على الأقل. وكان يتم تفسير الحمل بأنه حمل شيطاني نتيجة تزاوج الجن والإنس…
لقد أنقذت هذه الخرافة الظريفة الكثير من الفتيات والعائلات و بدأت أميل إلى اعتبارها تكتيكا شعبيا لإدارة مشاكل الشرف وتقليل نسبة الجرائم قدر الإمكان.
أعتقد أيضا أن الفتوى الفقهية الغريبة حول استمرار حمل المرأة لمدة 4 سنوات هي نوع من أنواع الحماية في قضايا الشرف المعقدة!!
أما بالنسبه للشريعة الإسلامية، فإننا نجدها متسامحة جدا فيما يتعلق بالعلاقات الجنسية وعلاقات الأنساب، على عكس الصورة الشائعة.
الصورة المتشددة حول التحريم المبالغ فيه للعلاقات الجنسية والعقوبات الجنسية هي صورة حديثة رسختها حركات الإسلام السياسي الحديثة كالإخوان المسلمين والسلفية الوهابية والشيعة الخمينية.
إن الحكم الرئيسي الموجود في الشريعة الإسلامية في حالة اتهام الرجل لزوجته بالزنى هو حكم “اللعان”؛ وهو يعني حضور الزوج والزوجة أمام القاضي بحيث يحلف الزوج أن زوجته قد زنت لكي ينجو من حد الجلد، لأنه لم يأت بأربعة شهود وأن لعنة الله عليه إن كان كاذبا.
بعد أن تسمع الزوجة اتهام زوجها، فإنها إما أن تقر بواقعة الزنا وتتحمل العقوبة أو تحلف أنها لم تقترف الزنا وأن لعنة الله عليها إن كانت كاذبة.
بعد هذا اللعان المتبادل، يتم التفريق بين الزوجين إلى الأبد.
اذا كانت المرأة حاملا وأنكر الزوج أن هذا الولد من نسله، فإن النسب يسقط… هكذا، تنتهي العلاقة بهدوء دون أن تمس شعرة من المرأة المتهمة.
إن المواد القانونية المتخلفة التي تبرر جرائم الشرف وتشجع عليها عن طريق تبرئة الذكر القاتل هي نتيجة تدهور إجتماعي وتطرف ديني ضرب المجتمعات العربية في الأربعين سنة الأخيرة… وكان انحطاط التشريعات نتيجة الانحطاط العام.
ان الشرف أوسع بكثير من ان يلتصق بالجزء الأسفل من جسد المراة هو ذلك السمو الوجداني هو تلك الرفعة الاجتماعية التي يكتسبها الانسان بصدقه وعدله وحسن أخلاقه واخلاصه، ونجاحه. هو نفس الشرف ذلك المضر بصدر الرجل إذا دخن السيجارة وبسلوك المرأة إذا دخنت السيجارة