سناء العاجي تكتب: صوفيا تغتصب الأمهات العازبات
بعضهم، كي يدافع عن قضية، يدمر القضية. بعضهم، لأنه يكون غير مدرك لتعقيدات القضية، يميع القضية. بعضهم، لأنه يكتفي بذاته بدل البحث والتقصي لدى أهل الاختصاص، يضرب القضايا التي يدعي …
بعضهم، كي يدافع عن قضية، يدمر القضية.
بعضهم، لأنه يكون غير مدرك لتعقيدات القضية، يميع القضية.
بعضهم، لأنه يكتفي بذاته بدل البحث والتقصي لدى أهل الاختصاص، يضرب القضايا التي يدعي الدفاع عنها، في مقتل.
وبعضهم يختار من القضايا المعقدة، تلك الواجهة الكاريكاتورية التي تسوق في الخارج صورة فولكلورية عن البلد؛ وبدل أن يخدم القضية، ينسفها من الداخل.
عايشت هذا في تجارب كثيرة، كتب وأفلام ونجاحات إعلامية، لا تهدف للدفاع عن قضية ما ولا لمناصرة ضحاياها، بقدر ما تسعى لتسويق صورة فونتازماتية يبحث عنها الغرب فينا.
لقد صرحت مريم بنمبارك أكثر من مرة بأن فيلمها مخصص للأمهات العازبات، كما أنها تبدأ الفيلم بإشارة للفصل 490 من القانون الجنائي الذي يمنع العلاقات الجنسية خارج الزواج. هذا علما أن الحمل في الفيلم لم ينتج عن علاقة جنسية رضائية، وبالتالي فما علاقة الفصل 490 بالموضوع، اللهم الصورة الفانتازماتية التي يحب الغرب مشاهدتها فينا؟
يحضرني هنا مثالان: الفيلم الأخير لنور الدين الخماري (بورن آوت) والفيلم الطويل الأول لمريم بن مبارك (صوفيا).
في فيلمه الأخير “بورن آوت”، أساء الخماري (وأنا بالمناسبة من المعجبين بأفلامه السابقة، القصيرة والطويلة) للحداثة من حيث ظن أنه يدافع عنها. وهو يتصور أنه يدافع عن الحريات وعن المرأة وعن قيم الحداثة ضد الخطاب الإسلاموي؛ قدم نور الدين الخماري أبشع صورة عن الحداثة وعن الحريات الفردية… وقدم بذلك أجمل خدمة للتيار المحافظ، لأنه صور التيار الحداثي وصور المرأة بشكل قدحي سلبي انتهازي لاأخلاقي.
اقرأ لنفس الكاتبة: كلكم شركاء في الجريمة…
مريم بن مبارك بدورها، وهي تقدم للإعلام فيلما عن الأمهات العازبات، اتجهت في النهاية في نفس توجه التيار المحافظ الذي يعتبر أن الفتيات العازبات “نساء فاسدات يحملن من شخص ما ويتهمن ظلما شخصا آخر لا علاقة له بالحمل”. تماما، كما صوفيا في فيلم صوفيا؛ حيث المرأة، حين تتوفر لها الإمكانيات المادية، تستطيع شراء كل شيء، بما في ذلك أب لطفل ولد خارج الزواج، وهو ليس والده. تطور درامي لا يعكس بتاتا واقع الأمهات العازبات، بل ويقدم الحقائق بشكل مشوه.
ليس من حقنا أن نحاصر حق مخرج أو كاتب في اختيار مواضيعه. لكن، بالمقابل، فليس من حق مخرج أن يصرح أمام مختلف وسائل الإعلام المغربية والأجنبية، أن فيلمه يتطرق لقضية معينة؛ وأنه يهدف “للنضال” من أجل القضية؛ ثم يقدم مضمونا يضرب تلك القضية في عمقها،
هذا دون الحديث عن الكثير من المغالطات المجتمعية التي روج لها الفيلم؛ والتي تبين بالواضح أن الفيلم كتب لجمهور آخر غير الجمهور المغربي، وبنَفَسٍ ليس بالضروة مغربيا؛ فمثلا، منذ متى يسأل العدل، عند إبرام عقد الزواج: “هل تقبل أن تتزوجها مدى الحياة؟”، في حين أننا ننتمي لثقافة دينية ومجتمعية تبيح الطلاق؟ بكل بساطة، لأن كاتب الحوار كان يفكر بمنطق الزواج الغربي، في الكنيسة، حيث يسأل القس العروسان إن كانا يقبلان الزواج من بعضهما مدى الحياة… وما هذا إلا مثال بسيط من المغالطات المجتمعية الكثيرة التي قدمها الفيلم.
اقرأ لنفس الكاتبة: كن رجلا… حقا؟
من المؤكد أن حرية التعبير تبقى هي المنطلق الأول في الإبداع. ليس من حقنا أن نحاصر حق مخرج أو كاتب في اختيار تيماته. لكن، بالمقابل، فليس من حق مخرج أن يصرح أمام مختلف وسائل الإعلام المغربية والأجنبية، أن فيلمه يتطرق لقضية معينة؛ وأنه يهدف “للنضال” من أجل القضية؛ ثم يقدم مضمونا يضرب تلك القضية في عمقها، ويخالف جدريا تطوراتها ونضال المجتمع المدني في الدفاع عنها. في حالتنا هذه، فقد صرحت مريم بنمبارك أكثر من مرة بأن فيلمها مخصص للأمهات العازبات، كما أنها تبدأ الفيلم بإشارة للفصل 490 من القانون الجنائي المغربي الذي يمنع العلاقات الجنسية خارج الزواج. هذا علما أن الحمل في الفيلم لم ينتج عن علاقة جنسية رضائية، وبالتالي فما علاقة الفصل 490 بالموضوع، اللهم الصورة الفانتازماتية التي كنا نتحدث عنها أعلاه، والتي يحب الغرب مشاهدتها فينا؟
منذ متى يسأل العدل، عند إبرام عقد الزواج: “هل تقبل أن تتزوجها مدى الحياة؟”، في حين أننا ننتمي لثقافة دينية ومجتمعية تبيح الطلاق؟ بكل بساطة، لأن كاتب الحوار كان يفكر بمنطق الزواج الغربي، في الكنيسة، حيث يسأل القس العروسان إن كانا يقبلان الزواج من بعضهما مدى الحياة…
لو أن مريم بنمبارك قدمت فيلمها كحكاية فقط، لدافعنا جميعا عن حقها في التعبير، لأن “صوفيا” ليس فيلما وثائقيا ولا يحق لنا تعميمه على تيمة كاملة. لكن، وبما أنها تسوق فيلمها في المغرب والخارج كفيلم عن الأمهات العازبات في المغرب وعن الفصل 490 من القانون الجنائي، فليس من حقها، والحالة هاته، أن تضر قضية الأمهات العازبات بهذا الشكل.
*ملحوظة خاصة وشخصية: قمت شخصيا بتقديم الفيلم خلال العرض الأول في الدار البيضاء. قبولي الأولي كان بناء على تيمة الموضوع التي اعتبرتها جريئة وجادة.
حين شاهدت الفيلم في إطار الإعداد للعرض الأول، اكتشفت أنه يصيب في مقتل قضية الأمهات العازبات ونضال المجتمع المدني في هذا الميدان. لكن الأوان كان قد فات حينها للتخلي عن التزامي مع منظمي العرض الأول… كما أنه لم يكن من اللائق أن أوجه انتقاداتي خلال الحفل. لهذا السبب، فقد التزمت بمهمتي التطوعية في تقديم الفيلم، بشكل مهني، رغم كل التحفظات أعلاه.
https://www.youtube.com/watch?v=UVxtw6HrXvY