مريم أبوري تكتب: مغاربة جدد: العالقون
كيف… سيكون شعور كل هؤلاء العالقين، حين يكتشفون بكل بساطة، أن بلدهم لا يجعل من ملفهم أولوية من أولوياته ؟!!
كيف سيكون شعورهم… وهم أصبحوا مغاربة من درجة أقل ما يقال عنها، درجة العالقين إلى أن تفتح الحدود، لكي يحملوا حينها صفة… “مغاربة عالقون سابقا” ؟!!
بعد وجبة فطور رمضاني تسمر المغاربة أمام شاشات القناة الوطنية، التي أرجعهم إليها كوفيد 19، لتتبع أخباره عن طريق مسؤولين في وزارة الصحة والداخلية.
تسمروا وكلهم أمل أن تأتيهم طلة رئيس حكومتهم العثماني بأخبار مفرحة تجيب على تساؤلاتهم وتخوفاتهم… طلة لعلها لا تكون كباقي الطلات العثمانية القليلة، التي لا تشفي غالبا غليل المواطنين، فهو شخصية جد كتومة (مايشبعكش هضرة)، وربما مرد ذلك أنه طبيب نفساني، تعود على الاستماع لمرضاه أكثر من التحدث إليهم.
بدأ رئيس الحكومة الحديث والأجوبة على أسئلة الصحفية بابتسامته المشهورة، والتي تجعل المستمع والمنصت له يشعر بأن كل المشاكل العالقة والناتجة عن انتشار الفيروس، قد وجدت لها الحكومة حلولا ووضعت لها استراتيجيات. لكن… خيبة أمل صفعت المتسمرين أمام شاشات التلفاز ومنهم فئة جديدة من المغاربة أنتجتها جائحة كورونا… تُنعت بالمغاربة العالقين.
فئة جديدة، تذكرنا بمواطني بلدان أخرى ينعتون بالمبعدين من بلدانهم قهرا، هروبا من الحروب أو الأوضاع السياسية أو المجاعة. لكن هؤلاء المغاربة العالقين، الذين يفوق عددهم 27 ألف، غادروا المغرب بقرار منهم وبنية الرجوع إليه، إما لأسباب سياحية أو صحية أو اجتماعية أو مهنية، فوجدوا أنفسهم كالآلاف من مواطني العالم، عالقين في دول غير دولهم.
لكن الفرق بين عالقي العالم والمغاربة العالقين، هو أن الأولين قامت جل دولهم بأقصى ما يمكن لكي ترجعهم إلى بلدانهم وعائلاتهم سالمين منذ الأسابيع الأولى بعد غلق الحدود ، أما المغاربة العالقين والمشتتين عبر العالم، فلازالوا متسمرين أمام شاشات التلفاز، يحدقون في وجه رئيس حكومتهم، ويتابعون تقاسيم وجهه وماذا سيخرج من فمه كاستراتيجيات لحل ملفهم، خصوصا أن وزير الخارجية كان أكد في الأسابيع الأولى لإغلاق الحدود، أن الحكومة ستعمل على إرجاع العالقين…
وبعد شهرين من (التعلاق)… يطل رئيس الحكومة على شاشة التلفاز بابتسامته لكي ينسف كل ذلك الأمل الذي عاشوا عليه لأكثر من شهرين، تكبدوا فيها ولا زالوا مشاكل نفسية ومادية واجتماعية، وصلت حد التشرد واضطرار بعضهم إلى التسول في بلدان الغربة المعلقة…
لقد نسف العثماني آمالهم في الرجوع، بل… لقد وعدهم بالسيناريو الوحيد الذي أفصح عنه، من بين السيناريوهات التي وعد بها المغاربة لتدبير باقي فترة الحجر الصحي وما بعد الحجر، وهذا السيناريو هو أن… المغاربة العالقين، سيعودون إلى بلدهم… بعد أن تفتح الحدود.
يا للسخرية، فإذا فتحت الحدود، لن يكون هؤلاء المغاربة بحاجة للحكومة ولا لرئيسها لكي يحجزوا تذاكر عودتهم لبلدهم.
الحكومة من واجبها أن تكون إلى جانب مواطنيها وتبحث عن حلول لمشاكلهم، في الأوقات الصعبة، وليس بعد أن تنفرج الأزمة. كم هي مرة ومؤلمة تلك الغصة التي شعر ويشعر بها كل عالق وعالقة على حبل الحجر الوطني، مرارة مغاربة يجدون أن جل الدول اهتمت بمواطنيها العالقين خير اهتمام، وهم لا يوجدون في اهتمام حكومتهم الموقرِة لمعاناتهم (عاطياها التيساع)، وكأنها أخلت مسؤوليتها تجاههم بعد أن أحدثت 155 مركزا وخلية أزمة في السفارات والقنصليات المغربية، وتكلفت وزارة الخارجية بتطبيب وسكن حوالي 5700 مغربي عالق، ولا يمكننا إلا أن نثمن هذا، ولكن…
ماذا تمثل هذه النسبة أمام العدد الكبير من العالقين والمعلقة حياتهم وحالاتهم النفسية والمادية والاجتماعية والصحية… إلى أن تفتح الحدود، كي يفتح الله عليهم…
كيف سيكون شعور مواطنين ومواطنات، تعتبر حكومتهم، على لسان رئيسها، أن عودتهم (ليست مسألة لوجيستيكية تتعلق بتجنيد الطائرات وغيرها، بل هي مسألة تتعلق بالأمن الصحي للمواطنين..)؟!!
نعم، هي بدون شك مسألة تتعلق بالأمن الصحي للمواطنين، خوفا من أن ينتشر الوباء أكثر لا قدر الله بدخول هؤلاء العالقين، ولكن… أليس بمقدور حكومتنا أن تخضعهم للحجر في الفنادق الفارغة والمراكز الاجتماعية، خصوصا أن كل العالقين لا يعترضون على هذه الإجراءات الاحترازية، التي طبقتها عدة دول، مع مواطنيها الذين كانوا عالقين بعدة دول؟!!
كيف سيكون شعور هؤلاء العالقين، وهم يتابعون عبر الشاشات، طائرات لعدة دول أجنبية، تحط على مطارات مغربية لكي ترحل مغاربة لهم جنسيات هذه الدول …؟!!
ماهي الصورة التي ستبقى عالقة في ذاكرة الأطفال الذين (علقوا) مع أسرهم، ويعيشون حالات جد صعبة على جميع المستويات، ولا يستوعبون لماذا لا يستطيعون الرجوع إلى بيوتهم وغرفهم ولعبهم وقبل… هذا إلى حضن آبائهم؟!!
ما هي الصورة التي ستبقى عالقة في ذاكرة أطفال، حجزت أمهاتهم بديار تبعد آلاف الكيلومترات، وهم يطلبون منهن أن يرجعن، فتمتزج دموع هذه الأمهات بقبلات حارة على وجنات فلذات أكبادهن… ولكنها مجرد قبل عبر شاشات الهواتف…؟!!
كيف سيكون شعور تلك المسنة التي، لسبب ما سافرت إلى بلد بعيد، فأصبحت في آخر أيامها (لاجئة في بْلادات الناس…)
وكيف سيكون شعور ذلك الشيخ الذي انتهت جرعات الأنسولين الضرورية لحياته… وليس بإمكانه أن يوفر ثمنها ببلاد (العالقين)؟!!
وكيف وكيف… سيكون شعور كل هؤلاء العالقين، حين يكتشفون بكل بساطة، أن بلدهم لا يجعل من ملفهم أولوية من أولوياته ؟!!
كيف سيكون شعورهم… وهم أصبحوا مغاربة من درجة أقل ما يقال عنها، درجة العالقين إلى أن تفتح الحدود، لكي يحملوا حينها صفة… “مغاربة عالقون سابقا” ؟!!
لقد صفق المغاربة بصدق وفخر على كل المجهودات والتدابير والقرارات الاستباقية، التي اتخذتها حكومة بلدهم لتدبير الوضع الاستثنائي الذي سببته الجائحة. صفقوا وتغاضوا عن كل الهفوات التي كانت، ولازالت تشوب هذه التدابير، متفهمين بذلك، أن الوضع استثنائي. ولكن كل هذه التصفيقات هي عربون أمل، توقفت وتبخر معها أمل رجوع العالقين خارج اهتمام الحكومة، حين أخبرهم رئيس حكومتهم بالسيناريو الوحيد الذي هو متأكد منه…
أن المغاربة العالقين لن يفك (وحالهم) إلى أن تفتح الحدود… كي يفتح الله عليهم….
يبقى الأمل كبيرا في هذا الشهر الفضيل… أن يهدي الله حكومتنا وتضع ملف العالقين في أولوياتها، وتجد سيناريو جديدا، كي يرجع العالقون إلى حضن وطنهم … كي يتذكر طفل عالق، بعد أن يصبح شابا، أن عمه العثماني… قد أرجعه إلى بلده في حقبة عرفت بزمن كورونا.