فيديو تعنيف شاب من ذوي الإحتياجات الخاصة: هل يمكن تبرير العنف؟
مرة أخرى، أبان شريط الفيديو الذي يوثّق للحظة اعتداء جسدي/لفظي شنيع على طفل من ذوي الإحتياجات الخاصة من طرف زوجة والده عن مدى الوحشية المدفونة في قعر النفس البشرية، ومدى …
مرة أخرى، أبان شريط الفيديو الذي يوثّق للحظة اعتداء جسدي/لفظي شنيع على طفل من ذوي الإحتياجات الخاصة من طرف زوجة والده عن مدى الوحشية المدفونة في قعر النفس البشرية، ومدى رعونة فِعل الفاعلة التي انهالت بالضرب والسب والشتم على شخص لا حول له ولا قوة. نفس الفيديو يوثق لغياب رد فعل زاجر من طرف الأب، الذي بدا بدوره في موقف “ضعف” أمام تلك السيدة الهائجة والخارجة عن السيطرة؛ فقد قامت بدون أن يرف لها جفن، بتعنيف الطفل من غير رأفة ولا رحمة.
ولئن دلّ هذا السلوك عن شيء إنّما يدل عن وحشية الإنسان التي تقابل “إنسانيته”. تلكم الوحشية التي تسكن الدّواخل والأعماق الإنسانية وتحتل منطقة معينة من اللاوعي الإنساني، والتي تطفو على السّطح عند الإنفلات من عقال الوعي/العاقل.
التجارب والأبحاث أبانت على كون العنف ليس طبيعة متأصلة أو غريزة ثابتة في الإنسان، بل هو سمة وخاصية ثقافية واجتماعية نمت وتطورت مع نمو الحضارة الإنسانية وتطورها
ربّما تكون هذه الظروف الوبائية التي يعايشها العالم ككل اليوم، قد فرضت المكوث في البيوت على غير العادة، وغيّرت العادات الحياتية/المعيشية المألوفة بدون سابق إنذار؛ مما ولّد وخلّف ضغطا نفسيا رهيبا أدى في محصِّلته إلى الإصطدام أحياناً، وإلى مناوشات وشجارات عنيفة أحياناً أخرى. إلّا أن هذا ليس مبررا بأي حال من الأحوال لتعنيف أي شخص، فما بالك بشخص غير قادر على الدفاع عن نفسه.
بالعودة إلى تقسيم العنف؛ نجد أن العنف في حد ذاته ينقسم إلى قسمين:
في النوع الأول، يتعلق الأمر بالعنف الدفاعي ذو الطبيعة الغريزية بالأساس. يشترك في هذا النوع من العنف الإنسان والحيوان، وهدفه الدفاع من أجل البقاء أو الحفاظ على النوع.
أما العنف الثاني، فهو العنف المدمر أو حب التدمير؛ وهي خاصية ترتبط بالدرجة الأولى بالبشر دون باقي الكائنات الحية. في هذا النوع تندرج السادية، وهذا السلوك مكتسب لأنه قابل للإثارة والضبط من خلال عوامل ثقافية متنوعة.
لا يمكن التماس الأعذار لمن يقوم بفعل التعنيف على شخص ما تحت أي طائل
بيد أن التجارب والأبحاث أبانت على كون العنف ليس طبيعة متأصلة أو غريزة ثابتة في الإنسان، بل هو سمة وخاصية ثقافية واجتماعية نمت وتطورت مع نمو الحضارة الإنسانية وتطورها. العنف لا يمثل دوما سلوكا فرديا مرضيا، بل أنه غالبا ما يكون فعلا اجتماعيا وثقافيا بامتياز.
ولعل شريط الفيديو الذي انتشر عبر وسائط التواصل الإجتماعي انتشار النار في الهشيم يوضح أن هنالك عنفا مخفيا تبدّى في لحظة “نرفزة” وغضب خارج عن السيطرة. لكن، في المقابل، قد يُتهم الفتى -عن قصد أو غير قصد- بالمكر والخديعة لكونه ربّما استفز زوجة والده حتى استشاطت غضباً، أو قيامه عن سبق عمد بتسجيل شريط الفيديو لإظهار شيء ما مخفي، أو للظهور بمظهر المظلومية. بيد أن كل هذا ليس مسوغا لتلك الفِعلة الشنيعة، ولا يمكن، تحت أي ذريعة، تبرير تعنيفه بتلك الطريقة القاسية.
لا يمكن التماس الأعذار لمن يقوم بفعل التعنيف على شخص ما تحت أي طائل، وقد طفت على السطح مظاهر العنف ليس فقط عبر الشريط المذكور وإنما في أماكن عدة، وبأشكال شتى في ظل الوضع الراهن الذي فرضته الظروف الوبائية المحيطة بنا؛ والتي حمّلت العالم ما لم يحتمل، وأوقعت بالنفوس ما لم يكن متوقّعاً….