ثورة لبنــــان الجميلة
استطاع هؤلاء الشباب أن يدوسوا على كل ما يفرقهم وجعلوا للثورة الجميلة عنوانا واحدا: “لبنان لكل اللبنانيين”… بلا محاصصة … بلا طائفية دينية ولا طائفية سياسية.
… ربما يتربص بهم المتربصون. ربما يخطف قبس ثورتهم قراصنة أو مرتزقة مندسون بين الصفوف. فالثورة تولد وحولها آلاف الأعداء يسعون إلى خنقها في المهد، ولا يتركون لهيبها يحرق أعداء الحرية والتحرر والكرامة.
يرقصون بصدق العاشق الولهان…
يتغنون بأجمل الألحان…
يتمايلون كأشجار الصفصاف باسقة الأغصان…
ويحلمون، صادقين، بشمس جديدة، تنير سماء الأوطان…
تنشر الدفء… تداعب أوراق الليمون والرمان..
من رحم الغيب خرجوا..
من بين الفجاج تقاطروا، كالصبح البهيج، ساحــــةَ الحرية ولجوا..
وقصصَ الحب والروعة نسجوا….
ينشدون.. و”يدبكون” ويتعانقون ..
يرفعون أعلام الوطن رفرافة عالية. فالوطن في ثورتهم الجميلة فوق النعرات البدائية… فوق الطائفية البغيضة… فوق كهنوت الأديان وإكليروس المحاصصة وحرس المعابد والمصالح وعباد الريع الجاثمين على صدر الوطن. ولأنهم عرفوا أن كل رؤوس الطوائف ورجال الدين المزيفين والمتاجرين بالشعب والوطن، لا يخدمون إلا مصالحهم، ولا يغتنون إلا بمص دماء أبناء الشعب الفقراء… فإنهم لم يوفروا أحدا على الإطلاق.
أيقن الشباب في غمرة ثورة جامعة أن هؤلاء الأفاكين الذين ملؤوا رؤوسهم بتخاريف الطائفية وحكايات التفرقة على أساس المذاهب والأحزاب والطوائف، لم يكن يهمهم من كل هذه الأوثان السخيفة إلا مصالحهم الضيقة ومصالح أبناء العشيرة الأقربين
بصراحة منقطعة النظير، أعلنوا منذ البداية براءتهم من كل الزعامات والولاءات والرؤوس واللصوص، أعداء الشعب… وأعداء الوطن.
بالفرح انتصروا… وبالرقص تآلفوا… وبالحب نسجوا رباطا قويا جعل “المتشايعين” و”المتسننين” و”المتأمسحين” و”المتأدرزين” وكل ملوك الطوائف المتواطئين ضدهم يتولون إلى الخلف صاغرين، ويدسون وجوههم في التراب حائرين. لا يطيقون النظر في العيون البراقة، والجباه المرتفعة، والأيادي المتشابكة.
كيف لا يصغرون وكيف لا يخجلون وهم يرون سنوات الطائفية والتفقير والتفرقة تضيع هباء منثورا؛ ويرون أن شباب لبنان تخلصوا في لحظة ثورة صادقة من كل ما يفرق بينهم، وتمسكوا فقط بالوطن عروة وثقى ورباطا مقدسا ولحمة متماسكة؟
لقد أيقن الشباب في غمرة ثورة جامعة أن هؤلاء الأفاكين الذين ملؤوا رؤوسهم بتخاريف الطائفية وحكايات التفرقة على أساس المذاهب والأحزاب والطوائف، لم يكن يهمهم من كل هذه الأوثان السخيفة إلا مصالحهم الضيقة ومصالح أبناء العشيرة الأقربين. لقد رأوا أوثانهم المدنسة تتهاوى منكسرة على وقع رقصات ودبكات وأهازيج الشباب الحالمين بوطن واحد ومصير واحد وقدر واحد.
إقرأ أيضا: من بريطانيا، وائل العجي يكتب: الربيع العربي ومتلازمة استكهولم، أو ولع الضحية بالجلاد
صرخ الشباب، راقصين ورافعين أعلام الوطن، أن ارحلوا جميعا؛ فالوطن لا يمكن أن تصلح أحواله، أو تستقر أوضاعه، أو تتماسك أركانه، وسط تفاهمات الطائفيين وتقاربات الإقطاعيين الذين يرون خيرات الوطن فريسة ميسورة، لهم وحدهم حق الفتك والتلذذ بها. بعد عقود من النهب والسلب، اكتسب هؤلاء أنيابا حادة ومخالب قوية وقلوبا سكنها حب الكراسي على حساب المآسي، واستوطنها الدجل على حساب الجد والعمل.
تفاجأ حراس الهيكل أن سياساتهم أصبحت مكشوفة ولم يعد الشباب المتعلمون، المتحررون، التنويريون، الحالمون، العاشقون بصدق، والثائرون بعنفوان… لم يعودوا قاصرين على الفهم ولا مخدري العقول أومغيبي التفكير. لقد بدا الشباب فعلا… شامخين شموخ الأرز، صامدين بكل فخر وعز. وبدا بالمقابل كل السماسرة والدجالين والأفاكين مجرد أشباح باهتة وبقايا أطلال متهالكة وأصحاب مصالح رخيصة وضيقة.
. ولأنهم عرفوا أن كل رؤوس الطوائف ورجال الدين المزيفين والمتاجرين بالشعب والوطن، لا يخدمون إلا مصالحهم، ولا يغتنون إلا بمص دماء أبناء الشعب الفقراء… فإنهم لم يوفروا أحدا على الإطلاق.
حتى “دون كشوت المقاومة”.، صاحب العمامة، ظن في سكرة غرور أن لعبته ستبقى غير مكشوفة إلى الأبد. وظن أن خطاباته ” الكيلومترية”، حدّ الملل والقرف، سوف تغنيه عن المساءلة وتعفيه من المحاسبة. لكن شباب الثورة الذين ارتأوا أن يرتفعوا عن كل ما من شأنه أن يفسد عليهم جمال ثورتهم وبهجة تمردهم على الأوثان، اختاروا من البداية مواجهة كل الرموز بما هم عليه، لا بتلك الصور الخادعة التي رسموها لأنفسهم ورسخها مديح الأتباع في مخيلتهم. فقالوا لــ ” دون كشوت المقاومة” بصوت واحد : ( كلن يعني كلن… دون كشوت واحد منن) وهو ما يعني بالعربي الفصيح : “كلهم يعني كلهم … دون كشوت واحد منهم”.
رُفعت الأعلام الحمراء، وجفت أقلام الدعاية وانهارت أسطورة المقاومة.. وافتضح زيف تلكمُ العمامة.
استطاع هؤلاء الشباب أن يدوسوا على كل ما يفرقهم وجعلوا للثورة الجميلة عنوانا واحدا: “لبنان لكل اللبنانيين”… بلا محاصصة … بلا طائفية دينية (من الطائفة) ولا طائفية سياسية (من اتفاق الطائف).
إقرأ أيضا: من الأردن، بشار حداد يكتب: نحن أيضا اكتشفنا المؤامرة… مع السلامة
هو حب الحرية والشوق إلى الكرامة ووعي الانعتاق من كل ما من شأنه أن يكبل إرادة شعب حر حالم وعزيمة شباب متوثب للحياة الجميلة والعيش الكريم. ربما يتربص بهم المتربصون. ربما يخطف قبس ثورتهم قراصنة أو مرتزقة مندسون بين الصفوف. فالثورة تولد وحولها آلاف الأعداء يسعون إلى خنقها في المهد، ولا يتركون لهيبها يحرق أعداء الحرية والتحرر والكرامة.
في كل الأحوال، فإن صفحة ساطعة انضافت إلى سجل ثورات الشعوب… وفيها من الجمال ما يغري باقي الشعوب أن تسير على نفس الطريق.
أما أولئك المشنعون والرافضون والمنتقدون من منطلقات سَلفية أو سُفلية، فقد آن الأوان أن يعرفوا أن الشعوب التواقة للتحرر، دائما تسعى إلى تحقيق أهداف كبيرة أعلاها حرية الإنسان وكرامته. يتساوى في ذلك الرجال والنساء والصغار والكبار وكل أبناء الشعب الواحد. يناضلون ويكافحون، بكل الأشكال الجميلة وبكل الوسائل المبهجة، لا يدور في خلدهم ما يركد في رؤوس الصغار من رواسب ووساوس وبقايا غرائز بدائية…
فلتنتصر ثورة لبنان الجميلة!