التأمين الإجباري عن المرض في المغرب: الرعاية الصحية في متناول الجميع - Marayana
×
×

التأمين الإجباري عن المرض في المغرب: الرعاية الصحية في متناول الجميع

في إطار سياسة المملكة المغربية الرامية إلى بناء دولة اجتماعية، يشهد المغرب تحولا جذريا في منظومته الصحية من خلال تعميم التأمين الإجباري على المرض باعتباره ركيزة أساسية لضمان الحق في الرعاية الصحية للمواطنين وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية في الولوج إلى الخدمات الطبية.

وبفضل انطلاق المشروع الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية منذ سنة 2021، حقق هذا الورش الضخم الذي يشرف على تنزيله الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي نتائج مهمة، حيث توسع النظام ليشمل أكثر من 16 مليون مستفيد جديد وهو ما يوفر تغطية صحية لأزيد من ٪ 80 من السكان، بعدما كانت لا تتجاوز ٪ 40 قبل ذلك.

وفي هذا المقال، سنقدم لكم أهم مزايا هذا النظام.

ما هو التأمين الإجباري على المرض؟

نظام التأمين الإجباري عن المرض هو جزء أساسي من منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب، يرتكز على مبدأ المساهمة والتعاضد لمواجهة الأخطار الصحية، ويضمن تغطية لجميع المواطنين بغض النظر عن وضعهم الاقتصادي و الاجتماعي.

وقد سجل هذا النظام منذ انطلاقه سنة 2005 تطورا كبيرا ليس فقط على مستوى العلاجات التي يغطيها، بل حتى على مستوى جودة الخدمات التي يوفرها والفئات المشمولة، حيت يتمتع جميع المغاربة اليوم بالحق في الاستفادة من التغطية الصحية بفضل الورش الملكي الخاص بتعميم الحماية الاجتماعية.

هندسة اجتماعية شاملة ومستدامة

يرتكز تعميم التأمين الإجباري عن المرض على هيكلة ذكية ومرنة، تضمن للمستفيدين الجدد نفس الحقوق والخدمات التي يستفيد منها أجراء القطاع الخاص، باعتبارهم القاعدة التاريخية لنظام الضمان الاجتماعي المغربي. وتشمل هذه المزايا أساسا :

–       سلة علاج موحدة؛

–       نسب تعويض متساوية؛

–       آليات تغطية متكافئة؛

–       تـغطية الأخطار الصحية الكبرى بدون حد أقصى؛

–       تغطية الأخطار المحتملة والأخطار الفعلية (التكفل بالأمراض السابقة لعملية الانخراط)؛

–       الإعفاء الجزئي أو الكلي من المبلغ المتبقي على عاتق المؤمن؛

–       التكفل بمصاريف العلاج بالخارج ؛

–       التحمل المباشر للأدوية المكلفة في إطار نظام الثالث المؤدي…

فالتأمين الإجباري عن المرض، نظام موحد للجميع، تتفرع عنه عدة مداخل تناسب الوضع المهني والاجتماعي لكل مواطن:

AMO العمال الأجراء

يشمل هذا النظام فئة الأجراء والمتقاعدين في القطاع الخاص.يمثل هؤلاء الفئة التاريخية المستفيدة من التأمين الإجباري عن المرض الذي يدبره الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتظل استفادتهم من هذا النظام رهينة بالتصريح بهم وأداء الاشتراكات الخاصة بهم من طرف المشغل وفق المساطر المعمول بها.

AMO العمال غير الأجراء

يشمل هذا النظام فئة العمال غير الأجراء، ويوفر تغطية للعاملين في مهن كانت سابقا خارج منظومة الحماية الاجتماعية، مثل أطباء القطاع الخاص، التجار، الحرفيين، الفلاحين، السائقين، والمقاولين الذاتيين… جميع هؤلاء أصبحوا الآن مؤهلين للاستفادة من تغطية صحية متكاملة يشرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على تدبيرها.

ويتم تحديد مبلغ الاشتراكات الواجب أداؤها بموجب مرسوم تطبيقي حسب دخل كل فئة. تؤدى هذه الاشتراكات شهريا أو كل ثلاثة أشهر، وتعد شرطا أساسيا لافتتاح الحق في الاستفادة من النظام والحفاظ عليه.

  AMO تضامن

يعد هذا النظام بديلا لنظام المساعدة الطبية السابق (RAMED)، حيث يوفر تغطية أوسع وأكثر تكاملا للأشخاص في وضعية هشة. يتم تحديد أهلية الاستفادة من النظام عبر السجل الاجتماعي الموحد (RSU)، وتتحمل الدولة أداء الاشتراكات، مما يتيح للمستفيدين الولوج إلى العلاج في المستشفيات العمومية مجانا، بالإضافة إلى إمكانية ولوج المصحات الخاصة، واسترجاع مصاريف الأدوية، والاستشارات، والفحوصات الطبية المتخصصة، والاستفادة من تحمل المصاريف حسب التعريفة الوطنية المرجعية.

 AMO الشامل

هو نظام مخصص للأشخاص القادرين على دفع الاشتراكات والذين لا يمارسون أي نشاط مأجور أو غير مأجور.
يتم الانخراط فيه عبر أداء اشتراك شهري يحتسب بناء على النقطة المحصل عليها في السجل الاجتماعي الموحد. (RSU)
يتيح هذا النظام لأي مواطن، حتى وإن كان بدون عمل، الاستفادة من تغطية صحية لائقة، مما يساهم في تقليص الفوارق، والوقاية من الهشاشة الصحية، وتعزيز التماسك الاجتماعي.

المزايا الأساسية لنظام التأمين الإجباري عن المرض

تغطية متكاملة لخدمات صحية متعددة:

يشمل النظام التحمل المباشر لجزء من تكاليف العلاج في حالتي الاستشفاء والعلاج بالأدوية المكلفة. كما يوفر إمكانية استرجاع مصاريف العلاج بعد تقديم ملف التعويض لدى مكاتب القرب المعتمدة أو وكالات الضمان الاجتماعي.

وتضم سلة العلاجات التي يشملها النظام مجموعة من الأعمال الطبية مثل الاستشارات العامة والمتخصصة، التحاليل المخبرية، التصوير الطبي، الأدوية المدرجة في لائحة الأدوية القابلة للتعويض، الاستشفاء الجراحي والطبي، وحتى بعض العلاجات الخاصة مثل العلاج الكيماوي أو علاج الأمراض المزمنة…

نسب تعويض موحدة

يتم تعويض مصاريف العلاج بنسبة تتراوح ما بين 70%  و 90% وفق التعريفة المرجعية الوطنية، وقد تصل إلى 100% في حالات الأمراض المزمنة أو الاستشفاء.

التضامن الاجتماعي ودعم الفئات الهشة

يوفر نظام AMO   تضامن تغطية صحية شاملة للفئات ذات الدخل المحدود، حيث تتحمل الدولة اشتراكاتهم مما يضمن عدم حرمان أي أحد من الحق في الرعاية الصحية بسبب وضعيته الاقتصادية والاجتماعية.

تغطية شاملة لأفراد الأسرة
يشمل النظام أفراد الأسرة: الزوج أو الزوجة، والأطفال حتى بلوغ سن معينة إذا كانوا يواصلون دراستهم، مع ضمان تغطية صحية للأطفال في وضعية إعاقة مدى الحياة.

 تسهيل إجراءات التسجيل

يتم التسجيل في النظام تلقائيا للموظفين عند التعيين في القطاع العام أو الخاص.

أما بالنسبة للعمال غير الأجراء، الفئات الهشة والأشخاص الذين لا يمارسون أي نشاط مأجور، فيمكنهم تسجيل أنفسهم بطريقة سهلة ومبسطة عبر مختلف القنوات المتاحة حسب النظام المناسب لهم.

وقد وضع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي رهن إشارة كل فئة دلائل وفيديوهات توضيحية لإجراءات التسجيل، يمكن الاطلاع عليها من خلال موقعه الرسمي أو صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي.

تقليل العبء المالي
يمكن النظام  من تحمل جزء كبير من النفقات الصحية، مما يخفف العبء المالي على الأسر، خاصة في حالات الأمراض المزمنة أو التدخلات الطبية المكلفة.

CNSS:  رقمنة الخدمات والقرب من المواطن في صلب الاهتمامات

أمام حجم الورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية، استطاع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مواكبة هذا التوسع الكبير مع تحسين جودة الخدمات وتيسير الولوج إليها معتمدا في ذلك على التحول الرقمي كرافعة استراتيجية لتبسيط المساطر واستيعاب الزيادة في عدد المستفيدين. ويعد تطبيق MaCNSS مثالا حيا عن هذا التوجه، حيث  يتيح للمؤمنين عدة خدمات أهمها:

–       تتبع ملفات التعويضات،

–       تحميل الشواهد،

–       التصريح بذوي الحقوق،

–       الاطلاع على وضعية الحق في AMO.

وقد تم تطوير التطبيق وتزويده بواجهة باللغة العربية لتسهيل الولوج الرقمي للفئات الجديدة، خاصة العمال غير الأجراء و المستفيدين من نظاميAMO   تضامن و AMO الشامل.

لم يكن خيار الرقمنة على حساب القرب، بل عزز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حضوره الميداني عبر:

–       أكثر من 3000 نقطة قرب لإيداع ملفات المرض،

–       176 وكالة ثابتة،

–       65 وكالة متنقلة.

وقد مكنت هذه الاستراتيجية التي تزاوج بين الرقمنة والقرب من تحسين جودة الخدمات وتوفير تغطية وطنية فعالة.

تحديات مستمرة

بالرغم من المكاسب المهمة التي يحققها نظام التأمين الإجباري عن المرض في المغرب، يواجه هذا الأخير عدة تحديات تعيق استفادة بعض المواطنين من خدماته. ومن أبرزها:

عدم إقبال الفئات القادرة على دفع الاشتراكات على تسجيل وأداء الاشتراكات بشكل منتظم. حيث يعاني نظامي العمال غير الأجراء وأمو الشامل من ظاهرة “الانتقاء العكسي”، حيث لا يلجأ إلى دفع الاشتراكات إلا من يحتاج إلى العلاج. لكن عدم الانتظام في الأداء لمدة ستة أشهر يلزم المؤمن، ليس فقط بتسوية وضعيته، بل أيضا بالانتظار ثلاثة أشهر إضافية قبل افتتاح الحق في الاستفادة مجددا وهذا ما يفسر عدم تكمن مجموعة من الأشخاص من الولوج الفعلي للنظام.

وتحدث هذه الظاهرة خللا في منطق نظام التأمين الإجباري عن المرض القائم على مبدأ التضامن، إذ يجب أن يساهم الشباب و الأصحاء أيضا لضمان التوازن المالي.

كما يواجه المواطنون فجوة بين الأسعار المرجعية والأسعار الحقيقية في بعض المصحات والمرافق الصحية بالقطاع الخاص، مما يحملهم تكاليف إضافية مرهقة ماديا.

ورغم هذه الصعوبات، فإن الحكومة المغربية تبذل جهودا متواصلة لتجاوزها بتنسيق مع مختلف الجهات الفاعلة، من خلال:

–       العمل على ضبط أسعار الأدوية و تحسين البروتوكولات العلاجية، وتعزيز الوقاية، ومحاربة الغش والتلاعب؛

–       توسيع شبكة المرافق الصحية وتطوير البنية التحتية العمومية من مستشفيات جامعية، وتجهيزات، وتكوين الأطر الطبية، إضافة إلى إحداث مؤسسات جديدة مثل المجموعات الصحية الترابية ووكالات الأدوية والدم… فمن المهم أن يأخذ المستشفى العمومي مكانته الكاملة في منظومة العلاج، لأنه يساهم في ضبط التكاليف وتحقيق إنصاف أكبر في الولوج إلى العلاج بفضل تعريفة أقل من تلك المعتمدة في القطاع الخاص؛

–       تبسيط المساطر الإدارية وتسريع معالجة الملفات عبر الرقمنة وتحسين التنسيق بين الجهات المعنية.

وعموما، يعد تعميم التأمين الإجباري عن المرض اليوم خيارا استراتيجيا واعدا، يعكس رؤية شاملة وبراغماتية لدولة اجتماعية، يجد فيها كل مواطن مكانه ضمن نظام صحي متماسك. كما يعد رمزا حيا للتضامن الوطني، وركيزة أساسية لبناء مجتمع أكثر عدالة، تكون فيه الصحة حقا للجميع، لا امتيازا للبعض.

ويدير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هذا التحول، برؤية حديثة، استباقية ومرنة، قادرة على مواكبة توسع النظام مع وضع المؤمن في صلب اهتماماته وتوفير خدمات ذات جودة ترضي الجميع.

 

 

 

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *