البيجيدي والبيليكي والتّيمْشخي
على السيد الأزمي أن يعلم أنه، إن كانت هناك من شعبوية مقيتة، فقد سبق إليها حزبه، ربما قبل كل الأحزاب والفعاليات الاخرى.
وأحيله ــ مثلا ــ على الفيديو الذي يخاطب فيه كبير حزبهم سنة 2001، وفي إطار الأسئلة الشفوية لثلاثة نواب برلمانيين من حزب العدالة والتنمية، وزير المالية والاقتصاد آنذاك، حول معاشات الوزراء.
البيليكي والتّيمشخي من المصطلحات التي يتم تداولها بشكل كبير من طرف شريحة معينة داخل المجتمع. لا علاقة لهما بالعامية بالتأكيد، بل هي لغة الشارع بامتياز، سوقية الاستعمال أصلا. وتدخل في القاموس الذي يسميه مستعملو هذه المصطلحات باللّوغُو (تحريفا لكلمة لغة).
لم يجد النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية وعمدة فاس حاليا، وأحد الوزراء السابقين لهذا الحزب، خلال تَحْييرَته وجذْبته أمام لجنة المالية، إلا استعمال هاتين الكلمتين السوقيتين، اللتين ستظلان لسوء حظّه وضيق أفقه، لصيقتين باسمه على مدى السنين المقبلة.
لا غرابة أن نُحبط كمغاربة، ونحن نشاهد بأسى عميق، مشهدا من مشاهد التْصنديل والتقزدير في المشهد الحزبي المغربي، من الذين لا يرون في المؤسسات التمثيلية سوى مؤسسات مُدرّة للربح ومطية لكسب امتياز اجتماعي، وغير مبالين بمرتكزات وأخلاقيات العمل السياسي، رغم ما يحاولون إبداءه من غيرة على هذه المؤسسات.
اقرأ أيضا: كوثر بوبكار تكتب: باسم الشعب… ديكتاتورية الأتباع!
ما اعتبره النائب البرلماني لحزب العدالة والتنمية “شعبوية مقيتة”، هو أمر غريب وعجيب لا يوجد بالتأكيد إلا في عقله ووجدانه، إذ اعتبر أن هناك من يطالب العمال والولاة والموظفين بمختلف مراتبهم بالاشتغال “بيليكي” كما قال، أي بالمجان، وهذا من محدثات الأمور وبدعة من بدع السيد الأزمي، مادام أن هذا المطلب أخرق ولا يقبله عاقل.
لكن السيد النائب احتمى بالجمر من الرمل الحارق، إذ عوض أن يذهب بشكل مباشر إلى مربط الفرس، اختار الالتواء وتعميم مطلب يهم تخفيض أجور ومعاشات البرلمانيين وأعضاء الحكومة على كل الموظفين السامين بهدف التمويه وخلط الأوراق وكسب الشرعية.
على السيد النائب البرلماني أن يعلم أنه، إن كانت هناك من شعبوية مقيتة، فقد سبق إليها حزبه، ربما قبل كل الأحزاب والفعاليات الاخرى، وأحيله على الفيديو الذي يخاطب فيه كبير حزبهم سنة 2001، وفي إطار الأسئلة الشفوية لثلاثة نواب برلمانيين من حزب العدالة والتنمية، وزير المالية والاقتصاد آنذاك، حول معاشات الوزراء، بقوله: “السيد الوزير احْنا دولة إسلامية والمبادئ الإسلامية مبنية على الاهتمام بالضعفاء والفقراء والمحتاجين، وسيدنا عمرْ كان كيقولْ لْكَرشو مللي كتغرْغَرْ: غرغري أو لا تغرغري فلن تأكلي سمنا أو عسلا أو زيتا حتى يشبع فقراء المسلمين “.
إنه غيض من فيض من الأمثلة والخطابات التي كان حزب العدالة والتنمية يمارس فيها تسخيناته السياسية، ويبيع الوهم للمغاربة خلال المدة التي كان فيها في المعارضة، وبنفس المطالب التي اعتبرها السيد الأزمي الآن شعبوية مقيتة، بعدما ذاق هو وباقي أعضاء حزبه المستوزرين منهم، وأولئك الذين استحلوا كراسي البرلمان والمسؤوليات، طعم الماعون المخزني.
اقرأ أيضا: هشام روزاق يكتب. ذكرى 20 فبراير وبنكيران: زمن “التقاعــس” الاستثنائي
أما محاولته إظهار المؤثرين كمدمرين للاقتصاد المغربي وسياسة الحكومة، ورغبته في إعدام وجودهم، فهو أيضا تمويه واضح لابتذال الإعلاميين الشرفاء ومستعملي الشبكات الاجتماعية، الواقفين/ات بالمرصاد ضد تجار الدين والسياسة، وهو ما اعتبره بلغته السوقية بمثابة “تيمشخي”، علما على أن التّيمشخي الحقيقي هو الذي يمارسه إعلام حزبه والعديد من المنتسبين لحزبه القابعين وراء حواسبهم لتلميع صورة الحزب وإظهار سياساته اللاشعبية كإنجازات مجيدة.
لقد أراد النائب البرلماني البيجديست أن يخلق الحدث، بعدما أرغى وأزبد وتوعّد، وفعلا فقد صنع كلامه الحدث، ولكن في اتجاه لم يحسب له الحسبان، ألا وهو لُجاج من السخرية والاستهزاء بكلامه الأرعن والأهوج.
أكيد أن مآل الببجيدي لن يختلف في شيء عمّا آلت إليه أحزاب ضحّت بتاريخها ورصيدها الجماهيري على مذبح المصالح والامتيازات، والانكباب على تصريف أجندات واختيارات لا شعبية.